الفيلسوفه أنسكومب وفكرها في مقالة الشخص الأول

اقرأ في هذا المقال


كانت إليزابيث أنسكومب أو الآنسة أنسكومب كما كانت تُعرف فيلسوفة مهمة في القرن العشرين وواحدة من أهم الفلاسفة من النساء في كل العصور.

نظرة عامة لفلسفة أنسكومب:

كون أنسكومب كاثوليكية ملتزمة ومترجمة بعض أهم أعمال لودفيج فيتجنشتاين كانت مفكرة مؤثرة وأصيلة في التقاليد الكاثوليكية وطريقة فيتجنشتاين، وعلى الرغم من أنّها عملت في كل مجال من مجالات الفلسفة تقريبًا إلّا أنّها اشتهرت لدى الفلاسفة اليوم بعملها في الأخلاق وفلسفة العمل أو السلوك، بينما خارج الفلسفة اشتهرت بآرائها المحافظة حول الأخلاق الجنسية والتي ألهمت عددًا من المنظمات الطلابية، وتطلق على نفسها اسم جمعية أنسكومب وتروج للعفة والزواج التقليدي، وهي معروفة أيضًا بمعارضتها لاستخدام الأسلحة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

في مجال الأخلاق فإنّ أهم أعمالها هو مقال (الفلسفة الأخلاقية الحديثة)، ويمكن إرجاع الاهتمام المعاصر بنظرية الفضيلة مباشرة إلى هذه الورقة التي طرحت ثلاث أطروحات:

1- أنّ جميع الفلاسفة الأخلاقيين البريطانيين الرئيسيين من هنري سيدجويك كانوا متشابهين في الأساس (أي العواقبية).

2- أنّ مفاهيم الالتزام الأخلاقي واستخدام الكلمة يجب أن يكون لها حس أخلاقي خاص، وما يرتبط بها من مفاهيم ضارة ويجب التخلي عنها.

3- أننا يجب أن نتوقف عن ممارسة الفلسفة الأخلاقية حتى نحصل على فلسفة مناسبة لعلم النفس.

كما يعد عملها في السلوك والذي وجد في الغالب في كتابها القصير النية خطوة في اتجاه مثل هذه الفلسفة.

حياة الفيلسوفه أنسكومب:

ولدت جيرترود إليزابيث مارجريت أنسكومب في 18 آذار في عام 1919 في ليمريك بأيرلندا، وكان والداها ألين ويلز أنسكومب وجيرترود إليزابيث أنسكومب (née Thomas) بريطانيين لكنهما يعيشان في أيرلندا لأنّ والدها كان يعمل هناك كضابط في الجيش البريطاني، وعندما عادوا إلى بريطانيا كان مدرسًا في مدرسة يقوم بتدريس العلوم في كلية دولويتش في لندن، وقد التحقت أنسكومب بنفسها بمدرسة سيدنهام الثانوية وتخرجت عام 1937، وأثناء وجودها هناك أصبحت مهتمة بالكاثوليكية وتحولت إلى المسيحية بينما كانت لا تزال مراهقة.

درست الكلاسيكيات والفلسفة في كلية سانت هيو في أكسفورد وتخرجت بدرجة الشرف من الدرجة الأولى في عام 1941، وفي وقت لاحق من ذلك العام تزوجت من الفيلسوف بيتر جيتش الذي التقت به في عامها الأول في أكسفورد بعد قداس في بلاكفريرز وقد رزقوا بسبعة أطفال.

بعد عام آخر في سانت هيو كطالبة أبحاث انتقلت إلى كلية نيونهام في كامبريدج حيث حصلت على زمالة بحثية، وفي كامبريدج قابلت لودفيج فيتجنشتاين وحضرت محاضراته واستمرت في القيام بذلك حتى بعد عودتها إلى أكسفورد لتلقي زمالة بحثية في كلية سومرفيل في عام 1946، وحصلت فيما بعد على زمالة التدريس هناك حتى عام 1970 وعندما أصبحت أستاذ الفلسفة بجامعة كامبريدج بقيت هناك حتى تقاعدت من التدريس في عام 1986.

توفيت فتجنشتاين في عام 1951 بعد أن عيّن أنسكومب كواحدة من ثلاثة منفذين أدبيين لممتلكاته، ونُشرت ترجمتها الإنجليزية لتحقيقاته الفلسفية عام 1953.

في عام 1956 بسبب سماح الرئيس ترومان بتفجير هيروشيما وناغازاكي عارضت علنًا ولكن دون جدوى، ومنحته جامعة أكسفورد درجة فخرية، وكانت هذه بداية أكثر فترة مثمرة في حياتها المهنية، وربما ذلك لأنّها كانت مدفوعة بشعور من الغضب من أنّ الرجل الذي سمح عمدًا بقصف غير المقاتلين يمكن تكريمه بهذا الشكل، وقد نُشرت دراستها الطويلة عن طبيعة الفعل المتعمد في العام التالي وتلاها كتاب (الفلسفة الأخلاقية الحديثة) في العام التالي.

محاضرتها الافتتاحية في جامعة كامبريدج عام 1971 حول (السببية والعزم) تعتبر الآن أيضًا شيئًا كلاسيكيًا وتشير إلى بعض النقاط الواردة في النية، وكانت قد توفيت في كامبريدج في 5 كانون الثاني 2001.

مقالة الشخص الأول:

بطريقة فيتجنشتينية نموذجية جادل أنسكومب بأنّ بعض الأطروحات الميتافيزيقية هي نتيجة تضليلنا بالقواعد، وعملها على المفرد المتكلم هو مثال جيد على هذه الطريقة في التعامل مع المشاكل الفلسفية، كما تجادل أنسكومب في مقالتها (الشخص الأول) بأنّ الكلمة (أنا) لا تُستخدم عادةً للإشارة إلى شيء ما وبالتالي فهي لا تشير إلى الروح أو العقل غير الجسديين، ولكنها لا تشير أيضًا إلى الجسد المادي، وكلمة أنا ليس اسمًا أدعوه نفسي، وإنّه ليس اسمًا على الإطلاق على الرغم من أنّه قد يبدو واحدًا.

إذا كان هناك بعض التساؤل حول من كسر إناء فمن الممكن أن يخطئ المرء في هويته ويخطئ حتى في قيامه بذلك، على سبيل المثال قد تعتقد أنك دفعته لكنك أدركت (ربما بعد مشاهدة تسجيل فيديو) أنّه على الرغم من اقترابك إلّا أنّ شخصًا آخر هو من قام بذلك، وعندما نشير إلى شخص يمكننا إذن أن نخطئ في تحديد الشخص المعني، ولكن إذا فكرت في نفسي أتساءل ما الذي يحدث؟، ثم لا يوجد مثل هذا التعريف الخاطئ ممكن.

لا يمكن أن يكون هذا لأنني أشير إلى جسدي ومن السهل دائمًا التعرف على جسدي لأنّه يمكن للمرء أن يخطئ في تحديد جسده الذي فعل هذا أو ذاك، وتشير أنسكومب إلى أنّه يمكن للمرء أن يكون في حالة حرمان حسي وغير مدرك تمامًا لجسده (ليس بحقيقة أنّ المرء يمتلك جسدًا بالطبع ولكن الجسد نفسه على سبيل المثال إدراك المرء لجسده، وفي هذه الحالة غير موجود مؤقتًا).

إذا أشرت إلى أي شيء لا يمكن تعريفه بشكل خاطئ وبطريقة لا يمكن فيها حدوث خطأ أو فشل مرجعي، فيبدو أنّ رينيه ديكارت كان على حق ولا يمكن إلّا الإشارة إلى شيء غير مادي وهو: “التفكير الذي يفكر هذا الفكر”، والذي قد لا يكون نفس التفكير كما يعتقد أي أفكار سابقة، ووفقًا لأنسكومب فإنّ هذا عبثية تُظهر أنني لا أستطيع أن أكون تعبيرًا مرجعيًا على الإطلاق.

السبب الذي جعل ديفيد هيوم سعى دون جدوى من أجل نفسه (بحيث وجد بدلاً من ذلك مجموعة من الانطباعات والأفكار فقط) هو أنّه لا توجد ذات بالفعل ولا شيء يشير إليه لأنّه لا يشير إلى أي شيء (ولا حتى حزمة)، وهذا هو السبب في أنّه لا يمكن أن يكون هناك خطأ في التعريف: أي لا يوجد تعريف على الإطلاق لذلك لا يمكن أن يحدث خطأ، ويمكن القول: “ما إذا كنت أقف أم لا لست بحاجة” (في الظروف العادية) إلى النظر، ووفقًا لأنسكومب هذا لأنّه لا يشير إلى أي شيء قد نراه (أو يشعر به بأي طريقة أخرى).

كما إنّ معرفة ما يفعله المرء مثل معرفة آراء المرء هو معرفة غير قائمة على الملاحظة، وإذا كان يشير إلى شيء ما فيجب أن يكون الشيء المعني هو الشيء الذي يمكن تحديده دون أن يتم ملاحظته عن طريق الحواس، والطريقة الوحيدة لتجنب العبث الديكارتي كما تراه أنسكومب، هي إنكار أنّ الشخص الأول المفرد يشير إلى أي شيء على الإطلاق، وإنّها كلمة ذات استخدام ولكن بدون مرجع، وترى أنّ الفشل في تقدير هذه الميزة النحوية هو ما يؤدي إلى الوحل الميتافيزيقي لديكارت وهيوم وآخرين ممن تكهنوا حول هوية الذات.


شارك المقالة: