اقرأ في هذا المقال
حظيت المرأة بمكانة عالية ومهمة في العصر الأندلسي، وكان لها عدة مشاركات في الحياة العامة، وتولّت مناصب مهمة ومتنوعة آنذاك، فنجد منهن الشاعرة والعالمة والكاتبة والناقدة، وكان منهن من يجمعن العلماء والأدباء في مجالسهن لدراسة فنون الشعر المختلفة ونقده، وقد حظيت المرأة في العصر الأندلسي بوافر من الحرية، وتميزت نخبة منهن في مجال الشعر، وفي هذا المقال سنخص المرأة الأندلسية بالتوضيح والشرح.
أغراض شعرية في شعر المرأة الأندلسية
نظمت المرأة في العديد من الأغراض الشعرية في العصر الأندلسي، وبرعت وتفوقت بها جميعًا، وكانت المرأة الأندلسية تواكب الأحداث التي تجري في الأندلس سواء أكانت أحداث سياسية، أو اجتماعية أو أدبية، وقد وظّفت هذه الأحداث في شعرها، وسَطع نجمهن في جميع الأغراض، وفيما يلي أبرز هذه الأغراض:
شعر المدح
وظفت المرأة الأندلسية المدح في شعرها، وبرعت في هذا المجال، وكانت تلجأ إلى أسلوب المدح لغايةٍ في نفسها، فإما تنظم الشعر من أجل رفع ظلم، أو تطلب النجدة من أمر وقع بها، أو تلجأ لنظم الشعر لتعبر عن مشاعر الحب والود والوفاء، ومن هؤلاء الشاعرات حسانة التميمية التي كتبت قصيدة في مدح الحكم بن الناصر، وكانت غايتها هي رفع ظلامتها، وحقق لها الحكم بن ناصر طلبها حيث قالت:
ابنُ الهشامين خير الناس مأثرةً
وخير مُنْتَجع يومًا لِروّاد
إنْ هزَّ يومَ الوغى أَثناء صَعدته
روى أنابيبها من صرف مٍرْصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسبًا
مقابلًا بين آباءٍ وأجداد
شعر الوصف
برعت الشاعرة الأندلسية في شعر الوصف، فنظمت شعرها في هذا المجال وجادت به، وكانت توظف الوصف في شعرها بأسلوب رائع متناهي في الدقة، وقد تناول وصف الطبيعة الأندلسية بأجمل الصفات، وساعدها على ذلك التضاريس الخلابة التي توافرت في البيئة الأندلسية، وهذه إحدى شاعرات الأندلس اللواتي برعن في شعر الوصف، وهي حمدة بنت زياد المؤدب، وصفت حمدة وادي آش بأرق وأدق الوصوف في شعرها، حين جلست تتفيأ في ظلال وادي آش رأت الحصى فيه تلمع حتى غدت كالجواهر المنثورة على أرض وادي آش، فظنت الحسنوات أن عقودهن انفرطن وتناثرت على أرض وادي آش، وفي ذلك تقول حمدة:
وقانا لفحة الرَّمضاء وادٍ
سقاهُ مضاعف الغيث العميم
حللنا دوحه فحنا علينا
حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالًا
يردُّ الروح للقلب السقيم
يصدُّ الشمس أنىّ واجهتنا
فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالة العذارى
فتلمس جانب العقد النَّظيم
شعر الفخر
افتخرت المرأة بالعديد من الصفات، وخصوصًا الشاعرات المقربات من الملوك والوزراء والأمراء، وقد افتخرن بحسبهن ونسبهن، وكذلك يفتخرن بجمالهن وكان شعر الفخر بمثابة متنفس للشاعرة الأندلسية، وكانت تعبر عن كبريائها وتتباهى بنفسها، وفي ذلك قالت الشاعرة تميمة بنت يوسف مفتخرة بنفسها، وأنه من الصعب أن يصل إليها أحد، أو حتى من الصعب أن تنزل من مكانها السامي:
هي الشمس مسكنها في السماء
فعزّ الفؤاد عزاءً جميلًا
فلن تستطيع إليها الصّعود
ولن تستطيع إليك النّزولا
ومن ذلك أيضًا ما قالته حفصة الرّكونية متفاخرة بخطها، حين طلبت منها مرأة من أعيان غرناطة المعروفة أن تكتب لها شيئًا بخط يدها فكتبت إليها:
يا ربَّة الحُسن بل ربَّة الكرم
غُضّي جفونك عمّا خطَّه قلمي
تصفّحيه بلحظٍ الود منعمةٌ
لا تحفلي برديء الخط والكلم
شعر الغزل
تمكنت المرأة الأندلسية من إبراز قدراتهن الشعرية في مجال الشعر الغزلي، وكان هذا المجال فرصة كبيرة لشاعرات الأندلس لإبراز مواهبهن على وجه الخصوص، ويرجع ذلك إلى مظاهر الغنى والترف والرخاء الاقتصادي الذي كانت تعيشه بلاد الأندلس بذلك الوقت، وكذلك كان لطبيعة الأندلس أثر واضح بتأثر الشاعرات به، فكانت تتغزل بجمال البيئة الأندلسية وما تشمله من مخلوقات ومناظر خلابة.
ومن الشاعرات اللواتي برزن في هذا النوع من الشعر الشاعرة ولادة بنت المستكفي، وعرفت بقوة شعرها وكذلك جرأتها في الشعر الغزلي، ويعود سبب ذلك إلى انحدارها من بيت إمارة، وكان شعرها يتميز بالجرأة، واستطاعت أن تفصح عن مكنون نفسها تجاه محبوبها الشاعر ابن زيدون، حيث قالت:
طال ليلي وغرامي لا يطاق
وفؤادي من أداري باحتراق
وشجوني سجعت ورق اللوى
من معانيها بما العشاق شاق
أبرز شاعرات الأندلس
ولادة بنت المستكفي
كانت متفردة في شعرها وأدبها في العصر الأندلسي، وكان معروف عنها حسن المحاضرة، لطف المعاشرة، مع الرصانة والعفة، وكان يعشقها ابن زيدون ونظم في حبها الكثير من القصائد الشعرية، وكانت ولادة بنت المستكفي تبادله المشاعر، وكانت تطارحه شعرًا بشعر، وكان لديها مجلس معروف يرتاده الأدباء والشعراء.
حمدونة بنت زياد المؤدب
وعرفت حمدونة أيضًا بخنساء المغرب بسبب قوة شعرها ورقي إبداعها، ولها مقطوعتان من أروع وأجمل ما قيل في المشرق والمغرب كذلك، وما زال أهل العلم والبلاغة يتخذونها مثلًا أعلى وينسجون على منوالها، وكانوا يحذون حذوها في الشعر.
أم العلاء بنت يوسف الحجازية وأصلها أمازيغي، وكانت تفتخر ببلدها وقبيلتها في شعرها، ومن أشعارها المعروفة:
لله بستاني إذا
يهفو به القصب المندى
فكأنما كفُّ الريا
ح قد أسندت بندا فبندا
الخصائص الفنية لشعر المرأة الأندلسية
1- كانت تتميز قصائد المرأة بالموضوع الواحد، ووصفت بأن معظمها قصائد ذات طابع قصير ومقطوعات.
2- الوصف البسيط وجماله، وكان خالي من التكلف والتصنع، وكانت صوره خاضعة لعاطفة المرأة المتدفقة.
3- تأثر الشاعرات الأندلسيات بالبيئة الطبيعية للأندلس.
4- خلو شعرهن من المداخلة، كما كان شعر الشعراء عندما يخلطون بين المديح والغزل، والفخر والهجاء، ويعزون سبب ذلك إلى أن شعرهن عبارة عن مقطوعات وأبيات، ولم يعرف عنهن قصائد إلا قليلًا.
5- عدم نظمهن في جميع البحور الشعرية حيث لم يعثر على شعر لهن إلا في سبعة بحور، وهي: الرجز والمضارع والمقتضب والهزج والمديد والمنسرح والمتدارك، أما باقي البحور الشعرية الأخرى فلقد وجدت في شعرهن بنسب قليلة جدًا ومتفاوتة.
6- عرف عن الشاعرات الأندلسيات احترامهن الشديد للقافية، ولم يُعثر في شعرهن على عيب واحد من عيوبها، مثل الإبطاء والإقواء وغير ذلك من العيوب.
7- خضوع شعر المرأة الأندلسية إلى قاعدة الوحدات الثلاث، وحدة القافية ووحدة البناء مجتمعة مع وحدة البحر.
8- عند تناول شعرهن بالدراسة النحوية تبين أن شعرهن مُعرب، والتزمن فيه بالقواعد العربية، ولم يخرجن عنها.
وفي النهاية نستنتج أن للمرأة الأندلسية مكانة عالية مرموقة في هذا العصر، وبرزن بشكل واضح في مجال الشعر والآداب، وتفننت في العديد من أغراض الشعر، مثل المديح والهجاء والغزل والوصف، وظهر في هذا العصر نخبة من أشهر الشاعرات.