العلاقة بين الذكر والفكر:

اقرأ في هذا المقال


الاية :

﴿ إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠)﴾ ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَیۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَار )

تبدأ الآية بوصف هؤلاء الذين استجابوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وامتلأت قلوبهم بالإيمان، حتى صار هو في حياتهم يصفهم سبحانه وتعالى هذا الوصف الجميل  )إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٠)﴾ ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ)

الوصف الأول : أنّهم من أولي الألباب والوصف الثاني :هو أنَّهم يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم – أي في جميع أحوالهم  في كل ساعاته الواعية، فكيف يذكرون الله تعالى؟؟ إنّه هنا الدرس التربوي، هل كانوا يذكرونه ذكر اللسان وحده؟ وهل يكفي ذكر اللسان وحده للقيام بالمهمة التي أُلقيت على عاتق هذه الأمة، والمنصوص عليها في آيات من كتاب الله تعالى؟ منها ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ ﴾ [آل عمران ١١٠] ومنها ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰا﴾ [البقرة ١٤٣].

هل يكفي لهذه المهمة: مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ مهمة الشهادة على كل الأمم، هل يكفي الذكر باللسان ليوفي مقتضيات هذه المهام العظام؟

الذي نعرفه من تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم أنّهم كانوا يذكرون الله تعالى باللسان، ولكن ليس باللسان وحده، لقد كانوا يذكرون الله تعالى باللسان والقلب، ولكن هل كانوا يذكرونه باللسان والقلب وحدهما؟ وهل يكفي ذكر اللسان والقلب وحدهما للقيام بالمهام التي ألقيت على عاتق الأمة؟

ولنعلم أنَّ هذه الأمّة كُلفت غير ما كلفت به الأمم المؤمنة السابقة كلها، فكل أُمّة من الأمم السابقة قال الله عنها (وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ وَیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰ⁠لِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ) وهذا تقرير من عند الله تعالى أنهم لم يكلفوا إلّا هذا، أن يعبدوا الله وحده مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وهذا هو الدين القيم الذي كُلفوا به.

أمّا هذه الأمة فقد كلفت ذلك التكليف ذاته؛ أن تعبد الله وحده بلا شريك مخلصة له الدين، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج، ثم كلفت بالإضافة إلى ذلك – أن تدعوا لدين الله (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) وأن تجاهد في سبيل نشر الدعوة ليصل هذا النور الرباني إلى كل آفاق الأرض التي يستطيع البشر أن يصلوا إليها (وَجَـٰهِدُوا۟ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ)

هل يكفي الإيمان وحده للقيام بهذه المهام؟ هل يكفي ذكر الله باللسان والقلب؟ أم لا بد من ذكرآخر، وهو الذي بينته الآيات؟ فلننتقل مع الآيات خطوة خطوة.

هؤلاء أولو الألباب (یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ) وهذا التفكر هو جزء من مقتضيات الإيمان، يتفكرون في ماذا؟ (وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ) فهداهم التفكر إلى أنّ السموات والأرض خُلقتا بالحق، ولم تخلق باطلاً، فيسرعون بإعلان ما جال في خاطرهم وما ملأ قلوبهم، يقولون (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ) فإنّ النظر الدقيق في هذا الكون يملأ القلب يهذه الحقيقة: أنّه لا يمكن أن يكون خلق هذا الكون باطلاً، الكون بعظمته المعجزة ، الكون بدقته المعجزة، بإجرامه التي تبلغ ملايين الملايين لا يصطدم اثنان منها (وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ) والدقة المعجزة في جريان هذا الفلك بكل أجرامه التي لم يحصها محص من البشر حتى اليوم، وكلما اخترع منظار أبعد كشف من الكون جديداً، ولا يزعم أحد أنّه وصل إلى كل أغوار الكون أو أدرك مداه، هذا الكون لم يُخلق من فراغ ولا من عبث، إنّما يهدي الإيمان العقل البشري إلى أن هذا الكون لم يخلق باطلاً، إنّما خَلق الخلقَ بالحق، يقول الله تعالى (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا بَـٰطِلࣰاۚ).

أمّا الذين آمنوا فيعلمون أنَّ الكون لم يُخلق باطلاً، وحينما يصلون إلى هذه النقطة يتطرف تفكيرهم إلى أنَّ هذا الحق لا يتمثل ولا يتحقق لو أنّ الحياة الدنيا ليست هي نهاية المطاف.

الحكمة:

فهذا الإيمان هداهم إلى الإيمان باليوم الآخر، وهذا الإيمان يقتضي الإيمان بالجنة والنار، بالبعث والنشور والعذاب والثواب، عندئذ يسرعون فيتضرعون إلى ربهم أن يقيهم حر النار(  سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) وهذا أول ما يتضرعون به حين يصلون إلى اليقين بأن هناك يوماً يُبعث فيه الناس فيحاسبون على أعمالهم ، يستعيذون من النار ويتضرعون إلى الله أن يقيهم من عذابها.

ثم يزدادون يقيناً وفكراً، إن الذي يدخل النار يناله الخزي، فيتضرعون إلى الله أن يبعدهم عن هذا الخزي (رَبَّنَاۤ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَیۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ) .


شارك المقالة: