يُنظر إلى الفيلسوف جورج إدوارد مور عادةً على أنّه مبتكر منهجي مهم، حيث في الواقع من المفترض أن تكون طريقته في التحليل الفلسفي مصدر إلهام تكويني للحركة التحليلية في الفلسفة.
ومع ذلك من المضلل التحدث عن منهج مور الفلسفي، فمور كان ما يمكن أن نسميه فيلسوفًا عرضيًا، وذلك باعترافه الخاص لم يكن لديه دافع فطري لتطوير فلسفة منهجية، بل بدلاً من ذلك كان متحمسًا إلى الفلسفة فقط من خلال التحديات الغريبة التي طرحتها بعض مزاعم الفلاسفة على معتقداته المنطقية:
“لا أعتقد أنّ العالم أو العلوم قد اقترحت لي أي مشاكل فلسفية، وما اقتُرح لي مشاكل فلسفية هو الأشياء التي قالها فلاسفة آخرون عن العالم أو العلوم“.
نهج مور الفلسفي:
في مجلد مكتبة الفلاسفة الأحياء عن مور ينتقد فيفيان جيرولد ماكجيل نهج مور الجزئي للفلسفة، فلقد لاحظ بحق أنّ مور حاول تطوير أي نظام فلسفي كبير لكنه عمل بدلاً من ذلك في عدد قليل من المجالات المحددة.
على سبيل المثال الأخلاق والإدراك والمنهج الفلسفي، حيث يلقي ماكجيل باللوم على نهج مور في الفلسفة على التزامه بأسلوب لم يكن مناسبًا للتعامل مع أنواع أخرى من القضايا الفلسفية، ومع ذلك في رده على ماكجيل رفض مور هذه الفكرة:
“من الصحيح بالطبع أنّ هناك الكثير من المشاكل الفلسفية المثيرة للاهتمام والتي لم أقل كلمة واحدة عنها، ثم يقترح السيد ماكجيل أنّ سبب عدم تعاملي مع بعض هذه الأسئلة الأخرى ربما كان أنني كنت مرتبطًا ببعض الأساليب المعينة”.
ويؤكد ماكجيل أنّ هذه الأساليب لم تكن مناسبة للتعامل معها، ولكنه أعتقد أنّه يستطيع أن يؤكد أنّ الأمر لم يكن كذلك، حيث بدأ في مناقشة أنواع معينة من الأسئلة لأنّها كانت أكثر ما يثير اهتمامه، وكذلك اعتمد طرقًا معينة فقط (بقدر ما تبناها) لأنّها بدت له مناسبة لهذه الأنواع من الأسئلة، ولم يكن لديه أي تفضيل لأي طريقة.
بمعنى ما إذن لم يكن لدى مور طريقة، ولكن بالطبع كانت لديه طريقة في التعامل مع فلسفته، ويمكن للمرء أن يسمي هذا طريقة مور، وفي هذه الحالة ستتألف الطريقة من:
- أولاً من معالجة المشكلات الفلسفية المنعزلة بدلاً من محاولة بناء نظام فلسفي.
- ثانيًا عند معالجة إحدى هذه المشكلات المنعزلة سيتطلب الأمر محاولة توضيح ما هو المقصود بالمقترحات والمفاهيم الأساسية لتوضيح المشكلة، وبعبارة أخرى يجب تحليل المقترحات والمفاهيم، وبالمثل مع المقترحات والمفاهيم المتضمنة في الإجابة (أو الإجابات المحتملة).
نهج مور الفلسفي والفلسفة التحليلية:
من منظور الحقيقة التاريخية ثبت أنّ استخدام مور للتحليل لحل المشكلات الفلسفية المعزولة ومن ثم منهجه له تأثير أكبر على الفلسفة من أي من نظرياته المطورة في الميتافيزيقيا أو نظرية المعرفة أو الأخلاق، وعلى الرغم من أنّ وجهات نظره المبكرة حول الحقيقة والافتراضات قدمت خروجًا ميتافيزيقيًا وإبستمولوجيًا ضروريًا عن المثالية البريطانية، إلّا أنّها سهلت فقط ظهور الفلسفة التحليلية.
حيث جاء جوهر الحركة من استخدام مور للتحليل كأسلوب، وفي الواقع على الرغم من أنّ استخدام كلمة تحليل في الفلسفة يسبق مور إلّا أنّ مور هو أول من استخدمها بالمعنى الذي أعطى الحركة اسمها في النهاية.
ولسوء الحظ كان الكثير من تأثير مور في هذا الصدد مبنيًا على خطأ، حيث أنّ التكافؤ التجريبي للتعريف والتحليل الذي تحدث عنه مور كان مصدر إرباك لمعاصري مور، وعلى الرغم من بذل مور قصارى جهده لشرح خلاف ذلك فقد اعتبره الكثيرون أنّه اخترع التحليل اللغوي وأيدوه.
ويمثل نورمان مالكولم هذا المفهوم الخاطئ الشائع عندما يقول: “يتمثل جوهر أسلوب مور في دحض العبارات الفلسفية في الإشارة إلى أنّ هذه العبارات تتعارض مع اللغة العادية”، ويواصل مالكولم ربط تراث مور الفلسفي بأكمله بطريقته اللغوية:
“يتمثل الدور التاريخي العظيم لمور في حقيقة أنّه ربما كان الفيلسوف الأول الذي شعر بأنّ أي بيان فلسفي ينتهك اللغة العادية خاطئ، ويدافع باستمرار عن اللغة العادية ضد منتهكيها الفلسفيين”.
لكن مور رفض صراحة فكرة أنّ تحليلاته كانت بأي معنى مهم (لغوية)، حيث أصر على (في استخداماتي)، “يجب أن يكون التحليل مفهومًا أو فكرة أو اقتراحًا وليس تعبيرًا لفظيًا”:
ولم يقصد أبدًا استخدام كلمة تحليل بطريقة تجعل التحليل تعبيرًا لفظيًا، وعندما تحدث عن تحليل أي شيء كان ما تحدث عن تحليله دائمًا فكرة أو مفهومًا أو اقتراحًا وليس تعبيرًا لفظيًا، وهذا يعني إذا تحدث عن تحليل قضية كنت دائمًا أستخدم اقتراحًا بمعنى أنّه لا يوجد تعبير لفظي (لا جملة على سبيل المثال)، يمكن أن يكون اقتراحًا بهذا المعنى.
توضح فلسفة مور في الميتافيزيقيا بما يمكن القول أنّ الاقتراح الموري ليس سوى كيان لغوي، فكيف نشأ سوء التفاهم هذا إذن؟ حتى الاستقصاء الموجز لعمل مور سيكشف أنّه غالبًا ما استخدم مصطلحات مثل المعنى والتعريف والمسند لوصف ما كان يتعامل معه أو يبحث عنه في أنشطته الفلسفية، ومن السهل معرفة كيف تشير هذه إلى أنّه كان منخرطًا في بعض المشاريع اللغوية.
في مثال صارخ بشكل خاص من الميادئ الأخلاقية (Principia Ethica) حدد مور موضوع دراسته بعبارات نحوية واضحة: “نقاشي حتى الآن يقع تحت رأسين رئيسيين ففي الجزء الأول حاولت توضيح معنى الخير -صفة الخير-“، وفي هذه الحالة يبدو أنّ مور نفسه خلط بين كيان لغوي – صفة جيد- مع كيان مفاهيمي.
وبتواضع مميز سارع مور إلى اعتبار نفسه مسؤولاً جزئياً عن التفسير اللغوي لطريقته، واعترف: “لقد استخدمت في كثير من الأحيان كلمة يعني في إعطاء التحليلات، وبالتالي أعطيت انطباعًا خاطئًا”، وعلى الرغم من أنّ التفسير اللغوي لمور استمر حتى بعد وفاته بفترة طويلة إلّا أنّ المنح الدراسية الحديثة استمرت في إيصال النقطة إلى الوطن بأنّ هذا خطأ ويبدو أنّ الرسالة قد سمعت أخيرًا.
حتى بغض النظر عن الخطأ اللغوي يبدو أنّ الخطوط العامة لـ (طريقة مور) الحقيقية كان لها تأثير دائم خاص بها، وفي عمله الأخير حول تاريخ الفلسفة التحليلية يعتبر سكوت سومز اثنتين من السمات المميزة الثلاثة للحركة:
- “التزام ضمني حيث إلى مُثُل الوضوح والصرامة والجدل”.
- “افتراض واسع الانتشار، وأنّه من الممكن في كثير من الأحيان إحراز تقدم فلسفي من خلال التحقيق المكثف في مجموعة صغيرة ومحدودة من القضايا الفلسفية مع تعليق القضايا المنهجية الأوسع نطاقا”.
- ومن بين أهم إنجازين له يتضمن الاعتراف بأنّ الفلسفية يجب أن تستند التكهنات إلى الفكر ما قبل الفلسفي، ويمكن إرجاع كل من هذه العناصر مباشرة إلى مور وطريقته.