اللغة والعمر

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين اللغة والعمر:

دائمًا ما نسمع مقولة تعلم لغة الأجداد وليست لغة الأباء، فما الحكمة من هذه المقولة؟ وهل هي مقولة صحيحة أم أنها مجرد خرافة؟

يعتبر كبار السن ناقل تقليدي للغة والثقافة، حيث تعد لغتهم ذو قيمة لغوية أكبر بكثير من لغة صغار السن، فمن المعروف أن اللغة تتغير وبشكل مستمر، وبالطبع متحدثون اللغة مدركون تمامًا هذه التغيرات فهي تحصل أمام أعينهم وعلى لغتهم، على سبيل المثال كلمة حاسوب كانت رائحة فيما مضى ولكن نكاد لا نسمع هذه الكلمة في الوقت الحالي، فهي أصبحت تعرف كمبيوتر.

تتغير جميع لغات العالم بمرور الوقت وبدون استثناء، حيث تظهر هذه التغييرات على اللغة في أوقات معينة من الحديث حتى لو كانت هذه التغيرات موجودة منذ العديد من القرون، ولكنها تنتظر الوقت المناسب لكي تظهر، وبكل تأكيد متحدثو اللغة هم من يقومون بإحداث هذه التغيرات.

تاريخ تغير اللغة:

يعد تاريخ تغير اللغة نتيجة ملموسة من التاريخ اللغوي والثقافي لأجيال عديدة عبر العديد من القرون. فنتيجة الفضول العلمي وتماشيًا مع التطورات في المجالات المختلفة، وضع علماء اللغة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على عاتقهم مهمة إعادة بناء اللغات السابقة والتحقيق في كيفية حدوث التغيير اللغوي.

كانت الفترة الزمنية المذكورة أعلاه تشهد قدر كبير من الاهتمام بإعادة بناء اللغات الأولية وإنشاء العائلات والعشائر اللغوية الرئيسية، وهذا يعني إعادة التعرف على شيء كان معروفًا دائمًا بشكل حدسي، فاللغات أيضًا لها عمر وأسلاف عبر التاريخ، وهو عصر يتوازى إلى حد ما مع مجموع أجيال المتحدثين بها.

ربما لم تتغير اللغات في العصور الوسطى كما بحث عليها اليوم من تغيرات، فحدثت أكبر تغيرات شهدتها اللغة عندما تضخمت وسائل الإعلام وجعلت العالم قرية صغيرة، فالعالمي أصبح محلي بفضلها. هناك أيضًا تغيرات يمكن تتبعها على مدى عقود قليلة فقط، حيث تتعلق هذه التغيرات بالطريقة التي نقل بها المتحدثون اللغة عبر الوقت والطريقة التي تحدثوا اللغة بها.

تنشأ معظم الدراسات حول اللغة والعمر عند مقارنة ما هو حديث وقديم وهذا شيء يرتبط بلا شك بأعمار المتحدثين بهذه اللغة، كما لو أن اللغة الأم تنتقل في الطفولة عن طريق الاتصال بين الأجيال، إلا أنها تأخذ لونًا وشكلاً مختلفًا قليلاً في كل فترة زمنية محددة.

اكتساب اللغة والطفولة:

من الواضح ولأسباب تتعلق بكيفية عمل الدماغ، بأن الطفولة هي المرحلة التي تكون فيها القدرات اللغوية أعظم وأفضل وقت لاكتساب لغة جديدة أو حتى اكتساب اللغة الأم. تشهد العائلات والمجتمعات على هذه العملية التي تمتاز بسرعتها بفضل الليونة الدماغية الهائلة للأطفال حتى سن الخامسة، ممّا يمكنهم ليس فقط من تعلم لغتهم الأم ولكن أيضًا أي لغة أخرى يودون الأهل أن يجعلوا طفلهم يتواصل بها.

وبالتالي فإن الأهمية التي لا يمكن إنكارها للتعليم المبكر عن لغات أخرى لجعل الأطفال ثنائيي اللغة أو ثلاثي اللغة أو حتى متعدد اللغات. مثل العديد من المهارات الأخرى تتطور القدرات اللغوية للأطفال بعيدًا عن الاتصال مع كبار السن والمتحدثين الذين يتقنون اللغة بالفعل. وبهذه الطريقة يكتسبون اللغة الأم شيئًا فشيئًا، ولكن يُعزى الدور الأكبر في اكتساب اللغة للأمهات أو حتى مربية الطفل، فهم من لعبوا الدور الأكبر في تعليم اللغة لجميع أفراد الأسرة.

اكتساب اللغة ومربيات الأطفال:

ففي كتاب (Historia de las hablas andaluzas) أي تاريخ اللهجات الأندلسية، يقتبس (خوان أنطونيو فراغو) من (خوان دي باراهونا إي باديلا)، الذي حذر في معهده (لتودا لا فيدا ديل أومبر نوبل) أي مؤسسة الحياة للنبلاء، من أن كان من الضروري تصحيح النطق الأندلسي الذي تنقله المربيات إلى الأطفال. لذلك فإن الطفل النبيل “يجب أن يكتسب لغته من المربية لتجنب عادات الطبقات الدنيا.

ولأن الكلام ضروري لإجراء المحادثات والعلاقات الإنسانية، كأداة لإظهار المفاهيم، يجب على الطفل أن يتعلم بجدية لغة ولهجة مدينته وإتقان الكلمات المدنية من قبل مربية الأطفال، بحيث تعلمه أن يبتعد عن بعض الصيغ والألفاظ ويستخدم غيرها.

المجتمعات الريفية والحضرية واكتساب اللغة:

لقد تغيرت بعض الأشياء كثيرًا منذ القرن السابع عشر، حيث أصبحت مربيات الأطفال أكثر ندرة اليوم، ولكن قد يكون من المفيد التساؤل عما إذا كان من الممكن أن نتحدث لغة الأجداد بجانب لغة الأباء، فالكثير من الأطفال في المناطق الحضرية والمناطق الريفية يتعلمون لغة الأجداد كونهم يقضون الكثير من الوقت معهم.

فالأجداد يرون قصصهم وحكاياتهم والأطفال يستمعون وبكل إصغاء لهم؛ وذلك لأن الأباء يتركون الأطفال عند أجدادهم لقلة المربيات. وهنا يستعيد كبار السن دورهم كناقلين للغة والثقافة، وهو بالطبع دور ينسب لهم تقليديًا في المجتمعات الريفية، ولكن نادرًا ما نراها في المجتمعات الحضرية.

الدراسات اللغوية في العمر واللغة:

سعى علماء اللغة بشكل دائم في عملهم الميداني ببيان أن اللغة تعد أكثر أصالة بين المتحدثين الأكبر سنًا، واعتبر البعض مثل (Dámaso Alonso) أو (Lorenzo Rodríguez-Castellano)، أن النساء المسنات هن الذاكرة والهوية اللغوية للمجتمع.

فالعمر هو أحد المتغيرات التي يأخذها عالم اللغة الاجتماعية في الاعتبار، لأنه منذ اللحظة التي يتم فيها تكوين المتحدثين اجتماعيًا للتصرف بطريقة معينة، تميل الطريقة التي يتحدثون بها إلى التوافق مع ما هو متوقع من فئة عمرية معينة.

كما تظهر الدراسات العلمية أن متغير العمر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة اللغة دائرة من المتغيرات اللغوية والمجتمعية، مثل التعليم والنوع الاجتماعي وما إلى ذلك، لأنه لا يؤثر على المتحدثين الريفيين غير المتعلمين بنفس الطريقة التي يؤثر بها المتحدثون الحضريون في العديد من الشبكات الاجتماعية.

الوقت والعمر:

الوقت والعمر عاملان حاسمان في دراسة اللغة وتعلمها، ولهذا السبب اعتمادًا على درجة تطورهم يتحدثون علماء اللغة عن عمليات التغيير الحديثة أو الجارية أو التي عفا عليها الزمن، ويقومون بدراستها في الوقت الحاضر، ومقارنة خطاب المتحدثون من مختلف الأعمار؛ وذلك لمحاكاة تاريخهم الحديث لتحديد كيف يمكن أن تكون لغتهم في المستقبل.

وللقيام بذلك يلجؤون إلى تحديد الأجيال أو على الأقل تصنيف الفئات العمرية؛ وذلك لأن هناك اختلافات لغوية وطبيعية بينهم، يشهدها كل متحدثون اللغات.

وفيما يتعلق بمسألة العمر الذي يتقن فيه الأفراد القواعد، على الرغم من أن تعلم اللغة يبدأ بشكل مكثف في مرحلة الطفولة، إلا أنه في أواخر المراهقة والشباب تظهر خصائص مستقرة للغة، ومن الجدير بالذكر أن هناك متحدثين يمكنهم تبني تغييرات معينة في أي وقت في حياتهم للتكيف مع الاستخدامات اللغوية المطلوبة.

لغة الشباب:

تعكس لغة الشباب جزءًا من المسار نحو النضج اللغوي في مرحلة الحياة التي تتقبل بشكل كبير أي تسمية اجتماعية تمكنهم من التعرف على أقرانهم. حيث أصبح المتخصصون يعتبرونها لغة جماعية بحد ذاتها، وهي لغة منفصلة عن بقية الفئات الأخرى في المجتمع، وتتقبل بشكل خاص الموضات اللغوية المختلفة والعامية والتعبيرية مع سماتها المميزة الجديدة والقديمة، والتي تتكرر كصفات عادية لسمات معينة من كسر جمود اللغة والثقافات المضادة المستخدمة من مختلف فئات المجتمع.

نظرة كبار السن للغة الشباب:

وبالنظر إلى المسألة علميًا كانت هناك دراسات تقيس التوافر المعجمي (أي عدد الكلمات) لأطفال المدارس في محاولة لتحديد وتصحيح إتقانهم النشاط السلبي للكلمات والثقافة.

فعلى مر التاريخ كان من الثابت أن الأعضاء الأكبر سنًا في المجتمع يعتبرون الشباب يعانون من فقر لغوي مقلق؛ وذلك لأنهم يستخدمون نفس الكلمات مرارًا وتكرارًا دون دقة مفاهيمية، فهم يستخدمون التعابير العصرية الخالية من الحس اللغوي، والتسميات العامية، والكلمات البذيئة، واستخدام أدوات الربط على نحو خاطئ، ولكن هذه العلامات تميل إلى الاختفاء في المراحل المتأخرة من الشباب. كما يتهم كبار السن كثيرًا بكون الشباب يعانون من فقدان العديد من صيغ المجاملة اللغوية التي تعد جزءًا من الأخلاق الحميدة.

نظرة الشباب للغة كبار السن:

يميل الشباب إلى اعتبار كبار السن على الرغم من إتقانهم للغة، أنهم يستخدمون كلمات وتحولات في العبارات تعتبر مخالفة للقانون. كما أنهم يعتبرونها لغة خالية من الحس الحضاري الذي يجب على اللغة أن تتمتع بها. وفي بعض الأحيان يعتبرون لغتهم متخلفة نوعًا ما ولا يعطونها أي قيمة.

وهذا التوتر بين لغة الشباب وكبار السن هو الذي يؤدي إلى التطور اللغوي شيئًا فشيئًا. فبين الشباب والكبار هناك مجموعة تعتبر حالة خاصة وهم الشباب الذين بلغوا سن الرشد أو النضح، حيث أصبحوا ناضجون لغويًا لكنهم يحافظون على بعض آداب الكلام التي كانت ذات يوم مبتكرة وشاذة عن القاعدة والتي تميزهم كجيل؛ وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن ينسى أن المواقف اللغوية تتغير مع تقدم العمر.

 فكلما تقدم الفرد في السن كان أكثر تحفظًا تجاه اللغة بمختلف حقولها تراكيب أو قواعد أو مصطلحات، وكلما كان الفرد شابًا كان يميل إلى الابتكار والتقلب اللغوي.

 كما يميل كبار السن إلى اتباع ما يعتبرونه التقرب إلى اللغة وقواعدها عن كثب أكثر من الشباب، الذين يميلون أكثر إلى الابتكار أو كسر القواعد أو تبني سمات تحددهم كمجموعة متميزة عن البالغين.

المصدر: An introduction to sociolinguistics Ronald Wardhaugh Third EditionSociolinguistics R.A.Hudson second editionLanguage Development and Age Book by Julia Rogers HerschensohnAn Introduction to Sociolinguistics Book by Janet Holmes, fifth Edition


شارك المقالة: