الفيلسوفة جين آدامز

اقرأ في هذا المقال


كانت الفيلسوفة جين أدامز ناشطة وكاتبة غزيرة الإنتاج في التقاليد البراغماتيةالأمريكية، وأصبحت زعيمة معترف بها على المستوى الوطني للتقدمية في الولايات المتحدة وكذلك من دعاة السلام المعروفين دوليًا، وتشتهر آدامز في المقام الأول بتأسيس مستوطنة شيكاغو الاجتماعية هال هاوس والتي ظهرت كرائدة في حركة التسوية.

طفولة جين آدامز:

ولدت لورا جين آدامز (Laura Jane Addams) في 6 أيلول 1860 في سيدارفيل في إلينوي في الولايات المتحدة، وذلك بعد عشرة أشهر من نشر أصل الأنواع لداروين، وقبل شهرين من انتخاب أبراهام لنكولن لرئاسة الولايات المتحدة وسبعة أشهر قبل انفصال الجنوب عن الاتحاد، حيث تروي آدامز حياتها المبكرة في عشرين عامًا في هال-هاوس (Hull-House)، وهو العمل الوحيد من أعمالها الذي ظل مستمرًا في الطباعة منذ نشره لأول مرة في عام 1910.

عندما كانت طفلة كانت تسمى (جيني) ولكن طفولتها كانت بداية مضطربة، وعندما كانت جيني في الثانية من عمرها توفيت والدتها سارة أثناء ولادة طفلها التاسع، ونتيجة لذلك شكلت أدامز علاقة مهمة مع والدها جون الذي كان صاحب مصنع وسياسي ناجح، وتقابلت جون أدامز لينكولن وربطت جين أدامز بين والدها ولينكولن كرموز أخلاقية وإلهام شخصي طوال حياتها، كما كانت العلاقة بين جون وابنته مهمة لأنّها منحت جين اهتمام شخص متعلم ودنيوي بالغ، وهي فرصة لم تختبرها العديد من الشابات في هذا العصر، وتزوج جون أدامز مرة أخرى ولكن كان هناك دائمًا رابط خاص بين جين وبينه.

تعليم جين آدامز:

أرسل جون آدامز ابنته إلى الكلية في مدرسة روكفورد للإناث والتي لاحقًا أصبحت كلية روكفورد، وعلى الرغم من أنّ آدامز كانت دائمًا طالبة جيدة إلّا أنّها ازدهرت في الكلية وأصبحت قائدة جامعية معترف بها على نطاق واسع، وتعلمت آدامز مدى أهمية إعطاء مجتمع نسائي داعم لاستبعاد النساء من معظم الأنشطة في المجال العام، وقامت في وقت لاحق بتكرار الأجواء التي تركز على المرأة في هال-هاوس.

عندما تخرجت آدامز من الكلية عام 1881 كانت تنوي متابعة مهنة الطب، ولكن بعد فترة قصيرة في كلية الدراسات العليا قررت أنّ الطب لن يكون في مستقبلها، كما أدت وفاة والدها في نفس العام إلى اضطراب حياتها، وذلك بعد أن فقدت الاتجاه في حياتها ودخلت في مرحلة استمرت عقدًا من البحث عن النفس بالإضافة إلى مشاكل صحية متفرقة.

دور جين آدامز في النهضة الاجتماعية والنسوية:

خلال هذه الفترة قامت بعدة رحلات إلى أوروبا، وفي رحلتها الثانية قابلت المستوطنة الاجتماعية الرائدة توينبي هول (Toynbee Hall) في لندن، وقدمت توينبي هول للشباب فرصة للعمل من أجل تحسين حياة الفقراء في لندن، وبعد فترة وجيزة من هذا اللقاء طورت آدامز خطة لبدء تسوية اجتماعية في الولايات المتحدة.

جندت آدامز مساعدة صديقتها إلين جيتس ستار في مخططها النبيل، والتحقت ستار لفترة وجيزة بكلية روكفورد مع أدامز لذلك شاركوا في فهم التمكين الذي يمكن أن يوفره مجتمع نسائي لسكانه، وافتتحت آدامز وستار مستوطنة هال هاوس في عام 1889 في قلب حي متهدم على الجانب الغربي من شيكاغو، ولقد بدأوا بخطط قليلة وموارد قليلة وقليل من السكان، ولكن مع الرغبة في أن يكونوا جيرانًا جيدين للمجتمع، وذلك من خلال العمل مع شبكة المنظمات النسائية في شيكاغو، حيث نما عدد مشاريع هال-هاوس بسرعة وكذلك سمعتها.

فقد جاءت النساء وبدرجة أقل الرجال من جميع أنحاء البلاد للعيش والعمل كجزء من هذه التجربة التقدمية في الحياة المجتمعية جنبًا إلى جنب مع النشاط الاجتماعي، وتحت قيادة آدامز افتتحت هال-هاوس حمامًا عامًا وقامت بحملة لجمع القمامة، وبدأت روضة أطفال وطوّرت أول ملعب في شيكاغو واستجابت لمجموعة متنوعة من احتياجات المجتمع.

في البداية استأجرت آدامز الطابق الثاني بالكامل وغرفة الرسم في الطابق الأول من مبنى هال-هاوس، ولكن في النهاية نما مجمع المستوطنات لاستيعاب مبنى سكني كامل في المدينة، وواجهت آدامز تحديًا مستمرًا لشرح العمل الذي قامت به في هال-هاوس، وغالبًا ما شعر الناس بأنّهم مضطرون لإعطاء مشاريع الاستيطان التسمية المألوفة للعمل الخيري ولكن آدامز رفض هذا الادعاء.

كما أوضحت في مقالها عام 1893 (القيمة الموضوعية للتسوية الاجتماعية)، نظرت آدامز إلى سكان هال-هاوس على أنّهم منخرطون في عمل معرفي متبادل من حيث جمع وتحليل ونشر المعلومات جنبًا إلى جنب مع العمل الذكي.

فلسفة جين آدامز الاجتماعية:

كانت آدامز ناشطة ومنظمة فعالة لكنها كانت أيضًا منسجمة بشدة مع النظرية الاجتماعية، وعندما كانت طفلة كانت تقرأ على نطاق واسع متأثرة إلى حد كبير بوالدها الذي أقام مكتبة المدينة في منزلهم، وفي روكفورد تعرفت على الفلسفة اليونانية القديمة بالإضافة إلى النظريات الاجتماعية للرومانسيين مثل جون روسكين وتوماس كارلايل.

في هال هاوس جذبت آدامز انتباه جون ديوي وويليام جيمس وجورج هربرت ميد، حيث زار كل منهم آدامز شاركوا في محادثات حية أثبتت أنّها تؤثر بشكل متبادل، وبالنظر إلى هذا الأساس الفكري استخدمت آدامز تجربتها في هال-هاوس كنقطة انطلاق لتطوير الفلسفة العامة في التقليد البراغماتي الأمريكي، وفي عام 1899 بعد عشر سنوات من تأسيس هال-هاوس نشرت آدامز (وظيفة التسوية الاجتماعية) حيث وضعت أنشطتها التقدمية في مصطلحات معرفية.

تنظر آدامز إلى قضايا المعرفة باعتبارها التحدي المعاصر الأكثر عمقًا، حيث كانت المستوطنات الاجتماعية جهدًا نشطًا للتعرف على بعضنا البعض عبر التقسيمات الطبقية والثقافية، وبالتالي بناء معرفة جماعية حول الأفراد الذين يشكلون هذا المجتمع المتنوع.

وبهذه الطريقة عملت هال-هاوس كقناة متعددة الاتجاهات للمعلومات حول حياة البشر، فقد ساعدت آدامز وزملاؤها المهاجرين على تعلم كيفية التنقل في الثقافة الأمريكية المعقدة، بينما كانت أدامز تتواصل وتخصص تجربتها مع المهاجرين لمساعدة أمريكا من ذوي البشرة البيضاء والعليا والمتوسطة على فهم ما يعنيه أن تكون فقيرًا ومشردًا.

علاوة على ذلك رأت آدامز أنّ خلق المعرفة هذا أمر متبادل، حيث استفاد المجتمع من المعرفة التي جلبها المهاجرون واستفاد المهاجرون من التعلم عن جيرانهم الجدد، كما كانت آدامز فريدة من نوعها في إدراكها أنّ المهاجرين يمكن أن يساهموا في الثقافة الأمريكية.

تأثير فلسفة جين آدامز:

ألفت آدامز أو شاركت في تأليف عشرات الكتب وأكثر من 500 مقالة بعد أن أسست هال هاوس، وظهرت المقالات في كل من الدوريات العلمية والشعبية، مما أدى إلى تأسيس آدامز كفيلسوفة عامة وقائدة اجتماعية، وكانت آدامز أيضًا متحدثة مطلوبة كثيرًا وسافرت محليًا ودوليًا لتقديم عروض تقديمية تدعم قيمها التقدمية.

كانت آدامز واحدة من النساء القلائل في العصر اللائي تجاوزن المجال الخاص للتأثير بنجاح على المجال العام، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ آدامز أصبحت واحدة من أكثر الشخصيات شهرة وإعجابًا في الولايات المتحدة، وكانت حافزًا مؤثرًا للتغيير وأعارت اسمها ومهارات التنظيم لمجموعة متنوعة من الأسباب، كما عملت آدامز مع عالم الاجتماع وليام إدوارد بورغاردت دو بوا لدعم عدد من المساعي الأمريكية الأفريقية بما في ذلك كتابة مقالات لمنشوره الأزمة (The Crisis)، والمساعدة في تأسيس الجمعية الوطنية لتقدم الملونين.

وقد ساعدت في تأسيس اتحاد الحريات المدنية الأمريكية ونظمت الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، وأدت جهودها الدؤوبة في دعم السلام إلى حصول آدامز على جائزة نوبل للسلام عام 1931، وتوفيت آدامز بسبب السرطان في 21 أيار في عام 1935، وملأ النصب التذكاري العام في هال-هاوس الشوارع بالمشيعين، وتم نشر كلمات التأبين في الصحف على الصعيدين الوطني والدولي.


شارك المقالة: