الفأر الرمادي الصغير - الجنية المقيتة

اقرأ في هذا المقال


قصة الفأر الرمادي الصغير، الجنيّة المقيتة أو (The Little grey mouse, The Fairy Detestable) هي حكاية فرنسيه خيالية، من كتاب الفأر الرمادي الصغير، يحتوي هذا الكتاب على خمس حكايات شعبية فرنسية طويلة، كل قصة لها عدة فصول، للمؤلف (Comtesse de Ségur) للناشر، شركة (Penn Publishing Company).

الشخصيّات:

  • روزالي.
  • الأب
  • الفأر.

قصة الفأر الرمادي الصغير – الجنيّة المقيتة:

نظرت روزالي بفارغ الصبر، كان المنزل الصغير مظلمًا، ولم تستطع رؤية شيء لكنها سمعت الصوت الصغير الذي كان يقول: شكراً روزالي، أنا مدين لك بخلاصي، بحثت روزالي عن مصدر الصوت دون جدوى، ويبدو أنّ الصوت كان يأتي من الأرض، نظرت ورأت في إحدى الزوايا عينان صغيرتان رائعتان تحدقان بها بخبث، فقال لها فأر صغير: لقد نجحت خدعتي الماكرة، يا روزالي وخانتك، وجعلتك تذعنين لفضولك.

ثمّ قال الفأر الصغير: لو لم أتحدث وأغني، كنت ستعودين بالمفتاح وكان يجب أن أضيع إلى الأبد، الآن بعد أن حررتني، أصبحت أنت ووالدك كلاكما في قوتي وتحت سيطرتي، لم تدرك روزالي تمامًا بعد حجم المحنة التي سببتها بسبب عصيانها، ومع ذلك، كانت تعلم أنّ هذا الفأر كان عدوًا خطيرًا لوالدها، وكانت ترغب في الهروب وإغلاق الباب.

فقال الفأر: توقفي يا روزالي! لم يعد بوسعك إبقائي في هذا السجن البغيض الذي لم يكن بإمكاني الهروب منه لو انتظرت حتى عيد ميلادك الخامس عشر، وفي هذه اللحظة اختفى المنزل الصغير تمامًا، ورأت روزالي بذهول شديد أنّ المفتاح وحده ما زال في يدها، ثمّ رأت الآن إلى جانبها فأرًا رماديًا صغيرًا يحدق بها بعينيه الصغيرتين، وبدأ يضحك بصوت رقيق ساخر.

ثمّ قال وهو ينظر لروزالي: ها، يا لك من فتاة خائفة يا روزالي! لكن من حسن حظي أنّ لديك الكثير من الفضول، لقد مرّ ما يقرب من خمسة عشر عامًا منذ أن حُبست في هذا السجن المخيف، ولم يكن لي سلطان على أبيك الذي أكرهه، ولم أستطع أن أجلب عليك شرًا، فأنا أبغضه لأنّك ابنته، فقالت روزالي: من أنت إذاً الفأر الشرير؟ قال الفأر: أنا العدو اللدود لعائلتك، يا طفلتي الصغيرة،  أسمي نفسي الجنيّة البغيضة.

أؤكد لك بأنّ كل العالم يكرهني وأنا أكره كل العالم، سأتبعك الآن لبقية حياتك أينما ذهبت، فقالت روزالي بخوف: ابتعد حالاً أيها المخلوق البائس! لا أخاف من الفأر وسأجد طريقة للتخلص منك، فقال الفأر: سنرى يا طفلتي الرقيقة! سأبقى بجانبك أينما ذهبت!ركضت روزالي الآن بسرعة نحو المنزل، وفي كل مرة استدارت رأت الفأر يركض وراءها، ويضحك بطريقة ساخرة.

ثمّ وصلت إلى المنزل، وحاولت سحق الفأر في الباب، لكنّه ظلّ مفتوحًا على الرغم من كل جهد يمكنها القيام به، فقالت روزالي بغضب وكانت تشعر بالخوف والرعب: انتظر لحظة أيها الوحش الشرير! ثمّ تناولت مكنسة بجانبها، وحاولت ضرب المكنسة بعنف على الفأر لكن المكنسة اشتعلت في الحال، واشتعلت النيران وحرقت يديها، فرمتها بسرعة على الأرض ودفعتها بقدمها إلى المدخنة، خشية أن تشعل النار في المنزل.

أخذت إناء كان يغلي على النار، أفرغته على الفأر ولكن الماء المغلي تحول إلى حليب طازج جيد وشرع الفأر في شربه قائلاً: كم أنت لطيفة للغاية يا روزالي! أطلقت سراحي من الأسر، وتقدمين لي فطورًا ممتازًا أيضاً، بدأت المسكينة روزالي تبكي بمرارة، وكانت في حيرة من أمرها عمّا يجب أن تفعله عندما سمعت والدها يدخل، فقالت وهي تتوسل إلى الفأر: أبي، أبي، أيها الفأر القاسي، أتوسل إليك أن تشفق علي وتذهب بعيدًا حتى لا يراك أبي!

فقال الفأر بسخرية: لا، لن أذهب لكننّي سأختبئ خلف كعبيك حتى يعلم والدك بعصيانك لأمره،  كان الفأر بالكاد يختبئ خلف روزالي عندما دخل والدها، ونظر إلى روزالي التي كان شحوبها ووجهها المحرج يخون خوفها، قال لروزالي بصوت مرتجف: لقد نسيت مفتاح منزل الحديقة الصغير، هل وجدته؟ قالت روزالي: ها هو أبي، وقدمته له بخوف.

فسأل والدها: كيف وصل الحليب على الأرض؟ فقالت: أبي، كان القط، فقال والدها: القط؟ مستحيل، هل القط أحضر وعاء الحليب إلى منتصف الغرفة وأفرغه هناك؟ قالت:  لا! أبي، أنا من فعلتها، عندما قمت بحمله قلبته بالصدفة، تحدثت روزالي بصوت منخفض ولم تجرؤ على النظر إلى والدها، فقال والدها: خذي المكنسة يا روزالي ونظّفي هذا  الحليب، فقالت: ليس هناك مكنسة يا أبي، فقال والدها بدهشة: لا مكنسة!

كان هناك واحدة عندما غادرت المنزل، فقالت: لقد حرقتها يا أبي عن طريق الخطأ، توقف والدها، ونظر إليها بثبات، وألقى نظرة خاطفة على الغرفة، ثمّ تنهد وأدار خطواته ببطء نحو المنزل الصغير في الحديقة، وسقطت روزالي وهي تبكي بمرارة على كرسي، وكان الفأر لا يتحرك، وبعد لحظات قليلة، دخل والدها على عجل، وكان على وجهه بالرعب، وقال بغضب: روزالي! الطفلة البائسة! ماذا فعلت؟

لقد استسلمت لفضولك القاتل وأطلقت سراح ألد أعدائنا من السجن، فقالت: عفواً يا أبي! ثمّ صرخت وألقت نفسها على قدميه، وقالت: كنت جاهلاً بالشر الذي فعلته، فقال والدها: المحنة هي دائمًا نتيجة العصيان، روزالي يعتقد الأطفال العصاة أنّهم يرتكبون خطأً بسيطًا، ولكنّهم يتسببون في أكبر ضرر لأنفسهم وللآخرين، فقالت روزالي: ولكن من هذا الفأر الذي يسبب لك هذا الخوف الرهيب؟

وكيف إذا كان لديه الكثير من القوة يمكنك الاحتفاظ به سجينًا لفترة طويلة، ولماذا لا يمكنك وضعه في السجن مرة أخرى؟ فقال الأب: هذا الفأر هو جنيّة شريرة، لكنّه قوي جدًا، وبما أنّك أعطيت الحرية لعدوي، يمكنني الآن أن أكشف لك ما كان يجب أن أخفيه حتى خمسة عشر عاماً، كما قلت لك، كنت أنا الجنيّ الحكيم، ولست بشر، وعندما عرفت والدتك ورأيت فضائلها وطيبتها، طلبت من ملكة الجنيّات وأيضًا ملك الجن السماح لي بتزوجها.

ولقد أقمت حفلاً في يوم زواجي، لكن للأسف نسيت أن أستدعى الجنية البغيضة التي كانت بالفعل غاضبة ضدي لتزويجي بأميرة من الجن، وبعد أن رفضت الزواج بإحدى بناتها، كانت غاضبة مني لدرجة أنها أقسمت أنها ستحمل كراهية شديدة لي ولزوجتي وأولادي، ولم أكن خائفاً من تهديداتها، لأنني كنت أمتلك قوة تعادل قوتها تقريبًا وكنت محبوبًا جدًا من قبل ملكة الجنيّات، وفي كثير من الأحيان بسبب قوة سحري انتصرت على الكراهية الخبيثة للجنية البغيضة.

وبعد ساعات قليلة من ولادتك، تعرضت والدتك لأعنف التشنجات، فتركتها لبضع لحظات لأطلب مساعدة ملكة الجنيّات، وعندما عدت كانت والدتك ميتة، والجنيّة الشريرة المقيتة استفادت من غيابي وتسببت في موتها، لقد كانت على وشك أن تمنحك كل المعاصي في هذا العالم الشرير، ولكن عودتي غير المتوقعة منعتها من ذلك، لقد قاطعتها في اللحظة التي كانت ستجعلك بائسة، وستخضعك تمامًا لسلطتها في سن الخامسة عشرة.

وبقوتي، واتحادي مع ملكة الجنيات، قررنا أنّه لا ينبغي أن تقعي تحت سلطتها في سن الخامسة عشر، إلا إذا خضعت ثلاث مرات في أسوأ الظروف لفضولك القاتل، وفي الوقت نفسه قامت ملكة الجنيّات بمعاقبة الجنيّة البغيضة بتغييرها إلى فأر، وحبسها في منزل الحديقة الصغير، وأخبرتني أنها لن ينفك سحرها أبدًا إلا إذا فتحت لها الباب طواعية.

وقالت ملكة الجنيّات: يجب ألا تستعيد أبدًا شكلها الأصلي من الجنيات إلا إذا استسلمت ثلاث مرات لفضولك الإجرامي قبل أن تبلغ الخامسة عشرة من العمر، وإذا قاومت مرة واحدة عاطفتك القاتلة، فيجب أن تتحرر إلى الأبد، والآن سأشاركك مصيرك وأصبح مثلك، عبد الجنية المقيتة لأنّك سمحت لنفسك بشكل ضعيف بالاستسلام ثلاث مرات لفضولك.

ولكل هذه الأسباب، لقد حبست نفسي معك في هذا البيت، ولم أسمح لك برؤية أحد، لقد اشتريت بقوتي كل ما يريده قلبك، وشعرت بالرضا التام لأنني نجحت بشكل جيد معك، وفي غضون ثلاثة أسابيع، ستكوني قد بلغت الخامسة عشرة، وستتحررين إلى الأبد من الجنية البغيضة، لقد أُمرت بإخفاء كل شيء عنك، وعن ولادتك أو عن الأخطار التي تحيط بك حتى عيد ميلادك الخامس عشر، ولأنك عصيتني قد وقعت على الفور في قوة الجنية المقيتة.

ومع ذلك، يا روزالي لم نفقد كل شيء، يمكنك حتى الآن إصلاح خطأك لمدة خمسة عشر يومًا، حيث في الخامسة عشرة من عمرك كنت ستتحدين بأمير ساحر وتتزوجينه، وهذا الاتحاد ممكن حتى الآن، ثمّ قال الأب حزيناً: آه، روزالي، أشفق عليكِ، لم ترحميني وتقاومي فضولك، كانت روزالي راكعة على ركبتيها أمام والدها ووجهها مخفي بين يديها وتبكي بمرارة.

تشجعت روزالي وعانقت والدها بحنان وقالت له: أبي! أعدك رسميًا بأنني سأكفّر عن هذا الخطأ، لا تتركني، يا أبي العزيز! فقال والدها: للأسف روزالي! لم يعد في وسعي أن أبقى معك لأنني الآن تحت سيطرة عدوي، بالتأكيد لن تسمح لي الجنيّة بالبقاء بجانبك وتحذيرك من الأفخاخ التي ستفعلها لك، ثم خرج الفأر الرمادي الصغير.

وقال بصوت حاد، وهو يخرج ويظهر نفسه أمام والد روزالي: لقد استمتعت للغاية في جعلك تعاني بالفعل، والمتعة التي شعرت بها عندما سمعت أنك تعطي هذا الحب لابنتك دفعني لإخفاء نفسي حتى هذه اللحظة، والآن قل وداعاً لروزالي العزيزة ولكن الفضوليّة، يجب أن ترافقني وأنا أمنعك من اللحاق بها، وبقول هذه الكلمات، أمسكت بحافة فستان روزالي بأسنانها الصغيرة الحادة وحاولت أن تجذبها بعيدًا.

أطلقت روزالي صرخة خارقة وتشبثت بوالدها، لكن قوة لا تقاوم حملتها، وأمسك والدها عصا ورفعه ليضرب الفأر، ولكن قبل أن يتاح له الوقت لتوجيه ضربة وضع الفأر أحد كفوفه الصغيرة على قدم والدها وبقي ثابتًا مثل التمثال، واحتضنت روزالي ركبتي والدها وناشدت الفأر أن يشفق عليها لكنّ الفأر أطلق ضحكاته الحادة والشيطانية وقال: تعالي يا جميلتي! من المؤسف أنك لن تجد هنا إغراءات الاستسلام مرتين لخطأك الذي لا يقاوم!

ثمّ قال: سنسافر في جميع أنحاء العالم معًا وسأريك العديد من البلدان في خمسة عشر يومًا، سحب الفأر روزالي دون توقف،  كانت ذراعيها لا تزالان محاصرتين حول والدها، وتسعى جاهدة لمقاومة القوة المهيمنة لعدوها، وأطلق الفأر صرخة وفجأة اشتعلت النيران في المنزل، ثمّ فكرّت روزالي في أنه إذا سمحت لنفسها بأن تُحرق، فلن يتبقى أي وسيلة لإنقاذ والدها الذي يجب أن يظل إلى الأبد تحت سلطة الجنيّة البغيضة.

ولكن إذا حافظت على حياتها، فلا يزال هناك دائمًا فرصة لإنقاذها، فاستسلمت وقالت: أبي العزيز! سنلتقي مرة أخرى في غضون خمسة عشر يومًا، ثمّ خلّصت نفسها حتى لا تلتهمها النيران، وركضت بسرعة لبعض الوقت دون أن تعرف إلى أين تتجه، ومشت عدة ساعات لكنها أخيرًا، كانت منهكة من التعب والجوع، وقررت أن تقترب من امرأة لطيفة المظهر كانت جالسة على باب بيتها، وقالت: سيدتي، هل تعطيني مكانًا للنوم؟

فقالت السيدة: لماذا فتاة جميلةمثلك على الطريق لوحدها، وهذا  الحيوان القبيح كالشيطان يرافقك، استدارت روزالي ورأت الفأر الرمادي الصغير يبتسم بسخرية، حاولت مطاردته بعيدًا لكن الفأر رفض بعناد التحرك، فقالت المرأة الطيبة: استمري في طريقك، يا جميلتي، لا يستطيع الشرير وأتباعه الإقامة معي، واصلت روزالي، وهي تبكي بمرارة رحلتها، وحيثما قدمت نفسها رفضوا استقبالها والفأر الذي لم يترك جانبها أبدًا.

بينما دخل الفأر الغابة حيث وجد بسعادة جدولًا يروي عطشه، وجد أيضًا الفواكه والمكسرات بكثرة، شرب وأكل وجلس بالقرب من شجرة، بينما كانت روزالي تفكر في معاناة والدها وتتساءل عما سيحدث له خلال الخمسة عشر يومًا، وبينما كانت روزالي تتأمل هكذا أبقت عينيها مغلقتين حتى لا ترى الفأر الرمادي الصغير الشرير، وكان إجهادها والصمت والظلام من حولها قد جعلها تنام طويلاً بعمق.


شارك المقالة: