تمركز النقد الأدبي في العصر الأندلسي في أول الأمر على النقد المشرقي، فلقد تأثر الشعراء والأدباء في الأندلس بشعراء وكتاب المشرق العربي، فهذا يحيى الغزال كان صورة مطابقة للصورة النواسية في الأندلس بالرغم من الاختلافات البسيطة في بعض جزئيات هذه الصورة أو اختلاف ملامحها، وكذلك تأثر ابن هانئ بالمتنبئية في الغرب الإسلامي.
مدارات النقد الأدبي
دار النقد الأدبي في ذلك العصر في الأمور التي تختص بالدفاع عن الأندلس وأدب الأندلس، ومن أشهر علماء الأندلس والأدباء فيها هو نافع الفقيه ابن حزم، ولعل الدافع الأول لظهور النقد الأدبي في العصر الأندلسي كان سببه التوجه للتخلص والتحرر من الأدب العربي المشرقي، فلقد شجع ذلك أدباء الأندلس لرفض التبعية الأدبية، وشجعهم على الاستقلال في أدبهم، فلقد ظل هذا الموضوع يقلق علماء الأندلس وأدبائها، فهذا ابن حزم يقوم بتأليف رسالة في فضل الأندلس، ويذكر فيها رجالها والأدباء.
نظريات النقد الأدبي الأندلسية
نظرية ابن طباطبا العلوي في عيار الشعر
ألّف محمد أحمد بن طباطبا العلوي كتاب أسماء عيار الشعر، تناول فيه وصف الشعر وهو السبب الرئيسي لنظمه، ولقد اشتمل هذا الكتاب في بدايته على عناصر الوظيفة والمصدر المعرفي حيث قال بخصوص الشعر:
نقد ابن طباطبا في الشعر
1- يقول في تعريف وتوضيح الشعر أنه كلام منظوم مختلف عن المنثور الذي اعتاد الناس على استخدامه في خطابهم، وبما يخص النظم فإذا خرج عن منظوم الشعر صعب الاستماع إليه، وأصبح غير مستساغ للمتلقي.
2- من استقام طبعه وذوقه لم يعد بحاجة إلى استخدام العروض في نظم شعره، أما من كان ذوقه مضطربًا لا يستطيع الاستغناء عن العروض فهو ميزان الشعراء، فيستخدم العروض لتصحيح وتقويم شعره، فينتج شعرًا لا تكلف فيه.
3- ربط ابن طباطبا بين النظم وقوانين العروض.
4- يربط صحة الطبع واستقامته بالذوق عند الشعراء.
5- الشعر الذي نظم على الطبع دون تكلف.
6- يفرق بين المعرفة التي اكتسبها فأصبحت جزء لا يتجزأ من عفوية الشاعر، وبين معرفة علم الشعر وأدواته.
7- معرفة أدوات ومصادر الشعر قبل البدء بنظم الشعر.
8- أن يكون قوافيه مناسبة لمعانيه.
9- أن تكون الألفاظ معبرة وموضحة للموضوع الرئيسي للشعر المنظوم دون تعقيد وتكلف فيه.
أدوات الشاعر عند ابن طباطبا
أما بخصوص أدوات الشاعر عند ابن طباطبا فكانت كما يلي:
1- أن يكون متوسع في اللغة.
2- أن يكون بارع في فهم الإعراب.
3- الرواية لفنون الآداب.
4- معرفة أحوال الناس وأنسابهم.
5- التوقف عند مذاهب العرب في تأسيس الشعر.
6- التحكم وحسن التصرف بحكاياتها وأمثالها.
أفكار ابن طباطبا الرئيسية في النقد
وبخصوص أفكار ابن طباطبا الرئيسية في الوظيفة والمعرفة الشعرية فهناك مجموعة من الأفكار الأساسية لدى ابن طباطبا وهي:
1- اعتمد الشاعر المتميز على الصدق والموافقة بين حكايته وتشبيهاته.
2- تسابق شعراء عصره على استخدام المعاني البديعية والألفاظ الفصيحة، وصور لطيفة وخلابة، فإذا قصر أي شاعر بذلك لا يتلقى القبول.
3- ينهج الشاعر نهج أدباء الرسائل في قوة بلاغاتهم.
4- من الأشعار ما هو محكم الإتقان، وقوي في ألفاظه، وعجيب في تأليفه، هناك حكمة في معانيه فتحسن في الشعر وتقبح في غيره.
5- يجب على الشاعر أن لا يعلن شعر على الناس إلا بعد التأكد من جودته.
6- استمد العرب عامةً والأندلسيون خاصةً أوصافهم وصورهم الفنية وتشبيهاتهم من الواقع المحيط بهم، ومن تجاربهم الشخصية التي مروا بها.
7- الشعر الموزون هو الشعر الذي يطرب الناس في سماعه، ويتوجهوا إلى فهمه فإذا اجتمع صحة الوزن الشعري مع الفهم مع قوة الألفاظ وجمال المعاني المنتقاة تم قبول هذا الشعر، وإن نقص جزء من هذه الأجزاء تم رفض هذا الشعر.
8- التوجه للمعاني الجميلة واستعمالها في الأشعار، فالشعر عبارة عن رسائل موجهة للناس، فيجب أن تكون مفهومة ذات قيمة عالية قريبة من المتلقي.
نظرية حازم القرطاجي للشعر
تأثر حازم القرطاجي بكتاب ارسطو تأثرًا كبيرًا في المنهج، فلقد أكثر من اهتمامه بالصناعة الشعرية، فيتحدث عن مفهوم الشعر بأنه عبارة عن كلام موزون مقفى محبب إلى النفس بما يشمل عليه من حسن التخيل ومحاكاة الواقع، وتناوله صورة بارعة غاية في الجمال، مستخدمًا قوة الألفاظ وصدق المشاعر والصور والتشبيهات، وهو بذلك متأثر كثيرًا بالفارابي وابن سينا، وفي ذلك جميعه نجده متأثرًا أيضًا باليونان،
نجد كلام ابن حازم هو تكملة واستمرار لكلام ابن سينا غير أن ذلك الفيلسوف يكتب في الشعر، وهذا الشاعر يعتمد على الفلسفة كثيرًا، وقام ابن حازم بتقسيم الشعر إلى قسمين: قشم يعتمد على الجِدّ، وقسم يعتمد على الهزل.
رأي حازم القرطاجي في ظاهرة الإبداع
وعن الإبداع فتنبثق المعاني الشعرية الفريدة من تناول هذا الفن لوصف حالات النفس وانفعالاتها وتأثراتها بما حولها، فهناك حالات وانفعالات تأثر بالنفس بين القبض والبسط. وحركات النفس منها ما هو مركب ومعقد ومنها ما هو بسيط ومتواضع، والأشكال التي تقع تحت هذه الأجناس هي: الاستغراب والاعتبار، والرضا والغضب والخوف والرجاء والتمني.
وهذا الإبداع لا يمكن حصوله إلا بتوفر ثلاثة أشياء رئيسية هي:
1- المهيئات: وأهمها هي الطبيعة وما تشمله من تضاريس خلابة من هواء عليل، وخضرة دائمة وغيرها، وكذلك العيش والتعامل مع الفصحاء الذين ترعرعوا على الإحساس المرهف بالإيقاع، وحفظ الكلام المقفى الموزون.
2- الأدوات: وهي التي تعتمد على قوة الألفاظ وجزالتها والإلمام بالعلوم، وجمال التصوير، وانتقاء المعاني الرائعة.
3- البواعث: وتنقسم إلى أطراب مثل الحنين والشوق والآمال والتمني، وإلى آمال كالاستشراف إلى العطاء.
أقسام الشعر عند حازم القرطاجي
قسّم حازم القرطاجي الشعر إلى الجِدّ والهزل:
شعر الجد
فهي طريقة الكلام التي ينبثق الكلام فيها عن مروءة وعقل، وفي هذه الطريقة يجب الابتعاد عن الهزل، أي الابتعاد عن الألفاظ الساقطة الضعيفة، ويتوجه نحو اللفظ الصريح في الفصاحة، ويعتمد أيضًا على المعاني الجيدة ويتحرى فيها المتانة والرصانة، ويبتعد عن ذكر غير ذلك.
شعر الهزل
فهي طريقة الكلام التي ينبثق الكلام فيها عن المجون والهزل والسخف بطريقة هزلية.
تقسيم الأغراض الشعرية نظرية حازم القرطاجي
اعتمد حازم القرطاجي في نظريته على أساس تقسيم الأغراض على البواعث لهذا رفض تقسيم الذين سبقوه في هذا المجال، وكان أساس منهجه يتسم بالدقة الشديدة التي كانت نتاج ثقافة واسعة وعمق في الاطلاع، فلقد ربط الأغراض الشعرية بالانفعالات النفسية التي تدفع بالشخص إلى نظم الشعر، كما تناول ابن حازم في بداية كلامه عن تقسيم الأغراض الشعرية إلى أقوال النقاد السابقين، وسرد اختلافهم في ذلك.
وكان تقسيم ابن حازم الأغراض إلى ستة أقسام رئيسية هي: المدح، والرثاء والهجاء والتشبيه والنسيب والوصف، أما الباقين فحصروها في خمس تقسيمات حيث دمج التشبيه مع الوصف، ولكن ابن حازم القرطاجي رفض هذا التقسيم.
وفي النهاية نستنتج أن النقد الأدبي كان يتمركز ويعتمد في بدايته على النقد المشرقي، وظهر تأثر شعراء وأدباء الأندلس بشعراء وأدباء وكتاب المشرق العربي، وتناولنا نظريات النقد الأدبي لدى بعض علماء الأندلس وبعض تقسيماتهم.