الغناء في الأدب في صدر الإسلام

اقرأ في هذا المقال


شهد التاريخ الإسلامي أن الغناء والشعر كانت من المظاهر الاجتماعية والثقافية في مكة والمدينة وكان من أهم حالات الترفيه مع بدء الإسلام، وهي تكملة لما كانت عليه الفنون في الجاهلية، ولكن تم تنقيتها مع دخول الإسلام بمقاييس الدين وأسسه في الحفاظ على الأخلاق والآداب.

 نظرة الإسلام إلى الموسيقى والغناء

اختلف المؤرخون في آرائهم في الغناء وقد دار جدال بين العلماء فترة طويلة من الزمن بخصوص نظرة الإسلام إلى الغناء، ولا يسعنا في هذا التحقيق استيعاب الأدلة التي قدمت في هذه الموضوع، ولكن من المفروغ منه هو عدم وجود أية أدلة تدل على كراهية الموسيقى في القرآن الكريم.

لذلك فإن أغلب الأدلة مستنبطة من الأحاديث، وقد حثَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام على التغنِّي بالقرآن، وما التجويد في قراءة كتاب الله إلا تجميل لمخارج الحروف، وفي حديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن عائشة: 

“دخل عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبوبكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدنا»، وكذلك روى البخاري ومسلم وأحمد عن عائشة أنها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ «يا عائشة: ما كان معكم من لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو.”

ويقول الإمام الغزالي، أحد أعلام زمانه ومن أبرز علماء الإسلام في القرن الخامس، “من لم يحركه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج”، وهذه الكلام يوضح على أهمية المسموح من الغناء في وجود الإحساس لدى الإنسان.

والعهد الإسلامي قدّم نماذج كثيرة في بدايته حول الغناء كجزء من الموروث الاجتماعي والثقافي للمسلمين في أرجاء البقاع الإسلامية، وصاحب الصوت العذب والذي ساهم في الموسيقى بشكل كبيرة الموسيقار زرياب وهو أحد الأعلام البارزة الدال على أهمية الغناء في المجتمع العربي المسلم.

وهناك عدد كبير من المؤرخين الذين تطرقوا في المسائل الفقهية التي تخص الغناء ومدى مشروعية العمل به أو الابتعاد عنه، ومن بين من أباح الموسيقى والغناء عبدالغني النابلسي في كتابه: (إيضاح الدلالات في سماع الآلات)، ومحمد بن علي الشوكاني في (إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع)، وابن حزم في كتاب (المحلي)، وابن القيسراني في كتاب (السماع)، وكذلك أبو حامد الغزالي في كتاب (آداب السماع والوجد). 

وكان هدف المؤرخين بناء مجتمع قائم على الدعوة ونشر الدين بطريقة سليمة، وجعل العادات الاجتماعية والثقافية تتوافق مع قواعد وقيم الدين الصحيح وإحداث ثورة على تلك العادات الجاهلية، والعمل جاهدًا على تقويم وتحسين ممارسة الغناء بما يتناسب مع القيم الدينية، ويعمل على تحسين الغناء وغاياته وتحريره مما كان يشوبه من عادات جاهلية غير مقبولة.

جذور الغناء قبل الإسلام

الغناء الحجازي تعود جذوره إلى العهد الجاهلي وتؤكد تلك المعلومة مجموعة كبيرة من المصادر، إلا أن البداية كانت غير واضحة مهما كانت الآراء عن بداية الغناء لعدم وجود الأدلة والاثباتات.

 وتوضح المعلومات إلى أن “قبيلة جرهم” بعد انهيار العماليق قد عملت على تنشيط دور ديني وثقافي واقتصادي لمكة، وأصبحت حاضرة تجذب الهجرات من كافة أنحاء الجزيرة فجاءت فنون الغناء من الحيرة واليمن ومن فارس والروم إلى الحجاز.

 اتصال مكة والمدينة بالحضارات القريبة في حالة الحرب أو السلم كان حقيقة أثبتتها الأحداث والوقائع، وترتب على ذلك إن فن الغناء الحجازي كان وليدًا لذلك التواصل الذي حدث في الجاهلية، دون تحديد الزمن الذي بدأ فيه الغناء.

الغناء في صدر الإسلام

شهد عصر الإسلام رغم ما جاء في السنة الشريفة من أحاديث نبوية وشواهد في شأن الغناء، استمرار تأثير الغناء من الجانب الاجتماعي بشكل كبير، وكان من المستحيل على بيئة شكَّل الغناء قواعد قوية لبنيتها الدينية والاجتماعية في الجاهلية أن تتوقف عن الغناء بشكل نهائي.

ومع انتشار العصر الذي ظهر فيه المغنيين من الذكور والإناث في الإسلام كان هناك حركة إبداع في فنون الغناء، وكان فيه لمكة والمدينة مكانًا واضحاً اتفق عليه معظم العلماء الذين تناولوا موضوع الغناء.

فالعهود الثلاثة الأولى من الإسلام شهدت تغيرًا مهماً في الغناء في الحجاز اختلفت عما كان عليه الوضع في الجاهلية، إذ أضحت حركة فنية مستقلة في عناصرها التي تقوم على المنافسة في اختيار القصائد المغناة لكبار الشعراء، والإبداع في الإيقاع وتميز الأداء وتحديث الأدوات، وبيئة متحضرة احتضنت ممارسة الفنون على نحو غير معهود.

وكانت نوع من أنواع فنون اللهو والسمر الذي انتشر عند عامة القوم حتى بلغ قصور بعض الخلفاء الأمويين وبني العباس، وهناك دلائل دينية في استحسان الأصوات الجميلة، وهذا رسول الله يقول لأبي موسى الأشعري وقد استحسن صوته: ” لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود”.

وبقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: “أهديتم الفتاة إلى بعلها؟ قالت: نعم، قال: وبعثتم معها من يغني؟ قالت: لا، قال: أو ما علمتم أن الأنصار يعجبهم الغزل؟ ألا بعثتم معها من يقول:

“أتيناكم أتيناكم

نحييكم نحييكم

ولولا الحبة السمراء

لم نحلل بواديكم.”

المغنيات في صدر الإسلام

كان هناك الكثير من المغنيات المكيات والمدنيات المعروفات في الإسلام، من اللواتي برزن في غنائهن على الرجال ومن أبرزهن:

1- جميلة: وهي مولاة بني سليم وهي من جذور الغناء في يثرب، تتلمذ على يدها ابن عائشة، وحبابة، وسلامة القس، وعقيلة، والشماستان، وربيحة. قال عنها معبد: ” أصل الغناء جميلة وفرعه نحن.” 

عرفت جميلة في يثرب بمجالس الطرب التي استقطبت أبرز المغنين من مكة ويثرب مثل ابن سريج وابن مسجح وغيرهم، وغنت من شعر الأحوص وامرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وكبار شعراء الإسلام، ومن أبرز نشاطاتها إنشاء أول معهد موسيقي في يثرب.

2- سلامة القس: وهي من جواري يثرب تعلمت الغناء على يد جميلة، واشتهرت في مجالس الغناء في يثرب حتى اشتراها ابن عبدالملك، فلما فاضت روحه بكت عليه من مجزوء الرمل:

لا تلمنا أن خَشعْنا

أو هممنا بخشوع

إذْ فقدنا سيداً كان

 لنا غير مضيع

وهو كالليث إذا ما

عُدَّ أصحاب الدروع

وفي النهاية نستنتج أن الغناء في بداية الإسلام كان غير مقبول، حيث اختَلف المؤرخين في مسالة الغناء فتنوعت آرائهم بين حلال وحرام، وبرز في صدر الإسلام العديد من المغنيات مثل جميلة وسلامة وكذلك من المغنيين ابن سريج وابن مسجح.


شارك المقالة: