كلّ الأمم التي تركت الأثر على وجه المعمورة، لها الإرث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: ” الضرّة مرّة ولو كانت جرّة”.
فيم يضرب مثل “الضرة مرة ولو كانت جرة”؟
مثل: “الضرة مرة ولو كانت جرّة”، يُعتبر من الأمثال الشعبية الطريفة ، والتي تُسمع غالبًا على ألسنة النساء ، حيث يُضرب هذا المثل ليوصل رسالة إلى الزوج عن مرارة الإتيان بزوجة أخرى “ضرّة”، فأيا كانت تلك الضرة، حتى وإن كانت ليست من البشر، فهي أيضًا ضرة وستشعر الزوجة الأولى بالغيظ منها، وقد يتسع البعض في المواقف التي يضرب فيها المثل، إذ نجدهم يستشهدون به حين يؤتى بشخص قد يفقد آخر بعضًا من ميزاته ومسؤولياته أو كلها.
قصة مثل “الضرة مرّة ولو كانت جرة”:
قصّة مثل: ” الضرة مرة ولو كانت جرة” قديمة، يعرفها الكثير من الناس، إذ يُروى أنه من قديم الزمان تزوج رجل من سيدة طيبة، وكان الزوج يتمنى من الله أن يرزقه طفلًا منها، غير أن السنوات مرت، ولم يشأ الله أن يرزقهما بالذرية، فشعرت الزوجة أن زوجها متكدر من عدم قدرتها على الإنجاب، فطلبت إلى زوجها أن يبحث عن زوجة أخرى، ويتزوجها لعل الله يرزقه الذرية منها؛ وذلك لأنها لا تستطع أن تنجب له الأطفال الذين هم حلم كل أب وأمّ، في البداية رفض الزوج ما طلبت إليه زوجته؛ لأنه يخشى حدوث مشاكل بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية، ويتحول المنزل الهادئ إلى نار مشتعلة؛ بسبب الخلافات بين الزوجتين.
وافق الزوج أخيرًا، بعد إلحاح شديد، وأخبر زوجته أنه سيبحث عمن سيتزوج منها في بلدة بعيدة، حتى تكون غريبة عن بلد زوجته الأولى، فلا تحدث مشاكل بينهما، وخرج الزوج من منزله؛ ليبدأ رحلته في البحث عن الزوجة الثانية، ثم إنّده وجدها أخيرًا، وعاد إلى المنزل، وهو يحمل جرة كبيرة من الفخار، وقد ألبسها ملابس النساء؛ لتبدو مثل المرأة الحقيقة تمامًا، قرع الزوج على باب منزله، ففتحت له زوجته الأولى، وقد علمت أنّه قد نفذ وعد، إذ تزوج من الثانية، وأحضرها معه وأدخلها غرفته وأغلقها، وفي صباح اليوم التالي استيقظ الزوج، وذهب إلى العمل وعاد إلى منزله في المساء، وما إن فتح باب المنزل، إذ وجد زوجته الأولى تبكي بحرقة.
بادر الزوج إلى سؤال زوجته الأولى عن سبب بكائها، وحينها أخبرته أن زوجته الثانية قد أهانتها، بل حتى إنها ضربتها، وطلبت من زوجها أن ينتقم لها، ويجعل زوجته الثانية تعتذر عن تلك الإهانة التي أحدثتها، فوافق الزوج، وأحضر عصا كبيرة، وأخرج الجرّة المغطاة من غرفته، وبدأ يضربها؛ فتهشمت الجرة، وسقطت أجزاء الفخار على الأرض، علمت الزوجة بالخدعة التي قام فيها زوجها، حينها قالت الزوجة في خجل: “الضرة مرة ولو كانت جرة”.