اللغة والاختلاف الإقليمي والاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


الاختلاف في اللغة:

 هناك طرق متعددة ومختلفة لقول الشيء نفسه، حيث يختلف المتحدثون عن بعضهم البعض من مناحي وفوارق مختلفة، فعلى سبيل المثال يختلفون في طريقة نطق الكلام أو ما يعرف باللكنة أو اللهجة، وطريقة اختيار المفردات والكلمات (أي استخدام المعجم اللغوي الخاص بالفرد)، أو طريقة تشكيل الجمل أو ما يعرف بالنحو وأحيانا يعرف هذا بالقواعد.

عندما نقول أنه هناك اختلاف وتنوع لغوي كبير قد يبدو هذا الاختلاف لا حدود له، ولكن بالطبع هناك حدودًا لهذه الاختلاف، فبالرغم من هذه الاختلافات لا يقوم المتحدثون عمومًا بإجراء تعديلات جذرية في ترتيب كلمات الجملة وأبنيتها أو يستخدمون أصواتًا جديدة غريبة تمامًا عن اللغة التي يتم التحدث بها في البيئة المحيطة.

التباين والتمايز اللغوي:

يدرس علماء التباين والتمايز اللغوي كيفة تغير اللغة من خلال ملاحظتها في البيئة التي يودون أجراء الدراسة عليها، حيث يتم تحقيق ذلك من خلال دراسة البيانات الأصلية، فعلى سبيل المثال يتم دراسة التباين والتمايز اللغوي من خلال النظر في البيئات اللغوية والاجتماعية ومن ثم يتم تحليل البيانات عند حدوث التغييرات.

ويجب أن يكون التباين في برامج البحث تباينًا مرنًا نظرًا لطبيعة اللغة نفسها؛ وهذا لأن اللغة أيضًا ذات طبيعة مرنة ومائعة في عملية الانتقال ولكن بالطبع لا يحدث هذا التغير من حالة إلى أخرى على الفور.

 يعد التباين والتمايز اللغوي مفهوم أساسي في علم اللغة الاجتماعي، فيبحث علماء اللغة الاجتماعية فيما إذا كان يمكن أن يُعزى هذا التمايز والتباين اللغوي إلى الاختلافات في الخصائص الاجتماعية للمتحدثين الذين يستخدمون اللغة، ولكنهم أيضًا يبحثون فيما إذا كانت عناصر السياق اللغوي المحيط تعزز أو تمنع استخدام هياكل لغوية معينة.

كما أدت الدراسات  المتعددة في مجال تمايز وتباين اللغة وارتباطها بالفئات الاجتماعية (مثل مقالة العالم اللغوي ويليام لابوف والتي نشرت في عام 1963 والتي كانت بعنوان “الدافع الاجتماعي للتغيير السليم”) إلى تأسيس علم اللغة الاجتماعي باعتباره مجالًا فرعيًا وأساسيًا في علم اللغة ولغوياتها. وعلى الرغم من أن علم اللغة الاجتماعي المعاصر يشمل موضوعات أخرى، إلا أن تنوع اللغة وتغييرها لا يزال يمثل قضية مهمة في قلب هذا العلم.

المتغيرات اللغوية الاجتماعية:

 عادة ما يأخذ العلماء والباحثون في مجال علم اللغة الاجتماعي وعلم التمايز والتباين اللغوي عينة من السكان الذين يودون أجراء الدراسة عليهم وتقابلهم، وبعد ذلك يقيمون مدى تحقيق بعض المتغيرات اللغوية الاجتماعية عليهم.

تميل المتغيرات الصوتية إلى تلبية المعايير المطلوبة من قبل العلماء والباحثون وغالبًا ما تستخدم مثل المتغيرات الشكلية، والمتغيرات التركيبية، وفي حالات قليلة ونادرة التغير في المعاجم اللغوية.

 فتوجد بعض المتغيرات الصوتية المتمايزة بين الأفراد كوجود حرف علة منطوق في نهاية الكلمة، وكذلك يوجد بعض المتغيرات التركيبية للكلام كوجود نفي مضعف (كقول البعض I didn’t do nothing)، ويوجد كذلك بعض الأمثلة في المتغيرات التشكيلة كحذف الحرف (t وd) من بعض الكلمات مثل كلمة (Kept) التي تنطق (Kep).

التباين القائم على أساس العمر:

هناك عدة أنواع مختلفة من التباين القائم على العمر قد يراه المرء داخل مجموعة سكانية، ولكنها تعتبر في العادة لغة عامية لمجموعة فرعية ذات عضوية تتميز عادة بنطاق عمر محدد وتباين متدرج حسب العمر، وإشارات إلى التغيير اللغوي الذي يجري في هذه المجموعات.

أحد أهم وأشهر الأمثلة على اللغة العامية للمجموعة الفرعية القائمة على أساس العمر هو خطاب شباب الشوارع. فمثلما يلبس شباب الشوارع بشكل مختلف عن غيرهم من الشباب، غالبًا ما يكون لديهم لغتهم الخاصة بهم والتي تميزهم عن غيرهم من فئات المجتمع.

أسباب اختلاف شباب الشوارع:

1. تعزيز هويتهم الثقافية الخاصة بهم والتي تميزهم عن غيرهم.

2. التعرف على بعضهم البعض، فهم مجموعة ذات طبيعة لغوية مختلفة عن غيرهم فلغتهم هي لغة خاصة بهم يميزون من خلالها من هو الفرد الذي ينتمي إليهم ومن هو الفرد الذي يعتبر دخيل عليهم.

3. استبعاد الآخرين، عادة ما يكره شباب الشوارع أن يتدخل أحد إلى مجموعاتهم.

4. إثارة مشاعر الخوف أو الإعجاب من العالم الخارجي، دائما عندما تمشي في رواق ويتواجد به أحد هؤلاء الشباب تود أن تبتعد عنهم بأسرع ما يمكن وذلك نتيجة الخوف المزروع في بقية الفئات منهم.

حقيقة التمايز والتباين اللغوي:

بالمعنى الدقيق للكلمة لا يعتبر هذا التباين والتمايز مبني على أساس العمر حقًا؛ وذلك لأن ذلك لا ينطبق على جميع الأفراد من تلك الفئة العمرية داخل المجتمع، وإنّما ينطبق على فئة تعتبر فئة قليلة مقارنة بغيرها من الفئات المجتمعية.

فيعد التباين المتدرج حسب العمر هو تباين ثابت يختلف داخل المجتمع بناءً على العمر،  أي أن المتحدثين في عصر معين سيستخدمون شكلاً لغويًا محددًا في الأجيال المتعاقبة.

دراسات تشامبرز في التمايز والتباين اللغوي:

 يستشهد العالم اللغوي تشامبرز بمثال من جنوب أونتاريو في كندا، فيختلف اسم الحرف Z فمعظم العالم الناطق بالإنجليزية يلفظها “زد”. ومع ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية يتم نطقها “zee”.

وقد تم أجراء دراسة لغوية في عام 1979 والتي بينت أنه لقد أنهى ثلثا الأطفال البالغين من العمر 12 عامًا في تورنتو تلاوة الأبجدية بالحرف “zee” حيث قام بذلك 8٪ فقط من البالغين. ثم في عام 1991 (عندما كان هؤلاء الأطفال في سن 12 عامًا في منتصف العشرينات من العمر) أظهر الاستطلاع أن 39٪ فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 25 عامًا يستخدمون “zee”.

أغنية الأحرف الأبجدية وعلاقتها بهذه الدراسة:

وفي الواقع أظهر الاستطلاع أن 12٪ فقط ممن تزيد أعمارهم عن 30 عامًا استخدموا طريقة النطق “zee”. ومن المفترض أن تكون هذه الظاهرة مرتبطة بأغنية للأطفال الأمريكيين والتي تستخدم كثيرًا لتعليم الأحرف الأبجدية. ووفقًا لهذه الأغنية، يطابق تتابع القافية الحرف Z مع الحرف V والذي ينطق vee، مما أدى إلى تعود اللسان على النطق بهذه الطريقة واستخدام النطق الأمريكي في بعض المناطق.

ومع تقدم الفرد في العمر، يتم إسقاط استخدام الأفراد للنق الحرف z بهذه الطريقة “zee” لصالح طريقة النطق المعروفة والقياسية في شتى مناطق العالم وهي “zed”.

رغبات الأفراد اللغوية:

بالعادة يميل الناس إلى استخدام الأشكال اللغوية التي كانت سائدة عند بلوغهم سن الرشد؛ لذلك في حالة التغيير اللغوي الجاري يتوقع المرء أن يرى تباينًا عبر نطاق أوسع من الأعمار.

حيث يقدم العالم اللغوي ويليام برايت مثالاً مأخوذًا من اللغة الإنجليزية الأمريكية، حيث يوجد في أجزاء معينة من الولايات المتحدة الأمريكية اندماج مستمر لأصوات الحروف المتحركة في أزواج من الكلمات مثل caught وcot.

كما يعد هذا الاندماج مميزًا وخاصًا للأجزاء الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن منذ الحرب العالمية الثانية تطور بشكل مستقل في منطقتين أخريين، وهما غرب وجنوب غرب ولاية بنسلفانيا وساحل نيو إنجلاند من بوسطن شمالًا.

التباين القائم على أساس النوع الاجتماعي:

 من  المتعارف عليه أن الرجال والنساء عادة ما يميلون إلى استخدام أساليب وأنماط لغوية مختلفة قليلاً عن بعضهما البعض. فتميل هذه الاختلافات إلى أن تكون اختلافات كمية وليست اختلافات نوعية، أي أن القول بأن النساء يستخدمن أسلوبًا معينًا في التحدث أكثر من الرجال هو أشبه بالقول إن الرجال أطول من النساء (وبمعنى أخر لكل قاعدة شواذ).

دراسة روبن لاكوف:

تم أجراء الدراسات الأولية لسجل النساء بواسطة العالم اللغوي روبن لاكوف وذلك في عام 1975، الذي جادل بأن أسلوب اللغة يعمل على الحفاظ على دور المرأة (الأدنى) في المجتمع وهو ما يعرف بنهج عجز الإناث. كما أنه تم تنقيح هذه الحجة لاحقًا وهو أن الاختلافات بين الجنسين في اللغة تعكس اختلاف القوة أو ما يعرف بنظرية الهيمنة. ومع ذلك، فإن كلا المنظورين لهما نفس النمط اللغوي الذي يعطي للرجل الاعتبار المعياري، مما يعني أن أسلوب المرأة أدنى من أسلوب الرجل.

دراسة ديبورا تانين:

 في الآونة الأخيرة قارنت العالمة اللغوية ديبورا تانين الفروقات والاختلافات بين الجنسين في اللغة بأنهما أكثر تشابهًا مع الاختلافات الثقافية أو ما يعرف بنهج الاختلاف الثقافي. ويتعلق بمقارنة أهداف المحادثة والخطاب جادلت ديبورا تانين بأن الرجال لديهم أسلوب تقرير يهدف إلى توصيل المعلومات الواقعية، في حين أن النساء لديهن أسلوب متعلق بالعلاقة وأكثر اهتمامًا ببناء العلاقات والحفاظ عليها.

كما أن الناس يميلون إلى تكييف لغتهم مع أسلوب الشخص الذي يتفاعلون معه. وبالتالي في مجموعة مختلطة الجنس أي مجموعة مكونة من الرجال والنساء، تميل الفروقات بين الجنسين إلى أن تكون أقل وضوحًا. كما أنه توجد ملاحظة أخرى مهمة فيما يتعلق بهذا الشأن وهي أن هذا التكيف عادة ما يكون تجاه أسلوب اللغة وليس جنس الشخص الذي يتواجد أمامنا.

وهذا يعني أن الذكر اللطيف والمهذب والمتعاطف سوف يميل إلى التكيف مع الحوار على أساس كونه مهذبًا ومتعاطفًا، بدلاً من كونه ذكرًا ويعطي كلامه أسلوب وواقعية الذكور، ونفس الأمر ينطبق على النساء.


شارك المقالة: