الشعر الملحمي في الأدب العربي

اقرأ في هذا المقال


الملحمة هي المعركة الدامية والمجزرة في الشعر وهي منظومات تتضمن الكثير من الحكايات تبنى بشكل رئيسي على خوارق البيئة وضُروب الخيال، وتتناول هذه المنظومات مجريات ومغامرات لأبطال يملكون قوى خارقة، وفي هذا المقال سنتحدث عن هذا النوع من الشعر في الأدب المشرقي ونتعرف على خصائصه ونماذج منه.

الملحمة لغة واصطلاحا

في اللغة تأتي بمعنى الحرب الدامية وأطلق عليها ملحمة لتلاحم البشر واندماجهم فيما بينهم، وأيضاً يدل على أن القتلى كاللحم المتناثر على الأرض.

وعنها يقول ابن منظور: ” الملحمة: الوقعة العظيمة القتل، وقيل موضع القتال، وألحَمت القوم إذا قتلتهم حتى صاروا والحما، وألحم الرجل الحَاما واستلم استلحَاما إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصا، والجمع ملاحم مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى، وقيل هو من اللحم  لكثرة لحوم القتلى فيها، والملحمة، الحرب ذات القتل الشديد، والوقعَة العظيمة في الفتنة. ” 

اصطلاحاً: هي شكل في أشكال الكلام المنظوم الذي يتحدث عن قصة بطولية، ووقائع حربية دامية يخوضها الأبطال، وتعج بضروب من الخيال وتُدمج مع المُجريات الحقيقية.

الشعر الملحمي في الأدب العربي

بسبب ضعف الكتّابة في بداية الأمر لجأ الأدباء إلى سرد قصصهم وحكاياتهم عن طريق أشعارهم ومقطوعات ملحمية فكان لها دور في الحفاظ على أخبار وأعمال وبطولات تاريخية، لقد حاول أهل الأدب العربي منذ القدم نظم المنظومات الملحمية ولكنها بائت بالفشل نتيجة الظروف المعيشية القاسية آنذاك، أيضاً ذهابهم في هذه المقطوعات إلى وصف الحُروب ومنازلة الوحوش مثل عنترة.

الأدب المشرقي كان يحتوي على محاولات للشّعر الملحمي، وظهرت متواضعة وتطورت فيما بعد في ازدهر الأدب وبدأت تضاهي الملاحم الغربية العظيمة، ومن أبرز رواده خليل مطران في مؤلفه ” فتاة الجبل الأسود، نيرون” وكذلك معلوف في مقطوعاته ” على بساط الريح. ” 

نموذج نقدي حول الشعر الملحمي

تعددت آراء رواد النقد بخصوص هذا الشكل من الكلام المنظوم ومن أهم هذه الآراء ما قاله نجم الدين الحاج:

“قد بدأ بالنمو في العصر الجاهلي، و لكنْ لم يستطيع أن يبرز على أنه شعرٌ ملحمي لأنَّه كان يفتقر إلى أهمِّ سمة من سمات الشعر الملحمي وهو طول القصيدة، والشِّعر الجاهلي قد أتاح الفرصة الكاملة للشعراء المحُدثين لكي يهلهلون الشٍّعر الملحمي في عصر النهضة الأدبية، وسيظل الشِّعر الجاهلي هو المثل الأعلى لشعراء الشِّعر الملحمي”.

خصائص الشعر الملحمي

1- ترتكز في الأساس على التداول الشفهي الذي ينتقل بالكلام عبر الأجيال، وبعد ازدهار الكتابة أصبحت تدون وتطورت بشكل كبير حتى أصبحت شكلاً من أشكال الأدب المشرقي المهم.

2- تميزت المقطوعات الملحمية بأنها تسرد القصص بسهولة وسلاسة.

3- لجأ الشاعر إلى استخدام ضروب متنوعة من الخيال ودمجها مع الأحداث الحقيقية بطريقة يصعب على المتلقي التفريق بين الخيال والحقيقة.

4- الإكثار من المحسنات والصور البلاغية والإسراف في وصف المجريات.

5- تخلو تماماً من العواطف، ولا علاقة لها بالقائل فلا يستطيع التحدث عن شخصه أو التعبير عن مكنون نفسه.

وظيفة الملحمة الشعرية

تعتبر المقطوعة الملحمية أقرب أنماط الكلام المنظوم لنفس المتلقي وتعدُّ نوعاً من الترفيه والتسلية ووظيفتها الأساسية تخليد البطولات للحكام والقادة، وكذلك رفع شأن أصحابها وأبطالها لدى المتلقي وتشجيعه وحثه لخوض نفس هذه البطولات التي قام بها أبطال الملاحم.

وما زالت هذه الملاحم متداولة وتنبض بالحياة في العديد من المؤلفات إلى وقتنا هذا، وتعدُّ بمثابة موسوعة تاريخية تتفل الأحداث التي لم تدون وتؤرخ في مؤلفات التاريخ.

نماذج على الشعر الملحمي

1- جدارية محمود درويش:

وأَنا الغريبُ. تَعِبْتُ من “درب الحليب”

إلى الحبيب. تعبتُ من صِفَتي.

 يَضيقُ الشَّكْلُ. يَتّسعُ الكلامُ. أَفيضُ 

عن حاجات مفردتي. وأَنْظُرُ نحو

 نفسي في المرايا: هل أَنا هُوَ؟ 

هَل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْري الفصل

الأخيرِ؟ 

وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض،

 أم فُرِضَتْ عليَّ؟ 

وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدّوْرَ 

أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها 

لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما 

اُنحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ 

وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ؟

 وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ: هل أَنا هُوَ؟

2- “ذلك الشَّعب الَّذي أتاه نصرا” لخليل مطران:

ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا 

هُوَ بِالسُّبَّةِ مِنْ نيْرونَ أَحْرى

 أَيُّ شيءٍ كانَ نَيرون الَّذي 

عَبَدوهُ كان فَظَّ الطَّبْعِ غِرَّا

 بَارِزَ الصُّدْغيْنِ رَهْلاً بَادِناً 

لَيسَ بِالأَتُلَعِ يَمْشِي مُسْبَطِرَّا

 خائِبَ الهِمَّةِ خَوَّارَ الحَشا 

إِنْ يوَاقَفْ لَحْظهُ بِاللَّحْظِ فَرَّا 

قَزْمَةٌ هُمْ نَصَبوهُ عَالِياً 

وَجَثوْا بَينَ يَدَيْهِ فَاشْمَخَرَّا 

ضَخَّموهُ وَأَطالُوا فَيْئَهُ 

فَترَامَى يَملأُ الآفاقَ فُجْرَا

 مَنَحُوهُ مِنْ قُوَاهُمْ مَا بِهِ

 صَارَ طاغُوتاً عَليْهِمْ أَوْ أَضرَّا

 يَكْثُرُ الإِعْصَار هَدْماً وَردىً

 إِنْ يُكاثرْهُ وَما أَوْهَاهُ صَدْرا

وفي النهاية نستنتج إن رواد الأدب قد لجأوا إلى الشعر الملحمي نتيجة لضعف الكتابة فتوجهوا إلى سرد قصصهم وبطولاتهم عن طريق المقطوعات، وتضمنت الملاحم وصف الحروب الدامية ومنازلة الوحوش مثل الزير سالم، ومن أبرز رواده محمود درويش، خليل مطران وغيره.


شارك المقالة: