الغزل في الشعر الفاطمي

اقرأ في هذا المقال


الزمن الفاطمي هو الزمن الذي تطور فيه الأدب المشرقي بجميع أشكاله وظهر فيه كبار الشعراء المشرقيين مثل المتنبي والصنوبرمراجعة كامل المقال من صياغة وإملاء.

حال الشعر في العصر الفاطمي

كان للكلام المنظوم في تلك الفترة دور كبير في الحياة الأدبية حتى وإن زاحمته الكتابة محاولة التفوق عليه، اهتمت السلطة الفاطمية بالأدب ورواده وحثت عليه ويرجع ذلك إلى ولاة أمرهم الذين هم من أهل المشرق المتذوقين الأدب بجميع أشكاله.

ومن خلفائهم من نَّظم الشعر ولهم مقطوعات كثيرة تشهد على ذلك كما استقطبوا في مجالسهم أهل الأدب والعلم وأجزلوا لهم العطاء وخصوصًا حين ينظموا في المدح؛ لأنهم بذلك يقدمون لهم خدمة كبيرة لحكمهم وسيادتهم.

برزت عدة دوافع أدت إلى ازدهار الكلام المنظوم في تلك الفترة من أهمها أن الحكام جعلوا منه طريقة من طرق الدعوة السياسية، كانوا يحثون الأدباء على مدحهم ويذكرون أصلهم وعقيدتهم وحقهم في السلطة، لهذا نرى الفاطميين قد اهتموا بشعراء وأولوهم عناية كبيرة لأنهم الوسيلة الأنجح لتمجيدهم والدفاع عنهم أمام الخصوم.

خصائص الغزل في الشعر الفاطمي

1- الأصالة والصدق: نتج ذلك من ارتباطه بالغرائز الإنسانية فهو توضيح راقي عن المشاعر المكنونة تجاه الجنس الآخر.

2- بروزه بالصبغة الفردية: فنرى فيهم العفيف الذي يتغنى بجمال محبوبه ولا يستطيع العيش بدونه ولا يوجد له بديل في حياته، كما نجد الماجن الجريء.

3- الصراحة وعدم الغموض: كان الأديب يتحدث عن مشاعره وميلة إلى محبوبة ويعبر عن عشقه وجمالها تعبيرًا صريحًا واضحًا.

4الواقعية الفنية: التوضيح وحرص أدباء الغزل على المقارنة بين المعشوقة والشيء المشبه بها.

5- دقة النسيج وجمال المفردات: فهو ينسج ويُحاك بأرق المفردات التي توضح فيض المشاعر والأحِاسيس المتدفقة.

أنواع الغزل في الشعر الفاطمي

تبديل النمط الاجتماعي في العديد من المظاهر القَديمة التي انبثقت من عهود الظلم والاستبداد فتغيرت العواطف وتهذيب النفوس وطالت الرابطة بين الرجل والأنثى، فهي لم تعد مصدر قلق له ولا رمز للمتعة ولا مصنعًا للولادة بل أصبحت المثل الأعلى وتعلق بها الرجل بشكل عام وأخلص لوحده، وفي هذا الوقت تنوعت أشكال الغزل ونُعدد منها:

1- الغزل العذري: يعود هذا الاسم نسبة لبني عذرة لتميُّز رجالها بهذا النوع من العشق وهو العشق الكامل حيث يخلص فيه الذكر لمرأة ولا يرى سواها في حياته فيقول العقاد عنها:

” إلا أن البادية تتقيد ببعض القيود التي تستدعيها معيشة البدو ولا تستدعيها معيشة الحضريين لأن المتعة ضرورة من ضرورات الحياة بين أهل البادية، ولا مناص لهم من الاشتهار بمناعة الحوزة بين الأعداء والنظراء وإلا طمع فيهم كل طامع واستباحة كل مستبيح واول جوزة يحميها الرجل هي المرأة فمن شرف البدوي أن تكون فتاته منيعة الحس يتقاصر لسان المتغزل كما يتقاصر عنها سيف الغير.” 

2- الغزل الماجن: يمزج بين الصريح وغيره توسع هذا الشكل بين أدباء الحضر الذين ترعرعوا في حياة مليئة باللهو والعبث، وعبر الغزل الصريح عن حياة العشق واللهو والمجون.

إن الغزل الماجن مغاير للعَفيف لأن من يملكه يتجه إلى وصف تفاصيل الأنثى بشكل كامل دون حرج ويظهر فيه تعدُد الإناث، بعكس العفيف الذي يقتصر بواحدة لا يشاهد سواها ومن رواد الغزل الحسي بن أبي ربيعة حيث اشتهر بتعدد الإناث من حوله ويصارح العلاقة معهن فينشد:

كلمات توعدني وتخلفني

ثم تأت حين تأت بعذر

سخنت عيني لئن عدت لها

لنمدن بحبل منبتر

عمر الله أما ترحمني

أم لنا قلبك أقسى من حجر

الغزل في شعر تميم بن المعز

الأنثى في مقطوعاته ليست صاحبه أو شريكة حياته إنما في الغالب تكون قينة من اللواتي يتواجدن في مجالس اللهو والعبث، وكان غزله فيها حسي رقيق يستعمل فيه البسيط من المفردات والعبارات المتداولة المناسبة للموضوع ومثال عليه قوله:

وا بِأبِي الظّبيُ الذي لو بدا

للبدرِ قال البدرُ واظُلْمَتاهْ

أثّرتُ بالألحاظ في خدّه

فانتصفت منّي له مُقْلتاه

ثم رمَى قلبي بألحاظِه

وا بِأبِي ألحاظُه من رمَاه

كم سفكت أجفانه من دَمٍ

نمّت عليهنّ به وَجْنتاه

يا قومِ ما بالُ ظُلاماتِنا

في الحُبّ لا ينظرُ فيها القُضَاه

كان تميم يكثر من كلامه عن أخباره مع الأنثى وتقلبها بين اللقاء والفراق والشوق والألم، ويتحدث مصورًا الجفا في وصف رقيق مميز حيث يقول:

ما ذمّ يومَ الفِراقِ إلا

مَن غاب عن موقِفِ الفِراقِ

أَوّلُه أَنّنا وقوفٌ

لِلّثم والضمّ والعِناقِ

لا نَتَّقي فيه عينَ واشٍ

ولا ندارِي ذوِي النفاقِ

إن هاجَ حَرُّ الوَداعِ شَوقي

فبالوداعِ اشْتَفي اشتياقي

كما دمج تميم في مقطوعاته بين الأنثى ومفاتنها ومتعته بحُسنها بين الطرب والغناء الذي يعده جالب للسعادة والفرح وينشد في ذلك:

ليس إلا الغناء يظهر بثي

ويُقوى على جيش السرور

يا نديمي اتخذ سواي فإني 

لست أحيى بدون مثنى وزير

سيما إذا بدا بلفظ رخيم 

وتروى بلحظ طرف سحور

ونراه يتذكر المعشوقة وهو في مجالس الغناء بين الخمر والزهر ليس كقول عنترة في عبلة في ساحة الوغى ورؤية ثغرها المتبسم مع لمعة السيوف ويقول تميم وهو في مجلس الأنس:

ذكرتُكَ ما بين كرِّ الكؤوس

وقد أقبَلَ الّلهوُ مُرْخَى العِنانِ

وقد جاوَبَ الزِّيرُ في جَذْبِه

مع البَمِّ ترجيعَ صوتِ المثَاني

وجاوَبَ قُمْرِيّةً فاختٌ

وعالتهُما نَغَماتُ القِيانِ

ونحن نقسِّم وَسْطَ الكؤوس

نُضاراً له حَبَبٌ كالجمُانِ

نماذج على الغزل في الشعر الفاطمي

غزل أيمن بن خُويم:

أقامت غزالة سوق الضراب

لأهل العراقين شهراً قميطا كاملاً

 سمت للعراقيين في جيشها

فلاقى العراقان منها بطيطا عجباً

قول تميم بن المعز الفاطمي:

يا عَذبةَ الوَصْلِ والصدودِ ويا

أَعْبَقَ ثَغْراً مِن ابنةِ الدَّنِّ

و لم أَذُقْه ولا سَمِعتُ بمَنْ

ذاقَ ولكِنّه كذا ظَنِّي

بَلىَ تعشَّقتُها بِلا حرَجٍ

كان وقبّلتُها ولا أَكْني

ولم تكن قبْلتي موافَقةً

بل خِلْسةً نِلتُها بِلا إِذنِ

يا دَجْنَ ليلٍ بدا على قَمَرٍ

وبدرَ تِمٍّ يغيب في دَجْنِ

وفي النهاية نستنتج إن الزمن الفاطمي هو العهد ازدهر فيه الأدب وكان له دور كبير في الحياة الأدبية رغم مزاحمة الكتابة له، وكان هناك عدة دوافع ساعدت على هذا الازدهار من أهمها تشجيع الحكام لرواد الأدب وأجزلوا لهم العطاء، برز في هذا الوقت الأدباء الذين تناولوا الحياة الاجتماعية في مقطوعاتِهم وأهمها الغزل بشقيه العفيف والحسي.


شارك المقالة: