القصة فيها إن

اقرأ في هذا المقال


رغم أن كل شعب له موروثه الثقافيّ الذي يخصّه، والذي يرتبط بمخزونه اللغوي الذي يعبر عن المواقف التي تمر عبر العصور والأزمنة، وقد تطورت لغة وآداب الإنسان من عصر إلى عصر، ومن حديث إلى أحدث، غير أن الأمثال الشعبية والفصيحة بقيت مرتبطة بالإنسان ومستمرة، فنجد الأمثال على إيجازها وخفتها رفيقة الإنسان في المواقف والأحداث المختلفة، تصوّرها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي الأمثال ذاتها التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجيه النصح للآخرين.

أصل مثل: “القصة فيها إنّ”:

في الكثير من الأحيان نسمع أو نقول مقولة: “الموضوع فيه إنّ، أو القصة فيها إنّ، أو الحكاية فيها إنّ” فما أصل هذه المقولة التي راحت مثلًا؟ ومن أين جاءت؟ يُحكى أن المقولة تعود إلى رواية مصدرها مدينة حلب، حيث عاش هناك أمير فطن وشجاع، يُدعى عليّ بن منقذ، والذي اختلف مع حاكمها “محمود بن مرداس”.

قصة مثل: “القصّة فيها إنّ”:

لقد حدث خلاف بين عليّ بن منقذ وحاكم حلب وكان المدعوّ محمود بن مرداس، ففطن الأمير علي بن منقذ أن الحاكم لابدّ قاتله، فما كان منه إلا أن هرب، وذهب إلى بلده دمشق، فطلب الحاكم محمود إلى كاتبه أن يكتب رسالة إلى الأمير علي بن منقذ يطمئنه فيها ويستدعيه للرجوع إلى حلب، وقد كان الملوك يجعلون وظيفة الكاتب لرجل ذكيّ، حتى يحسن صياغة الرسائل التي ترسل للملوك.

أحس الكاتب أن حاكم حلب ينوي الشر لعلي بن منقذ، فما كان منه إلا أن أرسل لابن المنقذ كتابًا عاديًّا يطمئنه ويدعوه للرجوع إلى حلب، ولكنه كتب في نهاية الرسالة “إنّ شاء الله تعالى” بالنّون المشدّدة، حينها أدرك عليّ بن منقذ أن الكاتب يحذره حينما شدد حرف النون، ويذكره بقول الله تعالى: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ”، فرد علي بن منقذ على رسالة الحاكم برسالة يشكر أفضاله ويطمئنه فيها على ثقته الشديدة به، ولكنه ختم الرسالة بعبارة يفهمها كاتب الحاكم: “إنّا الخادم المقر بالأنعام”، كسر الهمزة من “أنا” وشدد النون، وعندما جاء الجواب إلى كاتب الحاكم فطن الكاتب أن علي بن منقذ يطلب منه التنبه إلى قول الله تعالى: “إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا”، وعلم أن علي بن منقذ لن يعود إلى حلب مادام حاكمها محمود بن مرداس، ومن هنا اصبح استعمال “إنَّ” دلالة على سوء النية والشك.


شارك المقالة: