للصداقة أثر بليغ وعظيم في النفس البشرية، فهناك أُناس تجمعهم علاقة صداقة وطيدة تجعلهم يستغنون بها عمن حولهم من أشخاص، حيث تصل بهم الدرجة إلى تقديم أرواحهم لبعضهم البعض من شدة علاقتهم، وهناك أصدقاء يلبسون ثوب الصداقة المزيف، إذ عند أول موقف أو ضيق نتعرض لهُ، قد لا نجد أي أحد منهم فيختفون بلمح البصر.
العبرة من المثل:
هي ليس كل من يقال عنه صديق يكون صديقاً بكل ما للكلمة من معنى، حيث للصداقة مفهوم بليغ وثمين لدى بعض الأشخاص، فبعضهم يحلون محل الأخ من شدة وفائهم لأصدقائهم، وبعض يتمثل بالصداقة المزيقة، ولكنه يتسم بالخبث والكره والحقد والكذب، فليس كل من قال لنا أنه صديقنا يكون صديقاً في الحقيقة، لذلك يجب تؤخي الحذر في انتقاء الأصدقاء.
قصة المثل:
كان هناك شاباً ثرياً ثراءً فاحشاً وكان أبيه يعمل في تجارة المجوهرات مثل الياقوت والمرجان، وهذا الشاب يحلو بمكانةٍ عظيمةٍ لدى أصدقائه، فيولونَ له احتراماً عظيماً ولكن هذا الثراء لم يدم طويلاً، حيث مات والد هذا الشاب فبدأت يوماً عن يوم تسوء أحوال الشاب وعائلته، حتى وصل إلى حد الفقر.
ودارت الأيام وبدأ الشاب بالبحث عن أصدقائه القدامى، فعلم أن أعز أصدقائه ممن كان يسخى عليهم، حيث كان أقربهم إليه، قد أصبحَ ثرياً بدرجة كبيرة وأصبح يملك العديد من القصور والنقود، فقرر بالتوجه إليه لعله يجد عنده وسيلةً أو عملاً للنهوض مما هو فيه.
ذهب الشاب الفقير إلى القصر، الذي يتواجد فيه صديقه، حيث استقبله الحشم والخدم، فأخبرهم بطبيعة علاقته بصاحب القصر، وكيف كانوا أصدقاء مقربين، وطلب من الخدم أن يخبروا صديقه بقدومه، وعند علم بقدوم صديقه بدأ ينظر إليهِ من وراء ستائر القصر، ليرى صديقه القديم في حالة يرثى لها، حيث تظهر عليه ملامح الفقر.
وفي هذه الأثناء قام برفض مقابلتهِ، وقال للخدم أخبروه أنه لا يمكنني استقبال أحد، فخرج ذلك الشاب، وملامح الحزن تملأَ وجهه، ويتألم من داخلهِ على صداقتهم كيف أصبحت، وإلى أي درجةٍ وصلت بهم، وعن تغير قيم الإنسان، وأَخذَ يتساءل، كيف تؤدي الصداقة إلى موت الضمير، وعن سبيل المروءة إلى أين وَصل في نفوس البشر.
وفي أثناء رجوعه إلى دياره، التقى بثلاثة أشخاص في حيرةٍ من أمرهم، وكأنهم يبحثون عن أحدٍ ما، فسألهم ما أمرهم؟ فقالوا له إننا نبحث عن شخص، يقال لهُ فلان ابن فلان، حيث ذكروا اسم والدهِ، فقال لهم: أنا هو ولكن والدي مات منذ زمن، اعتذر الأشخاص منهُ، وذكروا فضائل وخير والدهُ عليهم.
ثم قالوا لهُ: أن والدهُ عندما كان تاجراً بالجواهر النفيسة، بقي له عندنا قطع ثمينة من المرجان، وضعها أمانة لدينا، وها نحن قد جئنا لاسترجاعها لهُ، فقاموا بوضع كيس ضخم ممتلئ بالمرجان أعطوه له وذهبوا، وفي هذا الأثناء بدأت ملامح الدهشة تملأ ملامحه، ولا يصدق ما يسمع وما يرى.
تساءل بعدها من سيشتري المرجان اليوم، فالمرجان يحتاج إلى أناس أثرياء، ولم يعد من مدينته من يملك القدرةُ على شرائهِ، وأكمل طريقه، وبينما هو يمشي ليعود إلى منزله وجد امرأة كبيرةٍ، تظهر عليها ملامح الثراء والخير، فسألت أين يمكن أن أجد أحداً يبيع مجوهرات ثمينة في مدينتهِ؟ فسألها أي نوع تبحثين من المجوهرات؟
فقالت المرأة: أحجار رائعة الشكل وليس مهم سعرها. فسألها عن مدى إعجابها بالمرجان، فقالت المرأة: إنه من أفضل المجوهرات لديها، فقام بإخراج بضع أحجار من المرجان ليريها إياها، أُعجبت السيدة بالمرجان وقامت بشرائها ووعدته بأن ترجع مرة أخرى لشراء المزيد منه، وهكذا فكت ضيقة هذا الشاب.
ثم عادت أموره تتيسر، ورجع لتجارته وثرائه، فتذكر الشاب صديقه الذي رفض مقابلته، وبعث له بيتين من الشعر مع صديقه وقال:
صحبت قوماً لئاما لا وفاء لهم … يدعون بين الورى بالمكر والحيل
كانوا يجلونني من كنت رب غنى … وحين افلست عن دوني من الجهل
وحين قرأ صديقه هذه الأبيات رد عليه وقال:
أمّا الثلاثة قد وافوك من قِبَلي…. ولم تكن إلا سببا من الحيلِ
أمّا من ابتاعت المرجان والدتي ….وأنت أنت أخي بل منتهى أملي
وما طردناك من بخل ولا قلل …..لكن عليك خشينا وقفة الخجل