إن البيئة بجميع مظاهرها هي الملهم الأول والملهب الذي يُشعل قرائح الأدباء في مختلف الأوقات وتتمثل في الجاهلية بالصحراء ولقد تناولها الشعراء في مقطوعاتِهم وعبروا عنها بأجمل الوصوف.
وصف الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي
1- الأماكن: تعد الأماكن سببًا رئيسيًا في ألم الشاعر خاصة عندما يمر بمنازل المحبوبة ويتذكرها فيقف متمعنًا بهذه الديار وآثارها ويصفها بأدق الصور ومثال على هذا قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ
بسقط اللوى بين الدَّخول فحومل
فتُوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمُها
لما نسجتها من جنوبٍ وشمال
2- الجبال: تعتبر من أبرز مظاهر البيئة التي تناولها الشعراء في مقطوعاتِهم حيث نعتوها بأجمل الصور المقترنة بالحوادث ومن هذا قول لبيد بن ربيعة:
درس المنا بمتالِعٍ فأبان
وتقادمت بالحُبس في السوبان
فنعاف صارة فالقنان كأنها
زبرٌ يرجعها وليد يمان
3- السراب: أمعن الشعراء النظر في هذه الصحراء وما ينشأ فيها من أحداث كالسراب الذي جذبهم ولفت انتباههم وراحوا يصفونه بأدق الصور ومثال عليه قول امرؤ القيس:
فَشَبَّهتَهُم في الآلِ لَمّا تَكَمَّشوا
حَدائِقَ دومِ أَو سَفيناً مُقَيَّرا
أَوِ المُكرَعاتِ مِن نَخيلِ اِبنِ يامِنٍ
دُوَينَ الصَفا اللائي يَلينَ المُشَقَّرا
4- البرق: كانت حاضرة ولها مكانة في نفوس الشعراء ولا يقصد به الظاهرة التي تنشأ من حركات الغيوم إنما هي البقعة التي تتجمع فيها الرمال والحصى والطين وينبت به نوع معين من النبات، وكانت هذه الأماكن موطنًا للهو ومن الذين ذكروا ذلك طرفة بن العبد حيث أنشد:
لخولة أطلال بِبُرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي عليَّ مطيتهم
يقولون لا تهلك أَسىً وتجلَّد
5- الآبار: كما هو معروف أن بلاد الحجاز كانت كثيرة الأمطار وفيرة المياه التي تتجمع في آبار، وقد وصف الشعراء في ذلك العديد من مقطوعاتِهم مصورين المتاعب التي يتجاوزونها ومثال على هذا تأبط شرًا حيث ردد:
لَدُن مَطلَعِ الشِعرى قَليلٍ أَنيسُهُ
كَأَنَّ الطَخا في جانِبَيهِ مَعاجِرُ
بِهِ مِن نَجاءِ الدَلوِ بيضٌ أَقَرَّها
جُبارٌ لِصُمِّ الصَخرِ فيهِ قَراقِرُ