الفلسفة أناكسارخوس الأخلاقية

اقرأ في هذا المقال


العقيدة الفلسفية للفيلسوف اليوناني القديم أناكسارخوس ليست معروفة جيداً في الوقت الحاضر، على الرغم من ذلك كان أناكسارخوس شخصية ذات أهمية رئيسية في تطوير الفلسفة الهلنستية، فأخلاقه على وجه الخصوص هي واحدة من النظريات الأولى في التأكيد على أنّ الهدف النهائي للحياة هو السعادة.

اللامبالاة والسعادة في فلسفة أناكسارخوس:

وفقًا لأناكسارخوس فإنّ مفتاح القناعة والسعادة هو عدم المبالاة بقيمة الأشياء، وهذا الادعاء مركزي أيضًا لأخلاقيات رفيق أناكسارخوس في السفر بيرهو والمشككين الذين تلاهوا كثيرًا والذين أطلقوا على حركتهم اسم بيرهو، ويثير هذا السؤال فورًا: إذا كان المرء غير مبالٍ بقيمة الأشياء فعلى أي أساس يتصرف المرء؟ حيث يقدم أناكسارخوس إجابته المميزة على هذا السؤال، بحيث تتضمن إجابة تذكرنا بالسفسطائيين.

لا يمكننا أن نكون متأكدين من أي معنى بالضبط هو أناكسارخوس (غير مبال) فيما يتعلق بقيمة الأشياء ولماذا، لكن ديمقراطيته تسمح لنا بإعادة بناء معقولة، فمن السهل توسيع تفكير ديموقريطوس فيما يتعلق بالصفات المعقولة ليشمل الصفات الأخلاقية على الرغم من أنّ ديموقريطوس نفسه لم يفعل ذلك.

بالنسبة لديموقريطس العسل ليس أكثر حلاوة من المر، لأنّه في الحقيقة ليس حلوًا ولا مرًا، كما أنّه في الحقيقة يعد مجرد تكتل من الذرات التي تطن في الفراغ، والدليل على ذلك هو نسبية الإدراك، وأنّ نفس العسل يمكن أن يكون حلو المذاق لشخص واحد ولكنه مر بالنسبة لشخص مصاب بمرض، فخصائص مثل الحلاوة والمرارة ليست في الحقيقة جزءًا من طبيعة الأشياء نفسها.

ويقدم البعض الآخر حججًا مماثلة فيما يتعلق بالقيمة منتقلين من نسبية القيمة إلى إزالتها من الطبيعة، وقد يُقدّر الثروة من قبل شخص ويحتقرها آخر، أو قد يُنظر إلى نفس النوع من العمل على أنّه مشرف في مدينة وقاعدة في أخرى.

ولكن عندما نفكر في الأشياء أو الأفعال بحد ذاتها لا يكون أي منها جيدًا أو سيئًا حقًا أساسيًا أو مشرفًا بطبيعته، ولكن يتم اعتباره كذلك من خلال العرف، وبالتالي فإنّ أي بيان مثل هذا الإجراء بطبيعته أساس، والذي يعين قيمة لشيء ما في حد ذاته سيكون ببساطة خاطئًا، وقد تمت مقارنة الإقصائية الأخلاقية لأناكسارخوس بنظرية الخطأ الأخلاقية للفيلسوف جون ليزلي ماكي.

سيطلق المتشكك البيروني سكستوس إمبيريكوس على هذا الموقف شكلاً من أشكال الدوغمائية، لأنّه أطروحة ميتافيزيقية جوهرية حول القيم التي لا تشكل جزءًا من أثاث العالم، والمتشكك الحقيقي وفقًا لسكستوس إمبيريكوس غير مبالٍ بقيمة الأشياء بقدر ما يمتنع عن إصدار أحكام بطريقة أو بأخرى حول ما إذا كانت الأشياء جيدة أم سيئة أم لا، وهذه اللامبالاة مبنية على نفس الوزن تضارب المظاهر والحجج التي تتركه في حالة تعليق الحكم.

يدعي سكستوس إمبيريكوس أنّ تعليق الحكم على القيمة يساعد المرء على تحقيق الرضا، بحيث سيعاني المشكك أحيانًا من البرد أو العطش لأنّه إنسان في النهاية، ولكنه لم يصاحب هذا الانزعاج الفكر المزعج الإضافي يعاني شيئًا سيئًا بطبيعته ولذا فهو غير منزعج، وهذا النوع الأساسي من التفكير سيكون متاحًا أيضًا لكل من أناكسارخوس وبيرهو، فبيرهو غير مؤاخذ وحكم الواقع لن يكون لديه آراء بأنّه يعاني شيئًا سيئًا بطبيعته، وعدم الاهتمام كثيرًا بأشياء مثل الألم والخطر التي يعتبرها معظم الناس سيئة بشكل طبيعي يساعده على البقاء هادئًا.

فلسفة أناكسارخوس في الحكم على قيمة الأشياء:

على النقيض من ذلك لا يوقف أناكسارخوس الحكم على أسئلة القيمة، لكن نزعته الإقصائية تعني أنّه لن يعتقد أبدًا أنّه يعاني شيئًا سيئًا بطبيعته، وعلاوة على ذلك فإنّ عدم اكتراثه يسمح له بالبقاء قانعًا ومعتدلًا في شغفه لأنّه لا يعتقد أبدًا أنّه يفتقر إلى أي شيء جيد بطبيعته، وإذا كانت أشياء مثل الرفاهية والسلطة والوضع الاجتماعي والتي تعتبر تقليديًا جيدة غير مبالية حقًا، وليس لدى المرء معتقدات حول كون الأشياء الأخرى بطبيعتها جيدة أو سيئة وعلى أي أساس يتصرف المرء؟

تشير حياة بيرهو إلى إجابة واحدة محتملة بإنّه يُظهر تجاهله لمثل هذه القيم التقليدية من خلال الانسحاب من العالم والعيش في عزلة، وإنّه لا يولي أي اهتمام للأشياء غير المبالية وهو على استعداد للقيام بأعمال تعتبرها الاتفاقية مهينة مثل غسل خنزير، وأناكسارخوس يتصرف بشكل مختلف تمامًا، فقد انتقد الفلاسفة الهنود أناكسارخوس بسبب التملق على الملوك.

تتعلق العديد من الحكايات حول أناكسارخوس بسعيه وراء الرفاهية، على سبيل المثال لف نفسه في ثلاثة أغطية عندما كان من الممكن أن تلبس عباءة، وطلبه للحصول على مبلغ ضخم من المال من الإسكندر عندما يطلب منه الإسكندر أن يطلب قدر ما يشاء، وقد أدان تلميذ بيرهو تيمون أناكسارخوس بسبب هذا السلوك، ويبدو أنّه اعتقد أنّه غير متسق مع اللامبالاة التي دعا إليها كل من بيرهو وأناكسارخوس.

لكن الانخراط النشط مع العالم والسعي وراء ما يجذبك في الوقت الحالي يتوافق مع الاعتقاد بأنّ الأشياء التي يسعى المرء لتحقيقها هي بطبيعتها ليست جيدة ولا سيئة، وطالما أنّ المرء يلاحقها مدركًا أنّ هذه الأشياء ليس لها قيمة في حد ذاتها، ويتم متابعتها فقط بسبب القيمة التي يعطيها المرء، وعندما تدرك أنّه ليس لها قيمة في حد ذاتها فلن تشعر بالذهول الشديد إذا فشلت في تحقيقها وستكون قادرًا على تكييف نفسك مع الظروف بشكل فعال.

قد تكون هذه القدرة على التكيف مع الظروف هي السبب في أنّ أناكسارخوس يقول أنّ القدرة على اغتنام اللحظة المناسبة (kairos) هي العلامة الفاصلة للحكمة، ويعرض أناكسارخوس هذه الفضيلة في طلبه ثروة كبيرة من الإسكندر، حيث كان بيرهو سيرفض مثل هذا العرض، ولكن أناكسارخوس على الرغم من أنّه يقول أنّه من الصعب جمع الأموال وحتى من الصعب الاحتفاظ بها بأمان، فإنّه ينتهز الفرصة ويخمن بشكل صحيح أنّ الإسكندر سيكون مسليًا ومتملقًا من وقاحة طلبه.

وعلى أي حال أظهر أناكسارخوس نوعًا من الازدراء الخاص به للاتفاقيات، وإنّه يعتقد أنّ معايير ما هو صواب وما هو خطأ هي مجرد معايير تقليدية، وعلى هذا النحو يجب أن يشعر المرء بالحرية في تجاهلها عندما يقف في طريق السعي وراء ما يريده، ويظهر هذا الموقف بشكل لافت للنظر في حكاية عن أناكسارخوس وألكسندر.

حيث أنّ ألكساندر وصديقه كليتوس يدخلان في شجار مخمور، ويتبادلون الإهانات، وفي غضب يلتقط الإسكندر رمحًا ويقتل كليتوس، ثم يتلاشى غضبه على الفور وكان سيقتل نفسه لو لم يمنعه حراسه، وخلال الأيام العديدة التالية كان الإسكندر في حالة سيئة حيث بقي في غرفته وندب بصوت عالٍ ما فعله، فيخفف أناكسارخوس معاناة الإسكندر بنجاح.

إنّ التأكيد على أنّ المعايير الأخلاقية هي مجرد تقليدية، وأنّه نتيجة لذلك يجب على المرء أن يشعر بالحرية في الاستهزاء بها إذا لزم الأمر، ويذكرنا بكاليكليس في حوار أفلاطون مع جورجياس والسفسطائي أنتيفون، وبالفعل كان أناكسارخوس يُدعى أحيانًا بالسفسطائي، ومع ذلك على عكس كاليكليس وأنتيفون، فأنّ أناكسارخوس ليس لديه فكرة عن وجود أشياء بطبيعتها عادلة أو صحيحة أو جيدة وعلى عكس تلك المعايير التقليدية فقط.


شارك المقالة: