كان روجر بيكون الحاصل على ماجستير في الآداب والذي عاصر رئيس أساقفة كانتربري في إنجلترا روبرت كيلواردبي وبيتر من إسبانيا وألبرت الأكبر في جامعة باريس في أربعينيات القرن الرابع عشر.
حياة بيكون المبكرة:
ولد الفيلسوف والعالم الإنجليزي بيكون في عائلة ثرية، وكان ضليعًا في الكلاسيكيات وتمتع بمزايا التدريب المبكر في الهندسة والحساب والموسيقى وعلم الفلك، وبقدر ما حاضر في وقت لاحق في باريس فمن المحتمل أنّ درجة الماجستير في الآداب الخاصة به قد مُنحت هناك، وعلى الأرجح قبل عام 1241 وهو تاريخ يتوافق مع ادعائه بأنّه رأى الأستاذ الفرنسيسكاني ألكسندر هالس المتوفى عام 1245، وأنّه سمع الأستاذ ويليام أوف أوفيرني المتوفى عام 1249 يتنازع مرتين في حضور الجامعة كلها.
فترات بيكون الفكرية:
يجب أن تعتمد أي محاولة لإعادة بناء حياة بيكون على مصادر قليلة جدًا ومن بينها أهم أعمال بيكون العمل الثالث (Opus Tertium) تقريبًا حوالي عام 1267، ونظرًا لأنّ تقرير بيكون الشخصي غامض فإنّ بيانات سيرته الذاتية بالإضافة إلى التسلسل الزمني لتعليمه ومسيرته المهنية لا تزال محل خلاف بين العلماء، ويجادل العلماء حول ما إذا كان قد ولد عام 1210 أو 1214 أو 1215 أو حتى وقت متأخر من عام 1220.
على الرغم من هذه الخلافات فمن المتفق عليه على الأقل في ضوء هذه المدخرات من المعلومات المتاحة له لمتابعة أبحاثه الخاصة أنّه من المحتمل أن يكون قد ولد في عائلة ميسورة الحال.
وصف بيكون سيرته الفكرية بأنّها مقسمة إلى فترتين منفصلتين:
- فترة علمانية أولى استمرت حتى حوالي عام 1257، والتي عمل خلالها كأكاديمي.
- الفترة الثانية قضاها راهبًا فرنسيسكانيًا في السعي وراء الحكمة.
كعالم علماني تابع بيكون مسيرته الأكاديمية في اثنتين من أقدم الجامعات الأوروبية، وفي البداية التحق بجامعة أكسفورد ثم جامعة باريس، وربما حصل على درجة الماجستير في الآداب حوالي عام 1240، واستمر في مسيرته المهنية كمحاضر في كلية الآداب بجامعة باريس طوال أربعينيات القرن الرابع عشر.
من المحتمل أنّه استقال من منصبه كرئيس ريجنت للفنون في باريس في عام 1247 وعاد إلى أكسفورد، وبعد هذا الوقت لا يبدو أنّ بيكون قد شغل منصبًا أكاديميًا مرة أخرى، وأثبتت السنوات العشر التالية من حياة بيكون أنّه من الصعب على العلماء إعادة بنائها، ومن المعروف أنّه خلال هذا الوقت استمر بيكون في متابعة دراساته العلمية واللغوية، وخلال هذا الوقت ربما تلقى أيضًا بعض التدريب في علم اللاهوت من قبل آدم مارش المتوفي في عام 1258، وهو أول حاكم حاكم للفرنسيسكان في أكسفورد، ومع ذلك لم يتوج هذا التدريب أبدًا بدرجة في اللاهوت.
في عام 1257 أو حوالي عام انضم إلى الرهبنة الفرنسيسكانية ربما في أكسفورد، والأسباب الدقيقة لاختياره هذا الترتيب غير معروفة، ولكن هناك أسباب للاعتقاد بأنّه كان يأمل أن يدعم الفرنسيسكان اهتماماته العلمية، وبعد كل شيء كان فرنسيسكان أكسفورد قد اجتذب علماء بارزين مثل الفيلسوف روبرت جروسيتيست في عام 1253 وعالم لاهوت الإنجليزي آدم مارش.
في بداية الستينيات من القرن التاسع عشر وجد بيكون مرة أخرى في باريس، وهناك تكهنات بأنّه تم نقله إلى هناك من قبل رؤسائه بسبب الشكوك المتزايدة حول دراساته العلمية، وأثناء وجوده في باريس أنهى العديد من أعماله الرئيسية بما في ذلك العمل العظيم (Opus Maius) والعمل الأصغر (Opus Minus) والعمل الثالث (Opus Tertium).
لا تزال التفاصيل الدقيقة لمكان وجود بيكون وأفعاله في العقود التي سبقت وفاته غير مؤكدة، ويبدو من الواضح مع ذلك أنّه عاد إلى أكسفورد في وقت ما بعد عام 1278، وبين عامي 1277 و 1279 من المفترض أنّه حُكم عليه بالاقامة الجبرية من قبل سيد الفرنسيسكان الجنرال جيروم الأسكولي، حيث كانت التهمة الموجهة إليه أنّ بعض مذاهبه تحتوي على بعض المستجدات المشبوهة، وماهية هذه المستجدات سواء كانت تتعلق بتعاليمه حول الكيمياء أو علم الفلك أو العلوم التجريبية أو ميوله الروحية الراديكالية، فلا يمكن تحديدها بدقة.
يمكن تفسير عقوبة بيكون على الأرجح في سياق الإدانات الباريسية لعامي 1270 و 1277، وفي السنوات الأخيرة من حياته، واصل بيكون العمل على ما كان على الأرجح أطروحته الأخيرة خلاصة الدراسات اللاهوتية، وتوفي في عام 1292 أو بعد ذلك بوقت قصير في أكسفورد.
فلسفة بيكون وعلم اللاهوت لديه:
كان روجر بيكون من أوائل الأساتذة الذين درسوا أعمال أرسطو في الفلسفة الطبيعية و الميتافيزيقيا، وفي وقت ما بعد 1248-1249 أصبح باحثًا مستقلاً مهتمًا باللغات وأتقن النصوص اليونانية والعربية المعروفة في علم البصريات.
في عام 1256 هـ / 1257 م والذي انضم إلى الرهبانية الفرنسيسكانية إما في باريس أو أكسفورد، وبحلول عام 1262 كان يُعتقد أنّ سمعته الجامعية للتعلم المتقدم قد تضررت، وهكذا سعى للحصول على رعاية الكاردينال جاي لو جروس دي فولكي (Guy le Gros de Foulque)، السفير البابوي في إنجلترا الذي شغل لاحقًا منصب البابا كليمنت الرابع للأعوام 1265-1268.
وبناءً على تعليمات من البابا في 22 يونيو 1266 كتب بيكون بسرعة عمل تمهيدي بعنوان العمل العظيم (Opus maius) والأعمال ذات الصلة العمل الأصغر (Opus minus) والعمل الثالث (Opus tertium)، ووضع نموذجًا جديدًا خاصًا به لإصلاح نظام الدراسات الفلسفية والعلمية واللاهوتية ساعيًا إلى دمج الدراسات اللغوية ودراسات العلوم، التي كانت غير متوفرة آنذاك في جامعة باريس.
في هذا المشروع كان ناجحًا جزئيًا، حيث كتب نصًا جديدًا واستفزازيًا عن السيميائية (وهي دراسة العلامات والرموز واستخدامها أو تفسيرها)، وأثّر على إضافة المنظور إلى الدراسات الرياضية الرباعية (Quadrivium) كموضوع جامعي مطلوب، ونجح في وضع نموذج لعلم تجريبي على أساس دراسته للبصريات، وقد استخدم هذا الأخير في توسعه للعلوم التجريبية لتشمل الأدوية الجديدة والرعاية الصحية العامة للجسم، ولقد فعل ذلك في سياق جديد: تطبيق المعرفة اللغوية والعلمية لفهم اللاهوت بشكل أفضل وخدمة العالم المسيحي.
كان بونافنتورا وجون بيتشام من بين أول قرائه، ومن الواضح أنّه باستثناء الاستخدامات أو علم التنجيم والكيمياء شارك بيكون في مشروع بونافنتورا الذي يسعى إلى اختزال العلوم في علم اللاهوت، ووجد بيكون أيضًا قارئًا ومترجمًا متعاطفًا في العالم العلماني العظيم في جامعة السوربون بيتر ليموج، ويستخدم بصريات بيكون للبحث العلمي والأخلاقي، قد يكون بيكون من خلال عمل بيتر ليموج قد أثّر على ريموند لول.
في وقت ما في أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عاد بيكون إلى أكسفورد، حيث أكمل نسخته بمقدمة وملاحظات عن سر الأسرار (Secretum secretorum)، وهي ترجمة لاتينية لنص عربي عن تعليم الأمير سر الأسرار، وكان يُعتقد أنّه عمل لأرسطو كتبه للإسكندر الأكبر، ويشير عمل المشورة للأمير هذا إلى صلات بيكون الوثيقة بالمحكمة البابوية من خلال البابا كليمنت الرابع والمحكمة الفرنسية من خلال ألفونس أوف بواتييه والمحكمة الإنجليزية، وتوسط ويليام بونكور سفير الملك هنري الثالث في اتصالاته مع الكوريا البابوية.