بالكاد يمكن للمرء أن يتخيل شخصية ذائعة الصيت في رفض الفلسفة أكثر من جون كالفن، فقد كتب المغترب الفرنسي بعض الخطابات اللاذعة ضد الفلسفة ودورها في اللاهوت المدرسي على الإطلاق، وبالتالي بطريقة ما هذه السمعة مستحقة جيدًا، ويمكن أن يكون مقال عن كالفن في موسوعة فلسفية موجزًا إلى حد ما.
سيرة شخصية للفيلسوف كالفن:
ولد جون كالفين في عام 1509 وتوفي في عام 1564 في نويون، وهو ابن كاتب عدل جيرارد كوفين وزوجته جين لفرانك، وعلى الرغم من أنّ والد كالفن لم يُظهر أي تقوى معينة فقد تم تسجيل والدته على أنّها أخذته لزيارة الأضرحة وفي إحدى المناسبات من المفترض أنّه قبّل جزءًا من رأس القديسة آن، وكان كالفن هو الرابع من بين خمسة أبناء في عائلة لم تكن بالتأكيد من الطبقة الأرستقراطية.
عادة كان هذا سيعمل ضد فرصه في الحصول على تعليم شامل، ولكن من خلال حسن الحظ لعلاقة والده المهنية مع عائلة من النبلاء المحليين تلقى تعليمًا خاصًا مع أطفال تلك العائلة، وبعد أن ميّز نفسه في سن مبكرة وكان يُعتبر كالفن مستحقًا لتلقي دعم المستفيد وهو راتب ممنوح من الكنيسة في سن الثانية عشرة وذلك لدعمه في دراسته.
على الرغم من أنّه تم منح الإعانات عادةً كدفعة مقابل العمل للكنيسة سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل، ولا يوجد سجل بأنّ كالفن قام بأي واجبات لهذا المنصب، وفي وقت لاحق حصل على منفعتين أخريين ولم يعمل من أجلهما أيضًا، وهكذا بدعم من الكنيسة في سن الرابعة عشرة التحق كالفن بكلية دي لا مارش في جامعة باريس على الرغم من أنّه سرعان ما انتقل إلى كلية دي مونتايجو.
في باريس اتصل كالفن أولاً بالتعلم الإنساني الجديد أثناء التحضير لمهنة كاهن، وعلى الرغم من أنّه لا يمكن تتبع جميع الاتصالات التي أجراها كالفن ولكن يبدو من الواضح أنّه التقى بالعديد من رواد الإنسانية في عصره، وحصل كالفن على درجة الماجستير في سن 18 عامًا، ومع ذلك لم يشرع في خطته الأصلية للتحضير للعمل الكتابي.
أمر جيرارد كوفين الذي تم طرده كنسياً مؤخرًا في نزاع مع فرع الكاتدرائية في نويون ابنه بالتسجيل بدلاً من ذلك في كلية الحقوق في أورليانز، وأطاع كالفن وتقدم بنفسه وحصل على الدكتوراه في القانون في وقت ما قبل 14 كانون الثاني لعام 1532، وفي نفس العام ظهر كتابه المنشور الأول وهو تعليق على دي كليمنتيا لسينيكا، ومن الجدير بالذكر أنّه لا يحتوي على أي دليل صريح على الوعي ناهيك عن الانشغال بالأحداث المعاصرة في العالم الديني.
حوالي عام 1533 شهد كالفن تحولًا فرعيًا وتحولًا مفاجئًا، ونظرًا لأنّ كالفن متحفظ بشكل سيء بشأن الكشف عن حياته الشخصية فإنّ كتاباته لا تمنح الكثير من التبصر فيما يتعلق بالوقت المحدد أو سبب هذا الحدث، ويربط جانوتشى ذلك بمحاكمة شرطي بدعامة والتي فر خلالها كالفن من باريس وفي ذلك الوقت تم تفتيش شقته ومصادرة أوراقه، وعلى أي حال في 4 آيار 1534 ظهر في نويون وتنازل عن المنافع الكتابية، وربما منذ تلك اللحظة فصاعدًا لم يعد لكالفن ارتباط شخصي بكنيسة روما.
كتب كالفن بسرعة وأنهى الطبعة الأولى من معاهد الدين المسيحي في عام 1536، وقد حظيت بطلب شعبي واسع النطاق ونفد العرض الأصلي في غضون عام، وبدلاً من إعادة طبعه ببساطة قام كالفن بمراجعته ووسعت طبعة عام 1539 العمل الأصلي بشكل كبير، وسيكون هذا هو نمط كالفن في جميع أنحاء الطبعات اللاتينية اللاحقة للأعوام 1543 و 1550 و 1559.
طُبعت الطبعات الفرنسية في 1545 و 1560 كما أنّ كالفين الفرنسية مؤثرة بسهولة مثل لوثر الألمانية لتشكيل اللغة العامية الحديثة، وكانت كل طبعة لاتينية عبارة عن إعادة ترتيب للمواد السابقة بالإضافة إلى إضافة مكونات جديدة، وإذا كانت هذه هي الهدية الوحيدة من قلم كالفن فقد تبدو كافية، ولكن كالفن كتب أيضًا تعليقات على كل كتاب من الكتاب المقدس تقريبًا وأصدر العديد من المقالات وبشر كل يوم تقريبًا في جنيف.
كان من المقرر أن تكون جنيف انتصار كالفن وضيقه، ففي عام 1536 أخجل جيوم فاريل كالفن من تقاسم القيادة في جنيف، واستمرت هذه الفترة من حياة كالفن حتى طرده مجلس المدينة في نيسان عام 1538، وكان كالفن جامدًا للغاية بالنسبة لذوقهم، وقد استقر في ستراسبورغ ورعى المصلين، وهنا بدأ عمله الآخر في حياته أي التعليق على أسفار الكتاب المقدس بدءًا من التعليق الروماني المكتوب جزئيًا على الأقل والمنشور في ستراسبورغ عام 1540، وكان كالفن يعلق على معظم كتب الكتاب المقدس.
ومع ذلك اتصلت به جنيف مرة أخرى في عام 1541 وعاد كالفن معتقدًا أنّ جنيف كانت دعوته الخاصة، وكان عليه أن يعيش هناك ويدعم المجلس بالتناوب ويوبخه حتى وفاته في عام 1564، وفي هذه الفترة قدم كالفن مساهمته الكبيرة الأخرى للكنيسة حيث قام بإعداد ثم إجبار مجلس المدينة على التصديق على مراسيمه الكنسية كنيسة جنيف، وفي هذا تم العثور على جميع مبادئ النظام السياسي الإصلاحي، وفي عام 1564 توفي كالفن في جنيف بسبب سلسلة من الأمراض، ووفقًا لشروط إرادته تم دفنه في قبر غير مميز لتجنب أي احتمال لعبادة الأصنام.
يتميز فكر كالفن بجدل مستمر بين منظور الخالق الصافي والصالح تمامًا (الله) والكائن المخلوق الفاسد (البشرية)، وتُظهر الأنثروبولوجيا وعلم الخلاص اعتماده على أوغسطين حيث تكون الإرادة محدودة إلى حد ما في التطبيق البشري، وغير قادرة على إحداث تغيير في وضعها مقابل الخلاص، ومع ذلك يوازن كالفن ذلك مع التركيز الشديد على استجابة الإنسان لمحبة الله ورحمته في النظام المخلوق من خلال العمل الصحيح في كل من العالم البشري وعالم الطبيعة.
تأثير الفيلسوف كالفن:
ربما يكون من الغريب أنّ إرث كالفن حول الموقف التبعي للفلسفة في البحث عن الحقيقة الإلهية لم يكن واضحًا ولا دائمًا، وخلال حياته كان اللاهوتيون في جينيفان مثل ثيودور بيزا أكثر تفاؤلاً بشأن استيعاب أدوات اللاهوت والفلسفة المدرسية، ويبدو أنّهم كانوا يبتعدون عن التسلسل الهرمي الذي أصر عليه كالفن، وفي غضون القرن التالي كان بعض أبرز علماء اللاهوت البروتستانت السكولاستيين يعلمون في أكاديمية جينيفان أو على الأقل يدرسون أفكارهم هناك.
يوجد صراع لاهوتي وتاريخي حديث حول ما يستلزمه هذا التغيير وما يجب أن تكون عليه أهميته، وجادل البعض مثل بريان جراي أرمسترونج بأنّ هذا التحول نحو النماذج المدرسية يمثل تحولًا حتميًا في محتوى علم اللاهوت الإصلاحي، وبالتالي الابتعاد عن مشروع كالفن اللاهوتي، وجادل آخرون ولا سيما ريتشارد مولر بأنّه لم يكن هناك وقت أصلي بدون علم اللاهوت السكولاستي، وأنّ الطريقة المدرسية محايدة المحتوى، على أي حال ما هو واضح هو أنّه بحلول منتصف القرن السابع عشر فقد الحذر الذي عبر عنه كالفن كثيرًا بشأن استخدام الفلسفة، ومع خسارته جاء فقدان كالفن للتملك المميز للفلسفة.