العجب كل العجب بين جمادى ورجب

اقرأ في هذا المقال


يعجّ التّراث العربيّ بالحكم والمواعظ والأمثال، وقد تكون هذه الأمثال وردت في بيت من الشّعر، أو هي جاءت على هيئة نصيحة وحكمة فجرت على الألسن وتناقلها النّاس، وعلى الأغلب كانت الأمثال وليدة مواقف وأحداث مختلفة، ومثلنا اليوم: “العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب”، وهو مثل قديم، له حكاية ضمّتها صفحات أمّهات الكتب المختصة بالأمثال.

أصل مثل: “العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب”

يُعتبر مثل: “العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب”، هو أحد الأمثال الشّعبية المشهورة التي يتناقلها العرب في بلادنا العربيّة، وأوّل من قاله هو عاصم بن المقشعر الضبّيّ، فقد كان له أخٌ يدعى أُبيده، قتله الخنيفس بن خشرم الشّيبانيّ بعد أن أحبّ امرأته وشُغف بها، وقد كان الخنيفس من أغير أهل زمانه وأشجعهم، فما إن بلغه أن أبيدة قد ذهب إلى امرأته، ركب فرسه واستلّ رمحه، وانطلق في طلب أبيده، فلما قضى أبيدة حاجته، وهمّ راجعًا إلى قومه أخذ يردّد الأبيات أدناه:

“ألا إنَّ الخُنَيْفسَ فَاعْلَمُوهُ * كما سمَّاهُ والدُهُ اللَّعينُ

بَهيمُ اللَّونِ مُحْتِقِرٌ ضَئِيلٌ * لئيماتٌٌ خلائقهُُ، ضَنِينُ

أيوعِدُنِي الخُنَيْفِسُ مِنْ بَعَيدٍ * ولمَّا يَنْقَطِعْ مِنْهُ الوَتِينُ

لَهَوْتُ بِجَارَتَيهِ وَحَادَ عَنِّي * وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَنَّفٌ شَنُونُ”.

قصة مثل: “العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب”

برز الخنيفس لأبيدة، وهمّ بقتله، فبادره أبيدة بالقول: أذكّرك بحرمة خشرم، فقال الخنيفس: وحرمة خشرم لأقتلنّك، فقال أُبيده: إذن أمهلني حتى أستلئم، فردّ عليه الخنيفس قائلًا: أو يستلئم الحاسر؟، ثم قتله، واستلأم أي لبس اللأمة، وهي: الدّرع”، والحاسر من الرّجال: من لا غِطاءَ على رأسه، مكشوف الرَّأس “ومحارب حاسر: لا درع ولا خوذة على رأسه”، وقال:

“أيا ابْنَ المُقْشَعِرِّ لَقِيْتَ لَيْثاً * له في جَوفِ أَيكَتِهِ عَرِينُ

تقولُ صَدَدْتُ عَنْكَ خَناً وجُبْناً * وإنَّكَ مَاجِدٌ بَطَلٌ مَتِينُ

وَإنَّكَ قَد لَهَوتَ بِجَارَتَينَا * فَهَاكَ أُبَيْدُ لاَ قَاكَ القَرِينُ

سَتَعْلمُ أَيُّنا أَحْمى ذِماراً * إذا قَصُرَتْ شِمَالُكَ واليَمَينُ

لَهَوْتَ بٍها فَقَدْ بُدِّلْتَ قَبْراً * وَنَائِحَةً عَلَيْكَ لَهَا رَنِينُ”.

فما إن بلغ عاصم بن المقشعر الضبي ما حدث لأخيه، لبس أطمارًا من الثّياب، وأخذ فرسه باتّجاه الخنيفس متقلّدًا سيفه، وكان ذلك في آخر يوم من أيام جمادى الآخرة قبل دخول رجب، وكان العرب لا يقتلون أحدًا في رجب، وتوقّف عاصم بفناء خباء الخنيفس وأخذ ينادي قائلًا: يا ابن خشرم، أغثني فطالما أغثت، فخرج إليه الخنيفس متسائلًا عن أمره وفيمَ جاء؟، فأجابه عاصم: قد غصب رجل من بني ضبّة امرأة أخي ثم قتله، وقد عجزت عنه فأرجو منك المساعدة، فأخذ الخنيفس رمحه، وخرج مع عاصم الضّبي، وانطلقا حتى ابتعد عن قوم الخنيفس، فاقترب منه عاصم وقطع رأسه ثم أطارها بالسيف، وقال: “العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب”، وأرسلها مثلًا حين رجع إلى قومه.


شارك المقالة: