اقرأ في هذا المقال
الأمثال هي جمل ذات مغزى وبها العظة والفائدة، ومن أهم مميزات الأمثال أنها موجزة من غير حشو أو إطالة، مع عمق في المعنى وكثافة في الفكرة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف طبقات المجتمع، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامة، فصدّقوه لأنه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من مشكلة قديمة، وتلك المشكلة القديمة انتهت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو “القول ما قالت حذام”.
فيم يضرب مثل “القول ما قالت حذام”؟
اشُتهر العرب بوجود العديد من الأمثال الشعبية، والتي تُضرب في الحكمة والقول السديد، وتعبر عن بعد نظر الأشخاص والبصيرة بخفي الأمور، وهذا المثل واحد من الأمثال التي تُضرب في مثل هذه المواقف، ومثلنا: “إذا قالت حذام فصدقوها، فإن القول ما قالت حذام”.
قصة مثل “القول ما قالت حذام”:
أما حذام فقد كانت زوجة لرجل يُدعى “لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل”،أما هي فكانت “حذام بنت الريان بن خسر بن تميم”، وقد كانت حذام امرأة شديدة الفطنة والذكاء، واسعة الحيلة، تصيب الرأي إن قالت، وتظن الأمر فيأتي كما توقعت، فكان زوجها لجيم يثق في حدسها وقوة إدراكها، ويحكى أن عاطس بن الحلاج بن الحميري وقعت بينه وبين قومها فتنة ، فصار إليهم في جموع كثيرة العدد، واقتتلو، ففر قومها هاربين ورجع الحميري إلى معسكره، فسار قوم حذام ليلتهم ويومهم إلى اليوم التالي، واستقروا في الليلة الثانية.
لما جاء صباح اليوم التالي رأى الحميري آثارهم، فتبعهم، فانتبه القطا من وقع دوابهم، والقطا هو نوع من الطيور مرت على قوم حذامِ قطعًا قطعًا، والعرب عُرف عنهم الفطنة والذكاء، واستنباط الأخبار من تصرفات الحيوان، فخرجت حذام إلى قومها فقالت: “ألا يا قَومنا ارتحلوا وسيروا فَلو تُرِك القَطا ليلاً لناما”، فقال زوجها الشاعر لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل: “إِذا قَالت حذَام فَصدقوها فإِن القَول ما قَالت حذَام”، وبالفعل ارتحل قوم حذام حتى وصلوا إلى جبل فلجؤوا إليه واعتصموا به، وقد يئس منهم رفاق عاطس فعادوا من حيث جاؤوا، وبهذا نجا قومها من شرور الحميري وجماعته، والسبب يعود إلى ذكائها، وفطنتها.
العبرة من مثل ” القول ما قالت حذام”:
يُقال ويُضرب مثل “القول ما قالت حذام” فيمن يوثق في صحة آرائهم، ويُرى أن قولهم هو القول الفصل؛ لما لهم من رجاحة في العقل والفطنة، فكل مبصر للأمور، هو حذام، وكل صادق في الحدس هو حذام، وكل سديد في القول حذام، فهذا الاسم ارتبط لدى الناس بالصدق في القول، ومعنى كلمة حذام من حذم الشيء أى قطعه، والشخص الحازم هو الصارم ذو الرأي القاطع.