كان الأسكتلندي جيمس بيتي فيلسوفًا وشاعرًا اسكتلنديًا قضى كامل حياته الأكاديمية كأستاذ للفلسفة الأخلاقية والمنطق في كلية ماريشال في أبردين.
الحياة و الوظيفة:
ولد جيمس بيتي في 25 تشرين الأول في عام 1735 في لورنسكيرك في كينكاردينشاير حيث كان والده مزارعًا وصاحب متجر، وفي عام 1749 بدأ بيتي دراسته في كلية ماريشال بأبردين، بينما في عام 1753 حصل على درجة الماجستير.
ثم أمضى عدة سنوات كمدرس وفكر لفترة وجيزة في أن يصبح وزيرًا، وخلال هذه الفترة قام أيضًا بتأمين صداقة العديد من الشخصيات المؤثرة، حيث كان جيمس بورنيت المولود في عام 1714 والمتوفى في عام 1799 أحد رعاة بيتي الأوائل والمعروف للأجيال القادمة باسم اللورد مونبودو (وهو الاسم الذي افترضه بورنيت عند تعيينه في محكمة الجلسة في عام 1767).
في عام 1760 في سن الخامسة والعشرين تم تعيين بيتي أستاذًا للفلسفة الأخلاقية والمنطق في كلية ماريشال، وبعد ذلك بوقت قصير تم انتخابه لعضوية جمعية أبردين الفلسفية والمعروفة باسم (نادي الحكماء)، والتي تأسست في عام 1758 من قبل توماس ريد الذي ولد في عام 1710 وتوفي في عام 1796، وكذلك جون غريغوري الذي ولد في عام 1724 وتوفي في عام 1773، حيث استمرت الجمعية في عقد اجتماعاتها حتى عام 1773، وذلك بعد تسع سنوات من مغادرة ريد إلى غلاسكو لملء كرسي الفلسفة الأخلاقية الذي أخلاه آدم سميث الذي ولد في عام 1723 وتوفي في عام 1790.
يعود أصل الكثير من أعمال بيتي اللاحقة إلى المؤلفات التي قرأها على زملائه (الحكماء) الأبردون في ستينيات القرن الثامن عشر.
أبرز محطات نجاح الفيلسوف بيتي:
تراكمت التكريمات بسرعة كبيرة ومن أهمها:
1- دكتوراه في القانون من جامعة أكسفورد.
2- لقاء مع الملك جورج الثالث.
3- معاش التاج 200 جنيه في السنة.
4- استحسان الأدباء المميزين مثل إدموند بورك وصمويل جونسون.
5- الفرصة لالتقاط صورة للسير جوشوا رينولدز، وبالمناسبة تم تعليق صورة رينولد لبيتي -انتصار الحقيقة مع صورة رجل نبيل- في كلية ماريشال.
6- لم يكن الحماس لأطروحة بيتي المناهضة للشك مقصورة على الجزر البريطانية، فسرعان ما تُرجم المقال إلى الفرنسية والألمانية والهولندية ونوقش في القارة، كما انتشرت شهرة بيتي إلى العالم الجديد أيضًا.
7- في عام 1784 أصبح عضوًا في الجمعية الفلسفية الأمريكية.
فلسفة الفيلسوف بيتي:
بعد عقد من توليه منصب الأستاذية في أبردين نشر بيتي العمل الفلسفي الذي اشتهر به (ولا يزال): مقال عن طبيعة الحقيقة وثباتها في مواجهة السفسطة والشك في عام 1770 (يُشار إليها فيما بعد بـ (مقال عن حقيقة)، ويعد أشهر أعماله الفلسفية مقاله عن طبيعة الحقيقة وثباتها في مواجهة السفسطة والتشكيك في عام 1770.
وهذا المقال هو جولة بلاغية تؤكد سيادة الفطرة السليمة أثناء مهاجمة ديفيد هيوم الذي ولد في عام 1711 وتوفي في عام 1776، ويعد هذا المقال الأكثر مبيعًا في يومه فقد جعل بيتي مشهورًا جدًا وغاضبًا جدًا من هيوم، وقد أثبتت شهرة العمل أنّها عابرة وكذلك سمعة بيتي الفلسفية.
في حين أنّ مقال عن الحقيقة قليل القراءة اليوم إلّا أنّه يستحق القراءة وذلك لعدة أسباب ومنها:
1- أولاً إنّه وثيقة مهمة في تاريخ مدرسة الفلسفة الأسكتلندية للفطرة السليمة التي افتتحها زميل بيتي توماس ريد.
2- ثانيًا لا يزال أسلوب بيتي -حيويًا ومصقولًا ونقيًا وواضحًا- يتمتع بالقدرة على الإرضاء والسحر.
3- أخيرًا يعتبر بيتي فيلسوفًا أقوى مما كان منتقدوه الصاخبون على استعداد للسماح بذلك، على الرغم من أنّه ليس مفكرًا أصليًا أو عميقًا بأي حال من الأحوال إلّا أنّه يمكن ويجب أن يُنسب إليه الفضل في تقديم دفاع منهجي وسهل المنال عن أطروحة تبدو بسيطة، وهي أنّ الفلسفة لا يمكنها تحمل ازدراء إملاءات الفطرة السليمة.
ومع ذلك لم يكن جميع مواطني جمهورية الآداب معجبين بمقال عن الحقيقة، وكان هدف الكتاب هو هيوم الودود وروح الدعابة التي لديه والذي كان غاضبًا، فـ (حقيقة!) قال غاضبًا: “ليس فيها حقيقة حيث إنّها كذبة كبيرة مروعة في أوكتافو”، ومع ذلك فإنّ هيوم الذي كان لديه سياسة عدم الرد على النقاد لم يتكيف أبدًا مع الرد المباشر على تساؤلات من مثل: “ذلك الزميل السخيف المتعصب بيتي”.
كما كان إيمانويل كانط الذي ولد في عام 1724 وتوفي في عام 1804 أيضًا يحمل كلمات قاسية لبيتي، ففي كتاب كانط التمهيدي لأي ميتافيزيقيا مستقبلية (Prolegomena to Any Future Metaphysics) في عام 1783 يصور الشاعر الملهم الاسكتلندي الحس السليم على أنّه دوغمائي سطحي ومنفرج، حيث سبب حاسم (مثل عدم امتلاك الأخير)، وبالنسبة للسجل مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ كانط (على عكس هيوم) كان لديه رأي منخفض بنفس القدر عن ريد.
لم يكتب بيتي أي عمل فلسفي مساوٍ للمقال في الاستئناف أو التأثير على الرغم من أنّه استمر في النشر طوال السبعينيات والثمانينيات من القرن الثامن عشر، وهناك العديد من هذه الأعمال اللاحقة ظاهريًا (يعود العديد منها في الواقع إلى ستينيات القرن الثامن عشر) مكرسة لقضايا في علم الجمال والبلاغة والنظرية الأدبية، وهي تشمل مقال:
1- عن الشعر والموسيقى في عام 1776.
2- عن فائدة التعلم الكلاسيكي في عام 1776.
3- مقال عن الضحك.
4- التأليف المضحك في عام 1779.
5- الأطروحات الأخلاقية والنقدية في عام 1783.
بالإضافة إلى ذلك قام بتجميع معجم بعنوان الاسكتلنديين ومرتبة حسب الترتيب الأبجدي في عام 1787، حيث حث مواطنيه المتعلمين على تحسين لغتهم الإنجليزية من خلال تنقيتها من التعبيرات الأسكتلندية.
كما نال بيتي الاستحسان كشاعر إلى حد كبير على قوة كتابه المنشد (The Minstrel)، أو تقدم العبقرية (The Progress of Genius) والمكتوبة في مقاطع سبينسيريان، حيث ظهر الجزء الأول من المنشد بشكل مجهول في عام 1771 (وهو العام الذي شهد أيضًا طبع نسختين من المقال)، أما الجزء الثاني الذي وضع المؤلف اسمه تبعه في عام 1774، وكان مليئًا بتأملات الطبيعة وشخصية العبقرية الشعرية ويتوقع المنشد بعض الانشغالات المركزية للحركة الرومانسية.
على الرغم من تحوله الجمالي الواضح في فترة ما بعد المقال ظل بيتي مهتمًا بالمسائل الفلسفية والأخلاقية والدينية الأوسع، والتي دفعته في الأصل إلى تأليف مقال عن الحقيقة في ستينيات القرن الثامن عشر، كما شهد في عام 1786 نشر أدلة الدين المسيحي بإيجاز وبصورة واضحة وهو عمل مكون من مجلدين من الدفاعات الشعبية.
تبع ذلك كتابه الأخير عناصر علم الأخلاق (Elements of Moral Science) للأعوام ما بين عام 1790 وعام 1793، وهو عبارة عن مجموعة طويلة من المحاضرات التي ألقيت في كلية ماريشال (Marischal College)، ويتناول كتاب عناصر علم الأخلاق مجموعة واسعة من الموضوعات في فلسفة العقل ونظرية المعرفة والميتافيزيقا والمنطق والأخلاق والفلسفة السياسية والاقتصاد واللاهوت الطبيعي.
كانت سنوات بيتي اللاحقة مليئة بالبلاء حيث أصيبت زوجته ماري بيتي ني دن (née Dunn) بالجنون وتم في النهاية منحها حق اللجوء، وكان قد توفي كل من ولديه الابن الأكبر في عام 1790 والأصغر في عام 1796 وضاعف ذلك من الحزن وسوء الصحة لديه ورافق ذلك سلسلة من الجلطات، وقد مات بيتي في أبردين في 18 آب 1803.