الفلسفة الجمالية ونقد الشكليات الفنية

اقرأ في هذا المقال


يبدو أنّ الناقد الفني الأمريكي آرثر دانتو (Arthur Danto) كان أكثر منتقدي الشكليات الفنية تأثيرًا واستمرارية، إنّ انتقاداته لم تكن أكثر حسماً من تلك التي قدمها الفيلسوف الأمريكي كيندال والتون (Kendall Walton) في مقالته فئات الفن، حيث تعتمد حجة والتون المناهضة للشكلية على أطروحتين رئيسيتين واحدة نفسية والأخرى فلسفية.

الأطروحة النفسية:

وفقًا للأطروحة النفسية تعتمد الخصائص الجمالية التي يدركها المرء على أنّها تحتوي على عمل من الفئة التي يعتبرها المرء أنّ العمل ينتمي إليها، ويُنظر إليه على أنّه ينتمي إلى فئة الرسم، وسينظر إلى لوحة لوحات بيكاسو بأنّها عنيفة وديناميكية وحيوية ومقلقة.

ولكن يُنظر إليها أيضًا على أنّها تنتمي إلى فئة جيرنيكا (guernicas)، حيث تعمل جيرنيكا مع أسطح بألوان وأشكال جيرنيكا لبيكاسو، ولكن الأسطح مصبوبة لتبرز من الجدار مثل خرائط التضاريس لأنواع مختلفة من التضاريس، فبيكاسو جيرنيكا لن يُنظر إليه على أنّه عنيف وديناميكي بل بارد وصارخ وهامد أو هادئ ومريح أو ربما لطيفة ومملة وباهتة.

وجرينكا هي لوحة فنية بالألوان الزيتية التي رسمها الفنان ذو الأصل الإسباني بابلو بيكاسو، والتي تعتبر من أكثر وأكبر أعمال بيكاسو تأثيرًا.

ويمكن أن يُنظر إلى لوحة جيرنيكا لبيكاسو على أنّها عنيفة وديناميكية وليست عنيفة وليست ديناميكية على حد سواء، وقد يُعتقد أنّها تشير إلى عدم وجود حقيقة حول ما إذا كانت عنيفة وديناميكية، ولكن هذا المعنى لا ينطبق إلّا على افتراض أنّه لا توجد حقيقة تتعلق بالفئة التي تنتمي إليها جيرنيكا بيكاسو بالفعل.

كما يبدو أنّ هذا الافتراض خاطئ نظرًا لأنّ بيكاسو قصد أن تكون جيرنيكا لوحة ولم يقصد أن تكون جيرنيكا، وأنّ فئة اللوحات كانت راسخة في المجتمع الذي رسمها بيكاسو بينما لم تكن فئة جرنيكا كذلك.

الأطروحة الفلسفية:

مما سبق جاءت الأطروحة الفلسفية والتي تنص بموجبها أن تكون الخصائص الجمالية التي يمتلكها العمل في الواقع هي تلك التي يُنظر إليها على أنّها تمتلكها، وذلك عندما يُنظر إليها على أنّها تنتمي إلى الفئة (أو الفئات) التي ينتمي إليها بالفعل.

ونظرًا لأنّ خصائص القصد منها أن تكون لوحة وأن تكون قد تم إنشاؤها في مجتمع تعتبر فيه فئة الرسم راسخة ذات صلة فنية، على الرغم من عدم إمكانية فهمها بمجرد رؤية (أو سماع) العمل، يبدو أنّ الشكلية الفنية لا يمكن أن تكون صحيحة.

ويلخص والتون القول بأنّ: “أنا لا أنكر أنّه يجب الحكم على اللوحات والسوناتات فقط على ما يمكن رؤيته أو سماعه فيها وذلك عندما يُنظر إليها بشكل صحيح، ولكن فحص العمل بالحواس لا يمكن أن يكشف في حد ذاته عن كيفية إدراكه الصحيح له، ولا كيفية إدراكه بهذه الطريقة”، والسوناتة هي مقطوعة موسيقية لعازف منفرد، والذي غالبًا يكون بمرافقة بيانو، وعادةً في عدة حركات مع واحد أو أكثر في شكل سوناتا.

لكن إذا لم نستطع الحكم على الخصائص الجمالية التي تمتلكها اللوحات والسوناتات دون استشارة نوايا ومجتمعات الفنانين الذين ابتكروها، فماذا عن الخصائص الجمالية للعناصر الطبيعية؟ فإنّ فيما يتعلق بهم قد يبدو الأمر كما لو أنّه لا يوجد شيء يمكن التشاور معه سوى الشكل والصوت، لذلك يجب أن تكون الشكليات الجمالية حول الطبيعة صحيحة.

معارضة نقد فلسفة والتون للشكلية الفنية:

يعارض ألين كارلسون (Allen Carlson) وهو شخصية محورية في المجال المزدهر لجماليات الطبيعة هذا المظهر، ويلاحظ كارلسون أنّ أطروحة والتون النفسية تنتقل بسهولة من الأعمال الفنية إلى العناصر الطبيعية، من حيث أنّ المرء ينظر إلى مهور شتلاند على أنّها لطيفة وساحرة، وأنّ كلاديسداليس (وهو حصان من سلالة ثقيلة وقوية، يستخدم لسحب الأحمال الثقيلة) متثاقلة تدين بالتأكيد لإدراكنا أنّها تنتمي إلى فئة الخيول.

ويؤكد أيضًا أنّ الأطروحة الفلسفية تنتقل، من حيث أنّها تمتلك الحيتان بالفعل الخصائص الجمالية التي يدركها الإنسان على أنّها تمتلك هذه الخاصية وذلك عندما يتم اعتبارها من الثدييات، وليس لها في الواقع أي خصائص جمالية متناقضة قد يُدرك أنّها تمتلكها عندما يتم تصورها على أنّها سمكة.

وإذا تم طرح سؤال وهو ما الذي يحدد الفئة أو الفئات التي تنتمي إليها العناصر الطبيعية بالفعل، فإنّ الجواب وفقًا لكارلسون هو تاريخها الطبيعي كما اكتشفه العلم الطبيعي، ونظرًا لأنّ التاريخ الطبيعي للعنصر الطبيعي لن يكون قابلاً للفهم بمجرد رؤيته أو سماعه، فإنّ الشكلية ليست أكثر صحة للعناصر الطبيعية مما هي عليه في الأعمال الفنية.

تم قبول الادعاء بأنّ أطروحة والتون النفسية تنتقل إلى العناصر الطبيعية وكان في الواقع متوقعًا، كما يقر كارلسون من قبل رونالد هيبورن، حيث ثبت أنّ الادعاء بأنّ أطروحة والتون الفلسفية تنتقل إلى العناصر الطبيعية أكثر إثارة للجدل.

كارلسون محق بالتأكيد في أنّ الأحكام الجمالية حول العناصر الطبيعية عرضة للخطأ بقدر ما تنتج عن تصورات تلك العناصر على أنّها تنتمي إلى فئات لا تنتمي إليها، وبقدر ما يتطلب تحديد الفئات التي تنتمي إليها العناصر الطبيعية تحقيقًا علميًا، وتبدو هذه النقطة كافية لتقويض معقولية أي شكليات قوية جدًا حول الطبيعة.

ومع ذلك يرغب كارلسون أيضًا في إثبات أنّ الأحكام الجمالية حول العناصر الطبيعية لها أي أحكام جمالية موضوعية حول الأعمال الفنية، ومن المثير للجدل ما إذا كان ادعاء والتون الفلسفي ينتقل بشكل كافٍ لدعم مثل هذا الادعاء، وإحدى الصعوبات التي أثارها مالكولم بود (Malcolm Budd) وروبرت ستيكر (Robert Stecker) هي أنّه نظرًا لوجود العديد من الفئات التي يمكن فيها إدراك عنصر طبيعي معين بشكل صحيح.

فمن غير الواضح ما هي الفئة الصحيحة التي يُنظر فيها إلى العنصر على أنّه يمتلك الخصائص الجمالية التي يمتلكها بالفعل، حيث يُنظر إلى مهر شتلاند الكبير على أنّه ينتمي إلى فئة مهور شيتلاند، وقد يُنظر إليه على أنّه متثاقل، كما قد يُنظر أيضًا إلى المهر نفسه على أنّه ينتمي إلى فئة الخيول، وكذلك قد يُنظر إليه على أنّه لطيف وساحر ولكنه بالتأكيد ليس مثقلًا.

وإذا كان مهر شتلاند عملاً فنياً فقد نناشد نوايا (أو مجتمع) مبتكره لتحديد الفئة الصحيحة التي تحدد طابعها الجمالي، ولكن نظرًا لأنّ العناصر الطبيعية ليست إبداعات بشرية فلا يمكن أن تعطينا أي أساس للاختيار بين التصنيفات الصحيحة بنفس القدر ولكن المتناقضة من الناحية الجمالية.

ويترتب على ذلك وفقًا الكولم بود أنّ التقدير الجمالي للطبيعة يتمتع بحرية محرومة من تقدير الفن، وعلى الرغم من أنّ هذه ربما تكون مجرد طريقة أخرى للقول أنّ التقدير الجمالي للفن يتمتع بموضوعية لا تقدر على تقدير الطبيعة.


شارك المقالة: