الكمالية والتوفيق بين العناصر في فلسفة كمال السعادة

اقرأ في هذا المقال


يمكننا أن نبدأ في رؤية إمكانية وجاذبية قراءة ميل كنوع من الكمال في السعادة، الذي يدّعي أنّ السعادة البشرية تكمن في الممارسة الصحيحة لتلك القدرات الأساسية لطبيعتنا، فعلى سبيل المثال يقترح ميل هذا النوع من منظور الكمال عن السعادة عندما وصف في وقت مبكر من كتابه حول الحرية الأساس النفعي لدفاعه عن الحريات الفردية.

القدرات العليا في فلسفة ميل:

“من المناسب أن أذكر أنني أتخلى عن أي ميزة يمكن أن تنبثق عن حجتي من فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة، أنا أعتبر المنفعة بمثابة الاستئناف النهائي في جميع المسائل الأخلاقية، ولكن يجب أن تكون منفعة بالمعنى الأكبر، وقائمة على المصالح الدائمة للإنسان ككائن تقدمي”.

من الواضح أنّ ميل يعتقد أنّ الإحساس بالكرامة لكائن تقدمي (واعٍ بذاته بشكل صحيح) من شأنه أن يؤدي إلى تفضيل قاطع للأنشطة التي تمارس قدراته العليا، وفي الادعاء بأنّه: “من الأفضل أن تكون إنسانًا غير راضٍ عن خنزير راضي، حيث من الأفضل أن يكون سقراط غير راضٍ بدلاً من أن يكون أحمقًا”، ويدرك ميل قدرات الفحص الذاتي والتداول العملي من بين قدراتنا الأعلى.

هذا الاهتمام بالفحص الذاتي والتداول العملي هو بالطبع موضوع مركزي في حول الحرية (On Liberty) وهناك يوضح الاهتمام الذي لدى الكائنات التقدمية في اتخاذ القرارات العاكسة.

من يترك العالم أو جزء منه يختار خطة حياته من أجله، ولا يحتاج إلى أي هيئة تدريس أخرى غير تلك التي تشبه القرد، ومن يختار خطته لنفسه يستخدم كل ملكاته، ويجب عليه استخدام الملاحظة لرؤية التفكير والحكم للتنبؤ والنشاط لجمع المواد لاتخاذ القرار والتمييز ليقرر وعندما يقرر والحزم وضبط النفس لاتخاذ قراره المتعمد، وهذه الصفات التي يتطلبها ويمارسها تتناسب تمامًا مع جزء من سلوكه الذي يحدده وفقًا لتقديره ومشاعره هو جزء كبير، ومن الممكن أن يتم توجيهه في طريق جيد، وإبعاده عن طريق الأذى بدون أي من هذه الأشياء، ولكن ما هي قيمته النسبية كإنسان؟

حتى لو اتفقنا على أنّ هذه القدرات التداولية فريدة من نوعها للبشر أو أنّ البشر يمتلكونها بدرجة أعلى من الكائنات الأخرى، فقد نتساءل عن الطريقة التي يميزنا بها امتلاكهم ككائنات تقدمية أو أنّ تمرينهم مهم لسعادة الإنسان.

مفهوم المسؤولية في فلسفة ميل:

في مناقشته للمسؤولية في نظام المنطق (A System of Logic)  يشير ميل إلى أنّه يعتقد أنّ البشر هم وكلاء مسؤولون، وأنّ هذا ما يميزنا ككائنات تقدمية، وهناك يدّعي أنّ القدرات للتداول العملي ضرورية لتحمل المسؤولية، وعلى وجه الخصوص يدّعي أنّ المسؤولية الأخلاقية تنطوي على نوع من السيادة الذاتية أو الحكم الذاتي حيث يمكن للمرء أن يتداول بشأن مدى ملاءمة رغباته وينظم أفعاله وفقًا لهذه المداولات.

وإذا كان هذا صحيحًا فإنّه يمكن لميل أن يدّعي أنّ امتلاك واستخدام قدراتنا التداولية يميزنا ككائنات تقدمية، ولأنّهم ما يميزون أنّهم مسؤولون أخلاقيون، وإذا كان يجب أن تعكس سعادتنا نوع الكائنات التي نحن عليها، ويمكن أن يجادل ميل في أنّ الأنشطة الأعلى التي تمارس هذه القدرات التداولية تشكل العنصر الرئيسي أو الأكثر أهمية في السعادة البشرية.

التوفيق بين عناصر الكمال في مفهوم السعادة:

أين بالضبط يتركنا هذا الاعتراف بعناصر الكمال في مفهوم ميل للسعادة؟ يواجه أي تفسير مخاوف كبيرة بشأن ثباته، وجزء من المشكلة هو أنّ ميل يبدو أنّه يؤيد ثلاثة مفاهيم متميزة عن الخير والسعادة.

  1. مذهب المتعة: المتعة هي الخير الجوهري الوحيد والأشياء جيدة بقدر ما هي ممتعة، والسعادة تتكون من المتعة.
  2. إشباع الرغبة: الخير الجوهري الوحيد هو إرضاء الرغبة (الفعلية أو المثالية)، والأشياء جيدة بقدر ما تشبع الرغبة والسعادة تكمن في إشباع الرغبة.
  3. الكمالية: إنّ ممارسة القدرات الأعلى للفرد هو الصالح الجوهري الوحيد، والأشياء جيدة بقدر ما تمارس قدرات أعلى والسعادة تكمن في ممارسة قدرات أعلى.

تم إدخال مذهب المتعة على ما يبدو في عقيدة التناسب عندما حدد ميل السعادة والمتعة وعند تقديم عقيدة الملذات العليا، ويبدو أنّ ميل يريد إجراء بعض التنقية في مذهب المتعة، ولكن عقيدة الملذات العليا تلجأ إلى التفضيلات الواعية أو المثالية للقاضي المختص وتحدد الملذات العليا مع موضوع تفضيلاتهم.

وعلاوة على ذلك فهو يتعامل مع هذا الاستئناف مع تفضيلات القضاة المختصين باعتباره نهائيًا، ولكن القضاة الأكفاء يفضلون الأنشطة الأعلى وليس فقط الملذات الذاتية التي تسببها تلك الأنشطة، ويفضلونهم للمهام الأعلى على أساس إحساسهم بالكرامة المتأصلة في الحياة التي نعيشها بهذه الطريقة.

وكذلك في عمل ميل الفلسفي حول الحرية (On Liberty) وفي أماكن أخرى يتبنى مفهومًا تقدميًا للسعادة من حيث الفحص الذاتي التأملي وضبط النفس التوجيهي، ونظرًا لأنّ هذه ثلاث ادعاءات متميزة ومتنافسة حول مفهوم ميل عن السلعة النهائية، ويجب أن تشرح أي قراءة التناقض قدر الإمكان وأن تقول شيئًا عن كيفية التوفيق بين هذه العناصر الثلاثة مع بعضها البعض.

ويمكننا التوفيق بين مذهب المتعة أو الكمال مع ادعاء إرضاء الرغبة إذا تعاملنا مع الأخير على أنّه ادعاء ميتا أخلاقي حول ما يجعل الأشياء الجيدة جيدة والأول كادعاء موضوعي حول ماهية الأشياء الجيدة، وفي هذه القراءة ما يجعل شيئًا جيدًا هو أنّه سيفضل من قبل قضاة أكفاء وما يفضله القضاة الأكفاء في الواقع هو الملذات خاصة الملذات العليا (وفقًا لادعاء المتعه) أو الأنشطة والسعي الأعلى (وفقًا لادعاء الكمال).

ولكن من الملاحظ أنّه لا يمكن لأي من هذه الادعاءات استيعاب جميع ادعاءات ميل حول السعادة، وكلاهما يفترض أنّ تفضيلات القضاة الأكفاء هي أحد مكونات تفوق موضوع تفضيلاتهم، ولكن مقطع الكرامة يعني ضمناً أنّ تفضيلات القضاة الأكفاء هي دليل وليست تأسيسية لقيمة موضوع تفضيلاتهم.

تقدم القراءة المثالية تسوية واحدة لمزاعم ميل المتباينة، وتقول أنّ السعادة تتكون من ممارسة القدرات الأعلى، وأنّ تفضيلات القضاة الأكفاء هي دليل على القيمة الأعلى، وأنّ الملذات العليا هي ملذات موضوعية، وليس هناك شك في أنّ صياغته الأولية لمفهومه للسعادة من حيث المتعة تقودنا بشكل مضلل إلى توقع استمرارية أكبر بين علامته التجارية الخاصة من النفعية والنفعية اللطيفة للراديكاليين مما نجده بالفعل، ومع ذلك يبدو أنّ هذا التفسير المثالي يوفر القراءة الأكثر اتساقًا لمزاعم ميل المتباينة حول السعادة.

مفاهيم الواجب في فلسفة ميل:

كما يوضح مبدأ التناسب الذي وضعه ميل فإنّه يؤيد الفكرة النفعية القائلة بوجوب تحديد الواجب أو الفعل الصحيح من حيث تعزيز السعادة، ولكن كيف يعتقد ميل بالضبط أنّ الواجب يرتبط بالسعادة ليس واضحًا تمامًا، ولفهم الخيوط المختلفة في مفهومه عن النفعية نحتاج إلى التمييز بين المنفعة المباشرة وغير المباشرة.

مفهوم النفعية المباشرة والغير مباشرة:

النفعية المباشرة: يجب تقييم أي موضوع تقييم أخلاقي (على سبيل المثال فعل أو دافع أو سياسة أو مؤسسة) من خلال القيمة والتناسب مع عواقبه على السعادة العامة.

النفعية غير المباشرة: يجب تقييم أي موضوع للتقييم الأخلاقي ليس من خلال قيمة عواقبه على السعادة العامة، ولكن من خلال توافقه مع شيء آخر (على سبيل المثال القواعد أو الدوافع) التي لها قيمة قبول جيدة أو مثالية.

المنفعة المباشرة وغير المباشرة المصاغة هي نظريات عامة تنطبق على أي موضوع من مواضيع التقييم الأخلاقي، ولكن تركيزنا هنا ينصب على الوظيفة أو الواجب المناسب، ونفعية العمل هي الشكل الأكثر شيوعًا للنفعية المباشرة المطبقة على العمل، وبينما النظرية النفعية غير المباشرة الأكثر شيوعًا هي نظرية النفعية.

النفعية: هي العمل صحيح بقدر ما تكون عواقبه على السعادة العامة جيدة على الأقل مثل أي بديل متاح للممثل.

عقيدة النفعية القاعدة: الفعل صحيح بقدر ما يتوافق مع قاعدة تكون قيمتها قبولها للسعادة العامة على الأقل بقدر أي قاعدة بديلة متاحة للفاعل.

مفهوم نفعية الفعل هذا هو التعظيم لأنّه يحدد الإجراء الصحيح بأفضل إجراء متاح وهو عددي لأنّه يدرك أنّ الصواب يمكن أن يأتي بدرجات، واعتمادًا على قرب الإجراء إلى الأفضل والإجراء الصحيح هو الإجراء الأمثل، ولكن بعض الأفعال دون المستوى الأمثل، ويمكن أن يكونوا أكثر صوابًا وأقل خطأ من الآخرين، وبالمثل فإنّ مفهوم فائدة القاعدة هذا يقيم المعايير في كل من التعظيم والطريقة العددية.


شارك المقالة: