المثالية والواقعية هما لفظان دائران على ألسنة الناس في هذا الزمان، فيقال ويوصف شخص بأنه مثالي أذا كان يسعى ويحرص لرسم صورة كاملة في فكره وعمله، سعياً منه لتحقيق المثل الأعلى، بينما يصفون الإنسان بأنه واقعي إذغ كان تفكيره وعمله وتصرفاته ملتزماً حدود الممكنات القريبة الحصول، حاسباً حساب الواقع الملموس.
المثالية بالمفهوم الفلسفي:
الفلاسفة ينظرون ويستخدمون مصطلح المثالية استخداماً آخر غير المتعارف عليه بين الناس، فأساس المصطلح يقوم لديهم على أساس أنّ الأنسان ما هو إلّا عقل أو الروح لا تهتم بالعالم المادي الذي وضعته في المرتبة الثانية، أي أنها ترى أنّ الحقيقة الكونية ما هي إلّا مجموعة أفكار وتصورات عقلية، حيث أنّ العقل هو المصدر الرئيسي للوصول إلى المعرفة، فأفلاطون يعد مثالياً حيث يرى أنّ العقل هو الحق والباقي من العالم والكون المحسوس ما هو إلّا كالظلال.
مذاهب الفلسفة المثالية:
- المذهب الأفلاطوني: مؤسس هذه الفلسفة هو فيلسوفنا أفلاطون تلميذ الفلسفة القديمة سقراط، ومن رواد هذه الفلسفة تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبرأرسطو، كما بحث في هذه الفلسفة كل من بستالوزي وفروبل، وتعد من أقدم الفلسفة الإنسانية وتعود أصولها إلى اليونان في الغرب والهند في الشرق.
يرى هذا المذهب الذي يمكن القول أنّه المثالية المطلقة، بأنّ المعرفة المطلقة والأفكار موجودة وجوداً وهذا أسمى من الوجود المحسوس، لأنها أحد المبادئ والركائز الأساسية الأصيلة للأشياء، وهذه المعرفة تأخذ طابع سماوي فهي مصدر لمعرفة الأشياء، أي وكأنها محاولة من أفلاطون لإثبات وجود الله. - المذهب الكانطي: أو المثالية في المذهب الحديث، وكان من أسس ومهد له مؤسس الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت، الذي عرف بمقولته الشهيرة: ” أنا أفكر إذن أنا موجود” التي عرفت باسم الكوجيتو، فقد وضّح ديكارت أن ما نعرفه عن العالم الخارجي هو عبارة عن الصور الذهنية والأفكار العقلية الموجودة في عقولنا، فقام بعد ذلك بركلي بإظهار مبدأ الكوجيتو في تقريره ” أنّ الوجود هو كون الشيء مدركاً”، إلى أن شيّد كانط هذا المبدأ ببناء شامخ يقوم على أساس من نقد العقل في ثلاثة جوانب: النظر والعمل والذوق.
فأساس هذا المذهب تقوم على المثالية النسبية أي أنّ الأشياء تتحقق في الوجود على نحو ما، تأتي من انطباعات حسيّة أو أفكار كتمثلات ذهنية، ومصدر المعرفة في هذا المذهب هي المعرفة الإنسانية.
ربما يمكن القول بأن المذهبان يتفقان على أنّهما مذهبان في المعرفة، حيث يريان أنه لا شيء في الموجودات إلّا ويمكن أن يكون متعقلاً، وأنّ ما هو خارج الفكر لا يمكن أن يكون متعقلاً، وبالتالي لا يمكن أن يكون شيئاً، وأداة التعقل هي الأفكار، فهي تميز الذات العارفة، فالأفكار هي أولى المعطيات كما يرى الفارابي وديكارت وكانط، فلا بد من وجود فكر وراء كل قول، فلا عجب من وصف القول الذي لا معنى له بالكلام الفارغ، وهذا ما وصل إليه الأشخاص بشكل عام والفلاسفة بشكل عام.