اقرأ في هذا المقال
- المديح النبوي مفهومه ومبناه
- تطور المديح النبوي عبر العصور
- المدائح النبوية في العصر الأموي
- خصائص المدائح النبوية في العصر الأموي
يعد المديح أدباً أصيلاً وبارزاً وله مكانة عالية بين أشكال الكلام المنظوم ومن أهم المدائح في الأدب المشرقي مدائح الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها نابعة من حب صادق وأحاسيس صادقة وفيها مدحٌ النبي صلى الله عليه وسلم وذكرٌ أخلاقه ومناقبه، برز هذا الغرض في عهد الأمويين بشكل قليل نتيجة توجه رواد الكلام المنظوم إلى مدح حلفائهم بهدف التكسب، وفي هذا المقال سنوضح المدائح النبوية في عهد الأمويين ونذكر خصائصها.
المديح النبوي مفهومه ومبناه
المديح النبوي هو كلام منظوم نابع من الوجدان يتناول صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ” الخَلقية والخُلقية”، وإبراز مدى الشوق واللهفة للقائه وزيارة الأماكن المقدسة التي ترعرع فيها ولها ارتباط بحياته عليه الصلاة والسلام، وكذلك ذكر المعجزات بجميع أشكالها والإشادة بدوره في الغزوات.
برز هذا الموضوع بشكل لافت عند الزهاد والمتصوفة فهو نمط من أنماط التعبير عن المشاعر الدينية التي تنبثق من أفئدة مفعمة بالصدق والوفاء، وكان في بداية ظهوره متواضعاً لكنه بعد ذلك تطور وأصبح مستقلاً يعج بالمحسنات التي أضفت عليه زخرف وجمال.
نرى أن المديح في بداية كان يدخل في أغراض أخرى خاصة عند المتصوفة فنرى في مقطوعاتهم الحديث عن تقصيرهم على أداء العبادات، وكذلك ذكر عيوبه وآثامه في الدنيا طالباً من الله بصدق وخوف إذلال التوبة والغفران، وبعدها ينتقل إلى ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم طمعاً بشفاعته.
تطور المديح النبوي عبر العصور
برز المديح النبوي مبكراً خاصة عن مولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه ما ورد عن جد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقت ولادته:
وأنت لما ولدت أشرقت
الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نخترق
ونرى بواكر المديح النبوي تظهر عند أمية بن أبي الصلت وكان ينظمه متسائلاً عن الرسول القادم المنقذ، ولكن عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم كفر به، ومن أقواله في مدح الرسول القادم:
ألا بني منا فيخبرنا
ما بعد غايتنا من رأس محينا
وقد علمنا لو أن العلم ينفعنا
أن سوف يلحق أخرانا بأولادنا
ونرى أبو طالب يمدح النبي في صغره:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
ومع بزوغ الإسلام شاع هذا المدح في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذاع مع الفتوحات وتحول في هذا الوقت من مادي إلى التدين، وإظهار تمجيد دعوة النبي وذكر صفاته وأخلاقه وعلى رأسهم حسان شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم.
من أبيات حسان في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أكرم بقومٍ رسول الله قائدهم
إذا تفرقت الأهواء والشيع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم
إن جدَّ بالناس جدَّ القول أو شمعوا
ومن شعر أهل المدينة الذين فرحوا في قدوم النبي وهبوا جميعاً لاستقباله مستبشرين ويرددون قصيدتهِم الخالدة:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كثرة القصائد التي كانت قريبة من الرثاء فجمعت بين المدح والرثاء في سيد الكون صلى الله عليه وسلم ومن هذا قول مرثية عمته صفية:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا
وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما
لبِيك عليك اليوم من كان باكيا
ولن ننسى رثاء رفاق النبي صلى الله عليه وسلم رثاء أبو بكر الصديق حيث يردد:
ودعنا الوحي إذ وليت عنا
ودعنا من الله الكلام
سوى ما قد تركت لنا رهينا
تضمنته القراطيس الكرام
ورثَاء فاطمة لأبيها صلى الله عليه وسلم:
أغبّر آفاق السماء وكورت
شمس النهار وأظلم العصران
والأرض من بعد النبي كئيبة
أسفا عليه كثيرة الرجفان
المدائح النبوية في العصر الأموي
في زمن بني أمية نرى أن المدائح لازمت آل البيت فَيتطرقون إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تلك الأبيات، وكان المدح في ذاك الوقت مدح من أجل التكسب وجني المال مما أدى إلى ضعف المديح النبوي وشحة، ومن أبرز من نظموا في المديح النبوي في ذاك الوقت الفرزدق وكذلك دعبل الخزاعي وغيرهم.
لقد قام الفرزدق بذكر صفات النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله في قصيدته والتي مطلعها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا القيُّ النقيُّ الطاهر العلم
كما رأينا المديح حاضراً في أبيات الكُميت والذي ردد في بائيته:
طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ
ولاَ لَعِبًا مِنّي أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ
ولم يَتَطَرَّبنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ
وَلاَ أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرَ هَمُّهُ
أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعلَبُ
ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً
أمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أم مَرَّ أَعضَبُ
أيضاً أبيات دعبل الخزاعي التي مدح فيها آل البيت والتي مطلعها:
مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ
وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً
وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ
دِيارُ عَلِيٍّ وَالحُسَينِ وَجَعفَرٍ
وَحَمزَةَ وَالسُجّادِ ذي الثَفِناتِ
دِيارٌ عَفاها جَورُ كُلِّ مُنابِذٍ
وَلَم تَعفُ لِلأَيّامِ وَالسَنَواتِ
أما الشريف الرضي فكان يذهب في مدحه النبي صلى الله عليه وسلم مذهب المتصوفة وقام على ذكر مناقب آل البيت والتي يقول فيها:
شغل الدموع عن الديار بكاؤها
لبكاء فاطمة على أولادها
لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى
دفع الفرات تذاد عن ورادها
أترى درت أن الحسين طريدة
لقنا بني الطرداء عند ولادها
كانت مآتم بالعراق تعدها
اموية بالشام من أعيادها
وكذلك ما ذكره في لاميته:
راحِلٌ أَنتَ وَاللَيالي نُزولُ
وَمُضِرٌّ بِكَ البَقاءُ الطَويلُ
لا شُجاعٌ يَبقى فَيَعتَنِقَ البي
ضَ وَلا آمِلٌ وَلا مَأمولُ
غايَةُ الناسِ في الزَمانِ فَناءٌ
وَكَذا غايَةُ الغُصونِ الذُبولُ
خصائص المدائح النبوية في العصر الأموي
1- شعر ديني ينبثق من منظور إسلامي، الهدف منه محاولة تغيير الواقع من خلال ذكر صفات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
2- يغلب عليه الطابع الزهدي والصوفي من خلال ذكر الحقائق والإشادة بالنبي سيد الكون صلى الله عليه وسلم،
3- ورود الغزل في الكثير من المدائح النبوية ولكنه مترفع عن النطاق الحسي إلى ما هو مجازي.
4- تعد أبيات المديح عبارة عن موسوعة تاريخية تحمل في طياتها أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وفضائله، كذلك الأحداث السياسية وغيره.
5- يتميز الكلام المنظوم في المديح بأنها نابعة من العشق الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم راجين شفاعته.
6- كانت قصائد المديح تعج بالمحسنات والسجع والاستعارة والتشبيهات.
وفي النهاية نستنتج إن المديح النبوي شعر صادق نابع من الأفئدة في حب سيد الكون محمد صلى الله عليه وسلم خالي من أي تكسب مادي، المديح النبوي في عصر الأمويين قد شابه الضعف بسبب المدح بغرض جني المال وبرز فيه الفرزدق ودعبل الخزاعي وغيرهم.