الصفات المنفرة للأشخاص تولد الشك داخل الإنسان بعد تصديقهم، وإن كانوا صادقين، ففي هذا الزمن تكثر الحيرة ويفنى اليقين ويسود الشك، إذ أن من يشك بالأخرين يصعب عليه تبديل الشك باليقين.
قصة مثل “الموضوع فيه إنّ”:
درات أحداث هذا المثل في مدينة حلب، حيث كان هناك أمير يتسم بالذكاء يدعى علي بن المنقذ، فكان تابع إلى الملك محمود بن مرداس، وفي مرة من المرات حدث خلاف بين الأمير والملك، فبدر إلى ذهن الأمير أن الملك سوف يقوم بقتله، فهرب بنفسه من مدينة حلب إلى مدينة دمشق، حينها طلب الملك من الكاتب الموجود عنده أن يقوم بكتابة رسالة حتى يرسلها إلى الأمير، يُشعره بها بالإطمئنان ويطلب منه العودة إلى مدينة حلب.
كان الملوك في قديم الزمان يسندون وظيفة الكتابة إلى رجال أذكياء؛ ليحسنوا في صياغة الرسائل المرسلة؛ لأن عادة ما يرسل الملوك الرسائل إلى ملوك مثلهم أو أُمراء، فيجب أن تكون الرسائل متميزة بحسن الصياغة، مما كان يجعلهم في بعض الأحيان يلجأوون إلى كتابة الرسائل بأنفسهم، وكان بعض الكتاب يصبحون ملوك بعد وفاة ملوكهم، فأحس الكاتب حينها أن الملك يريد أن يغدر بالأمير، فكتب رسالة عادية للأمير لا تتضمن محتوى مهم، وفي نهاية الرسالة كتب عبارة إنّ شاء الله مشدداً على حرف النون.
وعنما وصلت الرسالة للأمير وقرأها، تعجب من اختلاف الخط بين الرسالة وبين العبارة التي في نهايتها، فقد كان الأمير على علم بمهارة الكاتب وحذاقته وبراعته، فأدرك حينها أن الكاتب يريد أن يحذره من أمر معين، وذلك من خلال التشديد على حرف النون، فتذكر قول الله تعالى (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك )، ثم أرسل الأمير رد عادي يشكر فيه الملك على فضله ويشكره على الثقة الكبيرة به، وختمها بالجملة التالية (إنّا الخادم المقر بالأنعام)، فحين قرأها الكاتب أدرك أن الأمير بلغهُ تحذيره المكمون وتنبه إليه، وأنه رد بقول الله تعالى (إنّا لن ندخلها ما داموا فيها)، فاطمئن الكاتب أن الأمير لن يعود إلى مدينة حلب ما دام هذا الملك الطاغي فيها، ومنذ ذلك الحين والأجيال تتناقل هذا المثل.
دلالة مثل “الموضوع فيه إنّ”:
يقال هذا المثل في المواقف التي تتعلق بالشك وسوء النية، أو وجود أمر غامض في قصة ما، فالإنسان الذكي يمتلك الحنكة في التفريق بين الشخص الصادق والشخص الذي ينوي به شراً.