المظاهر الاجتماعية في الأدب في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


عرفت البيئة الأندلسية في وقت الحكم العربي بالتعدد الثقافي والانسجام الاجتماعي، فلقد كانت تتكون البيئة الأندلسية من مجموعات مختلفة الأصول والديانات، ومن المعروف أن هذه العناصر قد تفاعلت تفاعلًا قويًا جعل من المجتمع الأندلسي مجتمعًا قويًا ومتميزًا في بنائه الحضاري والأدبي والفكري ولا يمكن لذلك أن يكون لولا سياسة ملوك وحكام الأندلس التي بنيت على الترابط والتسامح، واحترام جميع طبقات المجتمع الأندلسي ولقد عاصر الشعر الحياة الاجتماعية في الاندلس وصور كثيرًا من مظاهرها، وفي هذا المقال سنتناول أهم المظاهر التي تناولها الشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي وسنذكر بعض هذه الأشعار، كما سنتطرق إلى الخصائص الفنية للشعر الاجتماعي.

مظاهر الشعر الاجتماعي في العصر الاندلسي

تناول الشعراء العادات والتقاليد لدى الشعب الأندلسي في جميع المناسبات التي كانت تختص بأفراحهم وأحزانهم، مثل ترقب الناس لهلال شهر رمضان، ومراقبتهم أيضًا هلال العيد والفرحة الكبيرة بذلك، وكانوا يتبادلون التهاني فيما بينهم بهذه المناسبات، وفي ذلك قول أبو الحسن بن هارون الشَّنْتَمري:

يا ليلة العيد عُدْتِ ثانيةً     وعاد إحسانُكِ الذي أذْكُرْ

إذا أقْبل النّاسُ ينظرون إلى     هلالك النَّضْوِ ناحلًا أصفرْ

فقلتُ لا مؤمنًا بقولي بل      مُعَرّضًا للكلام لا أكثرْ

بلْ أثَّر الصَّومُفي هلالكم      هذا الذي لا يكاد أنْيظهرْ

وفي مناسبة تهنئة الحكام بالعيد يقول ابن زيدون مهنئًا حاكم قرطبة أبا الوليد بن جهور:

هنيئًا لك العيدُ الذي بك أصبحت     تروق الضُّحى منه وتندى الأصائل

تلقاك بالبشرى وحيّاك بالمنى      فبُشراك ألفٌ بعد عامك قابل

ومن عادات وتقاليد أهل الأندلس المشهورة أنهم كانوا يلبسون الثياب البيضاء في مناسبات الأحزان والأتراح، وفي هذا يقول أبو الحسن الحصري:

إذا كان البياض لباس حزنٍ      بأندلسٍفذاك من الصّواب

ألم ترني لبست بياض شيبي     لأني قد حزنت على شبابي

ومن المظاهر الاجتماعية المهمة التي ظهرت في الشعر الأندلسي مشاركة المسحيين في الأندلس ومناسباتهم، ولقد تم إعطاءهم حرية العبادة وإنشاء الكنائس في العصر الأندلسي، وفي ذلك يقول الشاعر حسان بن أبي عبدة:

أرى المهرجان قد استبشرا      غداة بكى المُزن واستعبرا

وسربلت الأرض أفوافها       وجلّلت السندس الأخضرا

وهزّ الرياح صنابيرها       فضوعت المسك والعنبرا

تهادى به النّاس ألطافهم    وسام المُقل به المُكْثرا

وفي وصف الحرف والمهن التي كان يعمل بها أهل الأندلس، تناولوا في هذا الشعر معاناة العمال والحرفيين، ومثال ذلك ما قاله ابن سارة الأندلسي مصورًا كساد حرفة الوِراقة:

أما الوراقة فهي أنكد حرفةٍ      أوراقها وثمارها الحرمان

شبهت صاحبها بصاحب إبرةٍ    تكسو العُراة وجسمها عريان

وفي مشاهد التطور الذ حصل من ناحية المباني مثل بناء القصور والمساجد وغيرها، قال ابن وهبون في وصف قصر الزاهي في مدينة إشبيلية ما يلي:

وللزاهي الكمال سَنًا وحسنًا       كما وسع الجلالة والكمالا

يُحاط بشكله عرضًا وطولًا         ولكن لا يحاط به الجمالا

وقورٌ مثل رُكن الطَّود ثبتًا          ومختالٌ من الحُسن اختيالا

فما أبقى شهابًا لم يصوَّب       ولا شمسًا ينير ولا هلالا

ولقد عرف عن الأندلسيين صفات خاصة تميز بها، ومن هذه الصفات أنهم كانوا مشهورين في النظافة، كنظافة الملبس والمأكل حتى لو كان ذلك بسيطًا، أفضل من أن يأكلوا أكلًا غير نظيف، ومن عاداتهم أيضًا أنهم كانوا يمشون في شوارعهم ورؤوسهم عارية، فترى القاضي والمفتي وهو عاري الرأس.

وكان معروف عن الأندلسيين أنهم كانوا متعصبين لبلادهم، فنلاحظ هذا التعصب في تراجم علمائهم، فمنهم من كان يلقب بالمالقي، أو يلقب بالبلنسي، أو الغرناطي وغير ذلك، كما كان معروف ذلك في الشرق مثل: البخاري، والبغدادي، والبصري.

أما عن طريقتهم في التعليم فلقد اختلفوا في ذلك عن أهل الشرق، الذي كان يتعلم فيه الصبي أولًا يحفظ القرآن الكريم في بداية التعليم دون فهم المعنى، ثم يأتي بعد ذلك تعلم اللغة العربية، ولكن العلماء عابوا هذه الطريقة في التعليم؛ لأنه قد يكون عرضة لفهم المعاني بأسلوب خاطئ، أما في الأندلس فلقد كانوا يهتمون بتعليم اللغة العربية أولًا، ثم بعدها يحفظون القرآن الكريم.

ولقد تعوّد الأندلسيون وفي الشرق أيضًا أن لا يحكموا أنفسهم بذاتهم، وإنما كانوا يعتمدون على شخص قوي شديد يحكمهم ويوجههم، ولذلك نرى أن الأمور تسير بشكل مستقيم عندما يحكمهم رجل قوي وحازم، وعكس ذلك تنتشر الفوضى ويعم الاضطراب، وكان هذا الأمر أقوى في الأندلس عنه في المشرق؛ ويعود سبب ذلك إلى عناصر سكانها المختلفة، فلقد كان من قبائلها العرب، والبربر، والصقالبة، والإسبان، فلا بد من وجود حاكم حازم يستطيع التعامل مع هذه العناصر المتباينة والمختلفة وإلا عمَّ الفساد وانتشرت الفتنة في البلاد.

وتميزت الأندلس بعد قدوم العرب والمغاربة إليها فلقد أصبحت وطنًا للكثير من الشعوب الأوروبية والآسيوية، فلقد سكن فيها العديد من العرب والبربر، وكذلك جاء إليها الإسبان ومن فرنسا ومن دول مختلفة؛ ونستطيع القول هنا بطريقة أخرى أن العنصر السامي والعنصر الآري قد تجمع فيها. وكان لهذا التجمع أثر واضح في لغتهم وموسيقاهم وعادتهم وتقاليدهم.

الخصائص الفنية للشعر الاجتماعي

1- يميل الشعر الاجتماعي في العصر الأندلسي بتوظيف المعاني البسيطة وكذلك استخدام الصور الشعرية السهلة، ومثال على ذلك: تشبيه صاحب الوراقة بصاحب الإبرة التي تكسوا الناس، وأيضًا اثر الصوم في الهلال فلقد أثر فيه حتى أصبح نحيلًا.

2- توظيف اللغة السهلة وكذلك الألفاظ الاجتماعية المنتشرة في المجتمع الأندلسي مثل المهرجان، والوراقة، وليلة العيد.

3- لقد تغلب طابع المقطوعات الشعرية القصيرة على الشعر الأندلسي، وخصوصًا عند وصف الحرف والمهن، وعند تبادل التهاني في المناسبات المختلفة.

4- تميز الشعر الاجتماعي الأندلسي بأنه لا يوجد فيه عبارات غير مفهومة، وظهور التناسق بين هذه العبارات فلقد استخدموا المحسنات البديعية بكثرة ولكن بدون تكلف أو تصنع بذلك.

وفي النهاية نستنتج أن المجتمع الأندلسي تفرّد في تميزه في فترة الحكم العربي بالتعدد الثقافي والتناغم الاجتماعي بين طبقاته، حيث أنه كان يتألف من عناصر مختلفة في الأصول والأديان بشكل كبير، وهنا اندمجت هذه العناصر اندماجاً متميزًا كبيراً وواضحاً، مما جعل من المجتمع الأندلسي مجتمعًا متميزًا في بنائه الحضاري والفكري بشكل فريد.

ولكل ذلك لا يمكن أن يكون إلا بسياسة حكام الأندلس التي كانت تعتمد على التعايش والتسامح وقتها، واحترام جميع مكونات المجتمع الأندلسي على اختلافها، ولقد عايش الشعر الحياة الاجتماعية في العصر الأندلسي، فصوّر كثيرًا من مظاهرها ومشاهدها ومن عادتهم وتقاليدهم في جميع وكافة المناسبات.


شارك المقالة: