الشكوى الشائعة حول محاولة أرسطو للدفاع عن مفهومه للسعادة هي أنّ حجته عامة جدًا لإظهار أنّه من مصلحة الفرد امتلاك أي من الفضائل الخاصة كما يتم تصورها تقليديًا، فعند فعل أي شيء جيدًا بما في ذلك العيش بشكل جيد يعني ممارسة مهارات معينة، ومن الممكن تسمية هذه المهارات بالفضائل.
ولكن إنّ هذه النقطة في حد ذاتها لا تسمح لنا باستنتاج أنّ صفات مثل العدالة والشجاعة كما تُفهم عادةً هي فضائل، ويجب اعتبارها فضائل فقط إذا كان من الممكن إثبات أنّ تحقيق هذه المهارات بدقة هو ما تتكون منه السعادة، إذن من المدين به أرسطو هو سرد لهذه الصفات التقليدية التي تشرح لماذا يجب أن تلعب دورًا مركزيًا في أي حياة جيدة.
أرسطو والفضائل التقليدية والمشككين:
يعارض أرسطو ويرفض قبول الجدل حول دراسته، ففي واحدة من العديد من الملاحظات المنهجية الهامة التي أدلى بها بالقرب من بداية الأخلاق النيقوماخية، يقول إنّه من أجل الاستفادة من نوع الدراسة التي يجريها يجب أن يكون المرء قد نشأ بالفعل في عادات جيدة، وبعبارة أخرى يتألف الجمهور الذي يخاطبه من أناس عادلين وشجعان وكرماء، أو هم في طريقهم لامتلاك هذه الفضائل.
لماذا لا يخاطب أولئك الذين لديهم شكوك جدية حول قيمة هذه الصفات التقليدية، والذين لم يقرروا بعد تربيتها واحتضانها؟
مخاطبة المشككين الأخلاقيين هو المشروع الذي قام به أفلاطون في الجمهورية، وذلك في الكتاب الأول يتدرب على حجة لإظهار أنّ العدالة ليست في الحقيقة فضيلة، وما تبقى من هذا العمل هو محاولة لدحض هذه الأطروحة، ويبدو أنّ مشروع أرسطو مختلف تمامًا ظاهريًا على الأقل، فلا يبدو أنّه يخاطب شخصًا لديه شكوك حقيقية في قيمة العدالة أو الصفات القبلية، ربما إذن يدرك مدى ضآلة ما يمكن إنجازه في دراسة الأخلاق لتزويدها بأساس عقلاني.
ربما يعتقد أنّه لا يمكن إعطاء سبب لكونك عادلاً وكريمًا وشجاعًا، وهذه هي الصفات التي يتعلم المرء أن يحبها عندما يكون طفلاً وبعد أن اعتاد المرء بشكل صحيح، ولم يعد المرء يحتاج إلى سبب لممارستها، ويمكن للمرء أن يُظهر أنّ السعادة تكمن في ممارسة بعض المهارات أو غيرها، ولكن المهارات الأخلاقية للشخص الفاضل هي ما يحتاجه المرء ليس اقتراحًا يمكن تأسيسه على أساس الجدل.
ومع ذلك فهذه ليست الطريقة الوحيدة لقراءة الأخلاق، وبالتأكيد ليس ممكنًا توقع من أرسطو أن يُظهر ماهية الفضائل التقليدية التي تجعلها جديرة بالاهتمام حتى يناقش بشكل كامل طبيعة تلك الفضائل، وهو نفسه يحذرنا من أنّ بيانه الأولي حول ماهية السعادة يجب أن يُعامل على أنّه مخطط تقريبي يجب ملء التفاصيل لاحقًا.
نيته في الكتاب الأول للأخلاق هو الإشارة بطريقة عامة إلى سبب أهمية الفضائل، ولماذا الفضائل الخاصة الشجاعة والعدالة وغيرها هي مكونات للسعادة هو شيء يجب أن نكون قادرين على فهمه بشكل أفضل فقط في وقت لاحق.
على أي حال فإنّ تأكيد أرسطو على أنّ جمهوره يجب أن يكونوا قد بدأوا بالفعل في تنمية الفضائل لا يجب أن يؤخذ على أنّه لا يمكن العثور على أسباب للشجاعة والعادلة والكرم، وبدلاً من ذلك قد تكون وجهة نظره أنّه في الأخلاق كما هو الحال في أي دراسة أخرى لا يمكننا إحراز تقدم نحو فهم سبب كون الأشياء كما هي ما لم نبدأ بافتراضات معينة حول ما هو عليه الحال.
ولا يبدأ البحث النظري أو العملي من الصفر، فالشخص الذي لم يقم بأي ملاحظات للظواهر الفلكية أو البيولوجية لم يتم تجهيزه بعد ببيانات كافية لتطوير فهم هذه العلوم، والنقطة الموازية في الأخلاق هي أنّه لإحراز تقدم في هذا المجال يجب أن نتمتع بالفعل بما هو عادل وشجاع وكريم وما شابه، ويجب أن نختبر هذه الأنشطة ليس كقيود مرهقة، ولكن باعتبارها نبيلة وجديرة بالاهتمام وممتعة في حد ذاتها، بعد ذلك عندما ننخرط في تحقيق أخلاقي يمكننا أن نسأل ما الذي يجعل هذه الأنشطة جديرة بالاهتمام.
ومن الممكن أيضًا مقارنة هذه الأشياء بأشياء أخرى مرغوبة في حد ذاتها كالصداقة والشرف وغيرها، والسؤال عما إذا كان أي منها مرغوبًا أكثر من الآخرين، ونتعامل مع النظرية الأخلاقية بحزمة غير منظمة من إبداءات الإعجاب وعدم الإعجاب بناءً على العادة والخبرة، وهذا الاضطراب هو سمة حتمية للطفولة، ولكن ما لا مفر منه هو أنّ التجربة المبكرة ستكون غنية بما يكفي لتوفير أساس مناسب للتفكير الأخلاقي المفيد ولهذا السبب يجب أن نكون قد نشأنا جيدًا.
ومع ذلك يمكن لمثل هذه التنشئة أن تأخذنا بعيدًا فقط، ونسعى لفهم أعمق لأشياء حماسة طفولتنا، ويجب أن ننظم أهدافنا حتى يكون لدينا كبالغين خطة متماسكة للحياة، ونحن بحاجة إلى الانخراط في النظرية الأخلاقية والتفكير جيدًا في هذا المجال، إذا أردنا أن نتجاوز الشكل المتدني للفضيلة الذي اكتسبناه كأطفال.
نهج أرسطو بين الاختلاف والانجذاب إلى أفلاطون:
يتمثل نهج أفلاطون في أنه ميزة عظيمة لإنشاء ترتيب هرمي للعناصر في روح المرء، ويوضح كيف يمكن تفسير الفضائل التقليدية لتعزيز أو التعبير عن العلاقة الصحيحة بين العقل والعناصر الأقل عقلانية في النفس، ونهج أرسطو مشابه حيث تُظهر حجته الوظيفية بطريقة عامة أنّ الخير يكمن في هيمنة العقل، والدراسات التفصيلية للفضائل الخاصة تكشف كيف يتضمن كل منها النوع الصحيح من الترتيب للروح.
هدف أرسطو هو الوصول إلى استنتاجات مثل استنتاجات أفلاطون، ولكن دون الاعتماد على الميتافيزيقيا الأفلاطونية التي تلعب دورًا مركزيًا في حجة الجمهورية، ويرفض وجود أشكال أفلاطون بشكل عام وشكل الخير بشكل خاص، ويرفض فكرة أنّه لكي يصبح المرء فاضلاً بشكل كامل يجب أن يدرس الرياضيات والعلوم وأن يرى كل فروع المعرفة كوحدة واحدة.
وعلى الرغم من أنّ نظرية أرسطو الأخلاقية تعتمد أحيانًا على الفروق الفلسفية التي تم تطويرها بشكل كامل في أعماله الأخرى، إلّا أنّه لم يقترح أبدًا أنّ طلاب الأخلاق بحاجة إلى الانخراط في دراسة متخصصة للعالم الطبيعي أو الرياضيات أو الأشياء الأبدية والمتغيرة، ويهدف مشروعه إلى جعل الأخلاق حقلاً مستقلاً، وإظهار سبب عدم احتياج الفهم الكامل لما هو جيد إلى خبرة في أي مجال آخر.
والتناقض مع أفلاطون بأنّ العدالة يجب أن توضع في هذه الفئة، ولكن بما أنّه من المتفق عليه عمومًا أنّه مرغوب فيه لعواقبها، فإنّه يكرس معظم وقته لتأسيس وجهة نظره الأكثر إثارة للجدل وهي أنّ العدالة يجب أن تُسعى لمصلحتها الخاصة، على النقيض ذلك يفترض أرسطو أنّه إذا كان (A) مرغوبًا من أجل (B)، فإن (B) أفضل من (A)، ولذلك يجب أن يكون أعلى نوع من الخير غير مرغوب فيه من أجل أي شيء آخر.
ولإثبات أنّ (A) تستحق أن تكون غايتنا النهائية يجب على المرء أن يُظهر أنّه من الأفضل التفكير في جميع الحاجات الأخرى على أنّها أدوات تروج لـ(A) بطريقة أو بأخرى، ووفقًا لذلك لن يخدم غرض أرسطو اعتبار النشاط الفاضل بمعزل عن جميع الحاجات الأخرى، فالنشاط الفاضل يجعل الحياة سعيدة ليس بضمان السعادة في جميع الظروف، ولكن من خلال العمل كهدف من أجل الحصول على حاجة أقل.
لذلك فإنّ منهجية أرسطو في الأخلاق تولي اهتمامًا أكبر من اهتمام أفلاطون للروابط التي تحصل عادةً بين الفضيلة والحاجات الأخرى، وهذا هو السبب في أنّه يؤكد أنّه يجب أن يكون المرء راضياً عن الاستنتاجات التي لا تصمد إلّا في معظمها.
وعادة ما يكون الفقر والعزلة والعار عوائق أمام ممارسة الفضيلة وبالتالي السعادة، على الرغم من أنّه قد تكون هناك ظروف خاصة لا تكون كذلك، وإنّ إمكانية الاستثناءات لا تقوض النقطة القائلة بأنّ العيش الكريم كقاعدة عامة يعني أن يكون لديك موارد كافية للسعي وراء الفضيلة على مدار العمر.