الصورة الشعرية في شعر الحسيين في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تُعد الصورة الشعرية من الأساسيات، حيث يجب على الأديب اتقانها ويحسن استعمالها فالأفكار مترامية في كل مكان والحدق من يعلم كيف يختار ألفاظه ويرسم منها لوحاتٍ شعرية جميلة، ومن هنا نتحدث عن الصورة لأهميتها الكبيرة في الأدب وسنوضحها من خلال أدب الحسيّين في العهد الأموي.

الغزل الحسي في العصر الأموي

في اللغة الحسّ: هو النبرةُ الخفية، والحِس يعني أحسست بالأمر والغرض وشعرتُ به، والحسُّ قد يشار إليه بأنه ألمٌ ينتاب المريض، والحسُّ يدل على القتل والإبادة، كما يرمز للشعور بالضرر جراء البرد وغيرها.

واصطلاحًا: الحس في الأدب يعني أن المتلقي تنمو عنده فكرة النص من خلال استيعاب شكل عناصر المشهد ورؤية ألوانه وتكاتفها مع معطيات أدبية مختلفة، مثل انتقاء الكلمة المناسبة والتعابير الجيدة التي تدل على المعنى القوي.

لقد برز الغزل الحسي في المناطق المتحضرة في الحجاز ويثرب ومكة في العهد الأموي، ولقد أطلق عليه العلماء والباحثين مسمى الغزل الحضري الذي طغى عليه حياة الغنى والرفاهية، كما أسموه بالعديد من المسميات ويدل في جميع مسمياته على غزل مادي يتوجه إلى التمتع بالجمال الأنثوي وهو عكس العذري.

خصائص الغزل الحسي

1- تحديد أماكن حُسن الأنثى: إن مكامن الروعة التي حركت مشاعر الشاعر الحسي هي نفسها التي أثارت رواد الشعر القديم، فمَواطنُ الجمال هي ذاتها في جسم المحبوبة، حيث عَمِدَ الشعراء إلى تصوير الأنثى في الغزل الصريح بأنها ممتلئة الجسم ممشوقة القامة بيضاء البشرة هيفاء عند حضورها وكل ذلك نجده حاضرًا في وصف عمر بن أبي ربيعة:

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً

تَخالُها في ثِيابِ العَصبِ دينارا

نرى أن رواد الحسي قد أسبغوا أحاسيسهم على من عشقوا فلم يهملوا جزء من جسدها إلا وكان له حظٌ في أدبهم ومثال على هذا قول الأحوص الأنصاري:

قَطوفُ المَشي إِذ تَمشي

تَرى في مَشيِها خَرَقا

وَتُثقِلُها عَجيزَتُها

إِذا وَلَّت لِتَنطَلِقا

2- اللغة: توجه الغزل إلى اعتماد لغة أدبية حديثة والابتعاد عن الألفاظ الغريبة وتشكيلها تشكيلًا مرنًا يتناسب مع حياة الأشخاص الحديثة، لهذا نرى هذا النوع قريبًا من معيشتهم ومجتمعهم ومثال عليه قول عمر بن أبي ربيعة:

بَينَما يَذكُرنَني أَبصَرنَني

دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر

قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى

قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها

قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر

ذا حَبيبٌ لَم يَعَرِّج دونَنا

ساقَهُ الحَينُ إِلَينا وَالقَدَر

أعلام مدرسة الغزل الحسي في العصر الأموي

1- عمر بن أبي ربيعة: يرجع نسبه لبني مخزوم وترعرع في أحضان والدته حيث مات والده عندما كان صغير ولعائلته مكانة مرموقة في مكة سواء في الجاهلية أو في الإسلام، وكان يسمى بالعدل لأنه يكسو الكعبة سنة وتكسوها القبائل سنة أخرى كما لقب بذي الرمحين، إما بسبب طوله أو لأنه كان يخوض المعارك ويقاتل برمحين، عاش عمر في عائلة مترفة ثرية وتربى على يد أمه وجدته مما انعكس ذلك على أدبه وشعره.

2- الأحوص الأنصاري: عرف باسم عبد الله ويلقب الأحوص ترعرع في يثرب وتنعم بالرفاهية التي انتشرت في عهد بني أمية ويقول عنه أحد الباحثين: ” ولم تنقطع حياة البذخ واللهو والعبث من أهل المدينة وظلت البلدة مسرحًا للمغنين والجواري، ومفزعًا لأهل اللهو والعبث، ففشا المجون فيها أيضًا إلى أهذا الأثر الذي تركه في حياة أصحاب أهلها وادي العقيق، وحفلات الأنس والغناء والسمر فيه، فظهر شعر المدينة ممثلاً لهذه الحياة وكان زعيمهم الأحوص.”

مفهوم الصورة الشعرية لغة واصطلاحا

لغة: عرف عن الكلام الموزون ارتكازه على الخيال، فلا يمكنه التخلي عن الصورة سواء في القديم أو الجديد، فالصورة تدل على هيئة الشيء وصفاته وترتكز على المفردات حتى تتمكن من الوصول إلى المعاني.

اصطلاحًا: هي من أدوات الأديب المهمة التي من خلالها يستطيع التعبير عما يدور في مكنون نفسه من عواطف وانفعالات، هي طريقة يصور فيها مشاعره ونقلها للمُتلقي وإثارة مشاعره وتشجيعه من أجل خوض التجربة.

وظيفة الصورة الشعرية وأهميتها

1- تعتبر الصورة طريقة للإيضاح والتعبير وتتركز أهميتها في ما تحدثه في الأفكار من خصوصية دون تغيير مدلولاته. 

2- تعد الصورة مجموعة من الروابط الحسية والمعنوية المتشابكة التي تحدث حسًا عاطفيًا وإيقاعيًا داخليًا.

3- يوظف فيها الأديب رابطة الأصوات والأفكار فهي بمثابة انعكاس لمكنون الشاعر والمعاني تتوالى في الذات ثم يأتي بعدها المفردات.

4- الصورة ليست فقط نقل للأفكار بل هي مشاعر تدور في مكنون الأديب حيث تصف حالته النفسية.

5- التمكن من إيصال التجربة للمستمع والتأثير فيه وحثه للخوض في نفس التجربة.

مصادر تشكل الصورة الشعرية في شعر الحسيين

1- الطبيعة: وتشمل الحية والصامتة لأن البشر فُطروا على حُبها ونشأوا بها وترعرعوا فيها سواء أكانت جنة خضراء أو صحراء فهي الملهم الرئيسي لهم، حيث تعجّ بالصور الجميلة ومنها استمد الحسيّين أبهى الصور موظفين مظاهر الكون في تكوين صورهم بنمط يخدم مفرداتهم  وأفكارهم، ومثال على هذا المصدر نرى العرجي مهتمًا بالجانب المعنوي وينشد:

إِذا دَعَت هاجَ ذا الأَشجانِ مَنطِقُها

كَأَنَّها قَينَةٌ غَنَّت عَلى عُودِ

أَقُولُ لَمّا التَقَينا وَهِيَ مُعرِضَةٌ

تَشكو الجَفاءَ وَإِخلافَ المَواعيدِ

مِنّي إِلَيَّ وَتَنسى ذَنبَ رَبَّتِها

إِذا بَرَّحَت بِمُصابِ القَلبِ مَعمُودِ

كما نرى هذا المصدر قوي الحضور في مقطوعات عمر بن أبي ربيعة الذي توجه إلى تصوير محبوبته عفراء وكأنها تشبه برائحتها خمر بيسان حيث أنشد:

كأن فاها إذا ما جئت طارقا

خمر بيسان أو ما عتقت جذر

شُجت بماءٍ سحابٍ زلَّ عن رصف

من ماء أزهر لم يُخلط به كدر

والعنبرُ الأكنف المسحوق خالطة

والزنجبيل ورندٌ هاجه السّحرُ

2- الموروث الثقافي: من المؤكد أن الأشخاص مرتبطين بتراثهم ومنساقين إليه فهو جزء من ذاكرتهم ويُعدُّ من أهم مصادر الصور الذي من خلاله استمد الحسيّون أروع اللوحات، فنراهم يستخدمون مقطوعات القدامى مثل امرؤ القيس والأعشى ويتعلموا منها أجمل الصور، وتطبيقها على قصائدهم وحياكته على منوال من سبقوهم، ومثال عليه أخذ الأحوص من مقطوعات جميل بن معمر الذي قال:

أبثين إنك قد ملكت فأسجحي

وخذي بحظك من كريم واصل

كما نظم الأحوص:

أسلام إنك قد ملكت فأسجحي

قد يملك الحر الكريم فأسجح

وفي النهاية نستنتج أنّ الصورة الشعرية من أهم أدوات رواد الكلام المنظوم التي بواسطتها يستطيع التعبير عن مكنون نفسه، وإيصال تجربته للمتلقي وحثه للخوض في التجربة نفسها، ومن أبرز رواد الغزل الحسي في العصر الأموي الذين تأثروا بحياة الرفاهية وانعكست على أدبهم الأحوص وعمر بن أبي ربيعة غيرهم. 


شارك المقالة: