الصورة الاستعارية في شعر أبو فراس الحمداني

اقرأ في هذا المقال


إن الشعر ديوان أهل المشرق فهو يتضمن عاداتهم ومعتقداتهم وأساليب حياتهم وحربهم وسلمهم، حيث يعكس أحوالهم وأنماط معيشتهم، وقد ظهر العديد من رواده وخصوصًا في عهد بني العباس وتعتبر الفترة الذهبية في تاريخ الأدب، ومنهم أبو فراس الحمداني الذي تميز بأدبه الذي كان يعجّ بالصور الاستعارية الرائعة والعاطفة المتدفقة، وفي هذا المقال سنتناول الصور الاستعارية داخل قصائده ومنابع ثقافته.

مفهوم الاستعارة لغة واصطلاحا

لغة: تدل على الأخذ والتبادل بين اثنين يُقال يستعيرون الماعون أي يتناولونه والعارية: المناولة، ورد في المعجم: “هم يتعوَّرون العَواريَّ بينهم، واستعارهُ فأَعاره إياه: أي أعطاه إياه، واعتبروا الشيء: أي تداولوه فيما بينهم.”

اصطلاحًا: ذكر الغرض باسمِ شيء آخر وإسباغ خصائصه عليه رغم عدم ملكيته لهذه الصفات فمثلًا يستخدم رواد الكلام المنظوم لفظ الأسد الذي يعد نوع من الحيوانات ليدل على شجاعة الرجل، فلقد استعار الأديب هذا اللفظ ليرمز لشيء آخر مغاير لجنسه.

مصادر الثقافة في شعر أبو فراس الحمداني 

1- المصحف الشريف: يتضمن العديد من المفردات المشرقية القديمة لكن بمفهومٍ ودلالاتٍ جديدة مختلفة بعكس ما كان متعارف عليه قبل ذلك، قد أكسب كتاب الله العديد من المفردات معاني حديثة لم تكن معلومة من قبل وسميت بالمفردات الإسلامية، ومثال عليها كلمة حِجر وهي مكان نزول الحاج أو المكان الذي يقطن به الحاج ولقد ذكر أبو فراس هذا اللفظ في مدحه لنساءٍ من أهله:

فَهَل عَرَفاتٌ عارِفاتٌ بِزَورِها

وَهَل شَعَرَت تِلكَ المَشاعِرُ وَالحِجرُ

أَما اِخضَرَّ مِن بُطنانِ مَكَّةَ ماذَوى

أَما أَعشَبَ الوادي أَما أَنبَتَ الصَخرُ

سَقى اللَهُ قَوماً حَلَّ رَحلُكَ فيهِمُ

سَحائِبَ لاقُلٌّ جَداها وَلا نَزرُ

كان لفظ الحِجر يدل في القديم على الركن أو البيت ولكن عندما جاء الإسلام تغيرت دلالتها وتحللت من الوثنية إلى القدسية التي ترمز لتوحيد الخالق، فبعدما كان مكانًا لعبادة الأصنام أصبح ركنًا لتوحيد الخالق والعبادة تقربًا لله سبحانه وتعالى، وقد ورد هذا اللفظ عند الحمداني في مقطوعاتِه التي مدح فيها آل البيت بقوله:

الرُكنُ وَالبَيتُ وَالأَستارُ مَنزِلُهُم

وَزَمزَمٌ وَالصَفا وَالحِجرُ وَالحَرَمُ

صَلّى الإِلَهُ عَلَيهِم أَينَما ذُكِروا

لِأَنَّهُم لِلوَرى كَهفٌ وَمُعتَصَمُ

ومن المفردات الإسلامية التي أكثر أبو فراس من استعمالها الإيمان وكذلك الكفر ولقد قام بتشخيص كلٍ منهما وكيف أن الإيمان هزم وتغلب على الكفر ويردد في ذلك:

فَإِن يَكُ ما قالَ الوُشاةُ وَلَم يَكُن

فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكُفرُ

وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ

لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ

2- الاقتباس من القرآن: هو نبعٌ عذبٌ ينهل منه رواد الأدب ويزينون به مقطوعاتِهم ويجمِلونها به، فلقد عجت الدواوين بالاقتباسات المستمدة من هذا النبع العذب الذي تأثروا به كثيرًا، وكذلك كان حال أبو فراس الذي وظف الكثير من الآيات داخل مقطوعاتِه ومثال عليها قوله:

الله ينقص ما يشاء

وفي يد الله الزيادة

وكذلك نظم:

كأننا لما استقارَ العَبرُ

أُسرَةُ موسى يومَ شُقَّ البحرُ

3- الموروث: وهو من أبرز عناصر ثقافة الحمداني ويظهرُ في أدبه تأثره الشديد بمن سبقه وخصوصًا الجاهليين، ومثال على هذا حديثه عن الشموخ والقوة التي اتسمت بها قبيلته واستعدادهم لنزول والقتال في ساحات الحرب حيث يقول:

إِذا وُلِدَ المَولودُ مِنّا فَإِنَّما 

الأَسِنَّةُ وَالبيضُ الرِقاقُ تَمائِمُه

أَلا مُبلِغٌ عَنّي اِبنَ عَمّي أَلوكَةً

بَثَثتُ بِها بَعضَ الَّذي أَنا كاتِمُه

أَيا جافِياً ماكُنتُ أَخشى جَفاءَهُ

البيت السابق يرتبط ويتشابه كثيرًا بما نظمه عمرو بن كلثوم في حديثه عن شجاعته وإقدام قومه حيث قال:

إذا بلغ الرضيع لنا فطامًا

تخرُّ له الجبابر ساجدينا

كما عَمِدَ الحمداني إلى استعمال الإشارة كأن يشير إلى قول معروف ومأثور على سبيل الكناية في الرد على الأعداء، ومثال عليه قوله:

ضطَغِنٍ يُراوِدُ فِيَّ عَيباً

سَيَلقاهُ إِذا سُكِنَت وَبارا

4- الطبيعة: كانت هي الملهم الأول ومنها يستمد معانيه وصوره التي عجت بها مقطوعاتِه ومثال عليها تكرار كلمة الربيع في قوله:

عُذوبَةٌ صَدَرَت عَن مَنطِقٍ جَدَدٍ

كَالماءِ يَخرُجُ يُنبوعاً مِنَ الحَجَرِ

وَرَوضَةٌ مِن رِياضِ الفِكرِ دَبَّجَها

صَوبُ القَرائِحِ لاصَوبٌ مِنَ المَطَرِ

كَأَنَّما نَشَرَت أَيدي الرَبيعِ بِها

بُرداً مِنَ الوَشيِ أَو ثَوباً مِنَ الحِبرِ

من صور البيئة أيضًا في مقطوعاتِه قوله:

وَكَأَنَّما البِرَكُ المِلاءُ تَحُفُّها

أَنواعُ ذاكَ الرَوضِ وَالزَهرِ

بُسطٌ مِنَ الديباجِ بيضٌ فُروِزَت

أَطرافُها بِفَراوزٍ خُضرِ

الاستعارة التصريحية عند أبو فراس الحمداني

استَعار الحمداني بلفظ السيف لوصفِ ممدوحه الشجاع شديد البأس بأسلوب مبالغ فيه يعتمد على التخييل ومثال عليه مدحه لسيف الدولة حيث يقول:

بني عَمِّنا ما يَصنَعُ السَيفُ في الوَغى

إِذا فُلَّ مِنهُ مَضرِبٌ وَذُبابُ

بَني عَمِّنا لا تُنكِروا الحَقَّ إِنَّنا

شِدادٌ عَلى غَيرِ الهَوانِ صِلابُ

بَني عَمِّنا نَحنُ السَواعِدُ وَالظُبى

وَيوشِكُ يَوماً أَن يَكونَ ضِرابُ

ومنه أيضًا استعارته للفظ القمر ليدل على جمال محبوبته ويتغزل بها مبينًا حسنها وعلو شأنها في قلبها فيقول:

قَمَرٌ دونَ حُسنِهِ الأَقمارُ

وَكَثيبٌ مِنَ النَقا مُستَعارُ

وَغَزالٌ فيهِ نِفارٌ وَلا بِد

عَ فَمِن شيمَةِ الظِباءِ النَفارُ

لا أُعاصيهِ في اِجتِراحِ المَعاصي

كما استعار لفظ الغزال ليدل على الجمال في كل منهما حيث يقول:

غَزالٌ فيهِ نِفارٌ وَلا بِد

عَ فَمِن شيمَةِ الظِباءِ النَفارُ

لا أُعاصيهِ في اِجتِراحِ المَعاصي

في هَوى مِثلِهِ تَطيبُ النارُ

قَد حَذِرتُ المِلاحَ دَهراً وَلَكِن

ساقَني نَحوَ حُبِّهِ المِقدارُ

الاستعارة التمثيلية عند أبو فراس الحمداني

يعتمد هذا الشكل من الاستعارة على التراكيب أو الصور التي استخدمت في غير دلالتها الأصلية ومثال على هذا النوع عند أبو فراس قوله:

أَنفِق مِنَ الصَبرِ الجَميلِ فَإِنَّهُ

لم يَخشَ فَقراً مُنفِقٌ مِن صَبرِهِ

وَاِحلَم وَإِن سَفِهَ الجَليسُ وَقُل لَهُ

حُسنَ المَقالِ إِذا أَتاكَ بِهُجرِهِ

فلقد شبه الشاعر هيئة من يصبر على مصائب الدهر بحال من ينفق أمواله في سبيل الله دون الخوف من نفاذ ما بحوزته، ومثال عليه أيضًا قوله:

ولو سَدَّ غيري ما سددتُ اكتفوا به 

وما كان يغلو التِبرُ لو نفق الصُفر

التوليف السينمائي عند أبو فراس الحمداني

تعددت الصور الكنائية في مقطوعات الحمداني وخصوصًا في توضيح علاقته بسيف الدولة وترتكز الكناية عنده على الخيال واستدعاء المعاني، أي أنه ينقل للمتلقي الفكرة بأسلوب استحضار أفكار مشابهة للمعنى الأصلي وهي بذلك تشبه التوليف السينمائي ومثال عليه قول أبو فراس:

وَلَكِنَّني وَالحَمدُ لِلَّهِ حازِمٌ

أَعِزُّ إِذا ذَلَّت لَهُنَّ رِقابُ

وَلا تَملِكُ الحَسناءُ قَلبِيَ كُلَّهُ

وَإِن شَمِلَتها رِقَّةٌ وَشَبابُ

وَأَجري فَلا أُعطي الهَوى فَضلَ مِقوَدي

وَأَهفو وَلا يَخفى عَلَيَّ صَوابُ

في قوله “إذا ذلت لهنَّ رقاب” كناية عن التذلل وهو لا ينخدع بهذا الشيء، كما أنه عَمِدَ إلى الجمع بين الطباق في قوله ” أعِزُّ إذا ذلَّت” وقد قاما بالغرض المنشود الذي يرمي إليه الشاعر.

كذلك قوله:

وَلَمّــا أَن طَــغَــت سُــفَهــاءُ كَـعـبٍ

فَـتَـحـنـا بَـيـنَـنـا لِلحَـربِ بـابا

مَـنَـحـنـاهـا الحَـرائِبَ غَـيـرَ أَنّا

إِذا جـارَت مَـنَـحـنـاهـا الحِرابا

في الأبيات السابقة كنى أبو فراس عن قوتهم واستعدادهم للخوض في الحرب المشتعلة دون خوف أو تردد من خلال قوله:” فتحنا للحرب بابا.”

وفي النهاية نستنتج إن الحمداني تميز بأدبه الذي يعج بالصور الاستعارية والكنائية كما في مقطوعات الغزل وكذلك عن صدقها في الثناء، ومن مصادر الثقافة لديه نذكر البيئة والقرآن الذي يعد نبع عذب ينهل منه رواد الأدب ويجملون به مقطوعاتهم.


شارك المقالة: