كان فرانسيس بيكون (Francis Bacon) أحد الشخصيات البارزة في الفلسفة الطبيعية وفي مجال المنهجية العلمية في فترة الانتقال من عصر النهضة إلى أوائل العصر الحديث، وبصفته محامياً وعضوًا في البرلمان ومستشارًا للملكة.
المنظور العام لفلسفة وفكر فرانسيس بيكون:
كتب بيكون عن مسائل القانون والدولة والدين فضلاً عن السياسة المعاصرة، ولكنه نشر أيضًا نصوصًا تكهن فيها بالمفاهيم المحتملة للمجتمع، وفكر في أسئلة الأخلاق (مقالات) حتى في أعماله عن الفلسفة الطبيعية (تقدم التعلم).
بعد دراسته في كلية ترينيتي وكامبريدج وجريز إن بلندن، لم يتولى بيكون منصبًا في إحدى الجامعات بل حاول بدلاً من ذلك بدء حياة سياسية، وعلى الرغم من أنّ جهوده لم تتوج بالنجاح في عهد الملكة إليزابيث، فقد ارتقى في عهد جيمس الأول إلى أعلى منصب سياسي وهو اللورد تشانسلور.
انتشرت شهرة بيكون العالمية وتأثيرها خلال سنواته الأخيرة عندما كان قادرًا على تركيز طاقاته حصريًا على عمله الفلسفي وحتى أكثر من ذلك بعد وفاته، وعندما تبنى علماء إنجليز من دائرة بويل (كلية إنفيزيبل) فكرته عن مؤسسة البحوث التعاونية في خططها واستعداداتها لإنشاء الجمعية الملكية.
حتى يومنا هذا اشتهر بيكون بأطروحاته حول الفلسفة الطبيعية التجريبية تقدم التعلم (Novum Organum Scientiarum)، ولعقيدة الأصنام التي طرحها في كتاباته المبكرة، وكذلك لفكرة معهد أبحاث حديث والتي وصفها في روايته الغير مكتملة (Nova Atlantis).
حياة بيكون والوظيفة السياسية:
1- في عام 1561: ولد السير فرانسيس بيكون والذي أصبح لاحقًا اللورد فيرولام فيسكونت القديس ألبانز (Lord Verulam, the Viscount St. Albans)، ولورد مستشار إنجلترا في لندن لعائلة بارزة وذات علاقات جيدة.
كان والديه السير نيكولاس بيكون ولورد حارس الختم، والليدي آن كوك ابنة السير أنتوني كوك الفارس والمدرس للعائلة المالكة، حيث كانت الليدي آن امرأة متعلمة في حد ذاتها، بعد أن اكتسبت اليونانية واللاتينية بالإضافة إلى الإيطالية والفرنسية، كما كانت شقيقة زوجها لكل من السير توماس هوبي المترجم الإنجليزي المحترم لكاستيجليون، والسير ويليام سيسيل (اللورد بورغلي لاحقًا)، وأمين صندوق اللورد كبير مستشاري إليزابيث الأولى، ومن عام 1572 إلى عام 1598 كان أقوى رجل في إنجلترا.
تلقى بيكون تعليمه في المنزل في منزل العائلة في جورهامبري في هيرفوردشاير، وفي عام 1573 في سن الثانية عشرة فقط التحق بكلية ترينيتي كامبريدج، حيث أثار المنهج الدراسي الشاق معارضته المستمرة لأرسطو (وإن لم يكن لأعمال أرسطو نفسه).
2- في عام 1576: بدأ بيكون قراءة القانون في جمعية الشرف (Gray’s Inn)، ومع ذلك بعد عام واحد فقط توقف عن دراسته من أجل شغل منصب في السلك الدبلوماسي في فرنسا كمساعد للسفير.
3- في عام 1579: بينما كان لا يزال في فرنسا توفي والده وتركه دون دعم تقريبًا، وذلك باعتباره الابن الثاني للزواج الثاني والأصغر من بين ستة ورثة.
3- في عام 1582: بدون منصب ولا أرض ولا دخل ولا آفاق فورية عاد إلى إنجلترا واستأنف دراسة القانون، وأكمل بيكون درجته الجامعية في القانون.
4- في عام 1588: تم تعيينه محاضرًا في الدراسات القانونية في (Gray’s Inn)، وفي غضون ذلك انتخب عضوا في البرلمان عام 1584 كعضو عن ميلكومب في دورسيتشاير، وسيبقى في البرلمان كممثل لمختلف الدوائر الانتخابية لمدة 36 سنة قادمة.
5- في عام 1593: أدى انتقاده الصريح لضريبة ضريبية جديدة إلى انتكاسة مؤسفة لتوقعاته المهنية، حيث اتهمت الملكة بمعارضته الشخصية، وتحطمت أي آمال كانت لديه في أن يصبح المدعي العام أو المحامي العام خلال فترة حكمها.
6- في عام 1596: تراجعت الملكة إليزابيث في النهاية إلى حد تعيين بيكون مستشارها الاستثنائي، وفي هذا الوقت تقريبًا دخل بيكون في خدمة روبرت ديفيروكس الإيرل لمدينة إسكس (والإيرل هو لقب إنجليزي لنبلاء برطانيا)، وهو أحد رجال البلاط الملكي والجندي ومخطط المؤامرات وفي وقت ما مفضل للملكة، ولا شك أنّ بيكون رأى ديفيروكس كنجم صاعد وشخصية يمكن أن توفر دفعة هو في أمس الحاجة إليها لمسيرته المتدنية.
لكن لسوء الحظ لم يمض وقت طويل قبل أن تتدهور حظوظ ديفيروكس بعد سلسلة من الأخطاء العسكرية والسياسية التي بلغت ذروتها في محاولة انقلاب كارثية، وعندما فشلت مؤامرة الانقلاب تم القبض على ديفيروكس ومحاكمته وإعدامه في النهاية، حيث لعب بيكون بصفته مستشارًا للملكة دورًا حيويًا في محاكمة القضية.
7- في عام 1603: خلف جيمس الأول إليزابيث وتحسنت آفاق بيكون للتقدم بشكل كبير، وبعد أن حصل على لقب فارس من قبل الملك، صعد بسرعة سلم الدولة وشغل من عام 1604 إلى عام 1618 سلسلة من المناصب الاستشارية رفيعة المستوى ومنها:
8- في عام 1604: عين مستشار الملك.
9- في عام 1607: عين المحامي العام.
10- في عام 1608: عين كاتب غرفة ستار (Star Chamber)، وهي محكمة إنجليزية كانت موجودة في القصر الملكي في وستمنستر.
11- في عام 1613: عين النائب العام.
12- في عام 1616: أصبح عضوا في مجلس الملكة الخاص.
13- في عام 1617: عين اللورد حارس الختم الملكي (مكتب والده السابق).
14- في عام 1618: أصبح اللورد المستشار.
بصفته اللورد المستشار كان بيكون يتمتع بدرجة من القوة والتأثير لم يكن ليتخيلها إلّا كمحام شاب يبحث عن الأفضلية، ومع ذلك كان في هذه المرحلة ،ينما كان يقف على قمة النجاح عانى من سقوطه العظيم.
15- في عام 1621: ألقي القبض عليه ووجهت إليه تهمة الرشوة، وذلك بعد الاعتراف بالذنب تم تغريمه بشدة وحكم عليه بالسجن في برج لندن، وعلى الرغم من التنازل عن الغرامة في وقت لاحق وقضى بيكون أربعة أيام فقط في البرج، لم يُسمح له مطلقًا بالجلوس في البرلمان أو تولي منصب سياسي مرة أخرى.
كانت الحلقة بأكملها وصمة عار مروعة لبيكون شخصيًا ووصمة عار من شأنها أن تتشبث بسمعته وتضر بسمعته لسنوات قادمة، وكما أشار مؤرخون مختلفون للقضية كان قبول الهدايا من المتوسلين في دعوى قضائية ممارسة شائعة في أيام بيكون، ومن الصحيح أيضًا أنّ بيكون انتهى به الأمر إلى الحكم ضد مقدمتي الالتماس اللذين قدما الرشاوى المصيرية.
ومع ذلك وقع الضرر وقبل بيكون حسب تقديره الحكم ضده دون عذر، ووفقًا لمقالاته أو نصائحه كان يجب أن يعرف ويفعل بشكل أفضل، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنّه خلال تقاعده القسري، قام بيكون بمراجعة وإعادة نشر المقالات مما أدى إلى ضخ درجة أكبر من الفطنة في مجموعة معروفة بالفعل بدنيتها وحسها السياسي القوي.
أعلن ماكولاي في مقال مطول أنّ بيكون كان عقلًا عظيمًا ولكنه (استعارة عبارة من رسائل بيكون الخاصة) رجل غير أمين، وقد وصفه أكثر من كاتب بأنّه بارد وحكيم ومتعجرف، ومع ذلك مهما كانت عيوبه حتى أعداءه أقروا أنّه خلال محاكمته قبل عقوبته بنبل ومضى.
أمضى بيكون سنواته المتبقية في العمل بتصميم متجدد على مشروعه مدى الحياة، وهو إصلاح التعلم وإنشاء مجتمع فكري مكرس لاكتشاف المعرفة العلمية من أجل استخدام وفائدة الرجال.
16- في 9 أبريل 1626: توفي المستشار اللورد السابق ومن المفترض أنّه أصيب بنزلة برد أو التهاب رئوي أثناء اختبار نظريته حول خصائص المواد الحافظة والعازلة للثلج.