القيم الخلقية في شعر الزهد في الأندلس

اقرأ في هذا المقال


تميز شعراء العصر الأندلسي وبرزوا في جميع أغراض الشعر سواء أكانت الأغراض التقليدية المعروفة، أو الأغراض المستحدثة، ومن الأغراض التي برزوا فيها شعر الزهد هذا الفن الذي ظهر نتيجة عوامل سياسية واجتماعية ظهرت في البلاد وخصوصًا عند تدهور الأوضاع السياسية وانتشار الظلم والاضطهاد، وكذلك كان للحياة اللاهية ومجالس اللهو والمجون دور في بروز هذا الشعر وما يحمله من أخلاق وقيم إسلامية.

القيم الخلقية في شعر الزهد

الزهد هو عبارة عن ظاهرة نفسية لها أثر كبير وواضح في الشعر الأندلسي وانتشرت أفكار الزهد وشاعت على ألسنة شعراء الأندلس نتيجة للأحداث والتطورات التي جرت آنذاك، وكان في بداية أمره عبارة عن أبيات أو مقطوعات شعرية في قصائد تظم العديد من الأغراض، ولكن مع تطور وازدهار الأدب تفرد شعر الزهد بقصائد شعرية مستقلة.

ويعرف عن الزهد أنه قيمة إسلامية يستمد مفاهيمه ومبادئه من الإسلام، ويتمركز معناه حول عدة مبادئ منها: أنه ضد الرغبة، ويتوجه إلى الله ولا ينغمس بملذات الحياة، وهو الانقطاع عن الشهوات، وردع النفس عن الهوى، وتعويدها على القناعة وغنى النفس، والعودة إلى مبادئ الدين الحنيف والتحلي بأخلاقه الإسلامية.

كان الزهد من الأغراض الشعرية التي انتشرت في الشعر الأندلسية، وازدهر بشكل ملحوظ، حتى تحول إلى تيار واسع وعميق، وقد لجأ إليه الكثير من شعراء العصر الأندلسي وتميزوا في نظمه حتى أنهم تفوقوا على شعراء المشرق العربي، من شعراء الأندلس من تفردوا في نظم شعر الزهد وقصر شعرهم على مذهب الزهد فقط ولم يتوجهوا إلى أغراض الشعر الأخرى، ومنهم من تناوله ضمن أغراض شعرية أخرى.

نما شعر الزهد في العصر الأندلسي بشكل كبير ويعود ذلك إلى أسباب عديدة عملت على تقوية هذا النوع من الشعر، وعملت على إرساء قواعده في نفوس أهل الأندلس، ومن هذه الأسباب هو الوازع الديني والتقوى والورع الذي كان عاملًا أساسيًا في تقوية ظاهرة الزهد في نفوس الأندلسيين، وأسباب اجتماعية وسياسية وثقافية.

توجّه شعر الزهد في الأندلس إلى التمسك بالأخلاق والتمسك بالآداب الفضيلة، وقد نشر شعراء الزهد الدعوات الكبيرة إلى القيم والأخلاق، وتشددوا لها وفاضت قرائحهم بقصائد شعرية عديدة، وشكلت تلك الدعوة منطقًا أخلاقيًا بارزًا في أشعار كثير من زهاد الأندلس.

قد وجد الزُّهاد في الأخلاق العزاء لما فقدوه من قيم ومُثل في مجتمعهم الأندلسي، وما دامت الحياة فانية زائلة، يجب التمسك والتحلي بالأخلاق فهي الزاد الذي يتزود به الزاهد في رحلته في هذه الحياة، وهي الجسر التي يعبر من خلالها إلى الأخرة

وكانت الدعوة إلى الأخلاق والقيم والمُثل هي جوهر رسالة الشاعر الزاهد التي تنبع من حرصه الشديد على الاقتداء بالأخلاق التي دعت إليها التعاليم في الإسلام، وإلى جانب هذه الرسالة السامية توجه شعر الزهد إلى الحديث عن النقائض الخُلقية والآفات الاجتماعية السيئة التي أفضت إلى اضطراب وفساد المجتمع الأندلسي.

والزهد في نظر أبو عمران المارتلي لا يتجسد بالمظهر الخارجي للإنسان في ارتداء الملابس البالية، إنما هو التقوى والورع وحسن الخلق، وفي ذلك يقول الشاعر:

ما الزهد يا قوم فلا تجهلوا

بلبس أسمالٍ وأخلاق

لكنه لبس ثياب التقى

في حسن آدابٍ وأخلاق

ويتجلى هذا واضحًا في شعر الزهد سالم بن صالح الذي تناول القيم الخلقية الإسلامية في شعره من تقوى وطهارة قلب، ويقول:

حسن فعالك واجنح للتقى أبدًا

وسل من الله حسن الخلق والخُلق

وطهر القلب من شك ومن دنس

فآفة الثوب أن يطوى على خلقٍ

ومن أهم المثل والأخلاق التي تناولها شعر الزهد في قصائده هي القناعة بما يملك المرء والتعفف عن الملذات، وهي متصلة اتصال وثيق بالزهد من حيث ترك الدنيا وملذاتها والتوجه إلى العفاف، والقبول بما قسم الله سبحانه وتعالى.

القناعة عند الزاهد المارتلي تتجسد في بساطة العيش، والرضا بالقليل من العيش طوعًا غير مجبر، وفي نظر الشاعر الزاهد أن قليل المال في الدنيا هو كثير الأجر في الأخرة، ويتحدث عن نفسه وأنه يكفيه بيت بسيط يلجأ إليه، وقطعة من الخبز مع شربة ماء، وثوب يلبسه، ويقول الشاعر في ذلك:

سليخة وحصير

لبيت مثلي كثير

وفيه شكر لربي

خبز وماء نمير

وفوق جسمي ثوب

من الهواء ستير

إن قلت: إني مقل 

إني إذًا كفور

فدون حالي الأمير

ونرى الزاهد الشاعر محمد بن مفضل يتناول في شعره نفس فكرة المارتلي في زهده، ويقول في ذلك:

أملي في الدنيا المباحة كسرة

أبقي بها على رمقي ودار نابية

قد أضرب الزمان عن سكانها

فكأنها في القفر دار خاليه

وفي النهاية نستنتج أن شعراء الأندلس تميزوا وبرزوا في جميع الأغراض الشعرية التقليدية والمستحدثة، ومنها شعر الزهد الذي ظهر نتيجة عوامل سياسية واجتماعية ظهرت في البلاد، وبرز فيه نخبه من الشعراء الأندلسيين.


شارك المقالة: