فلسفة برادلي في الذات الأخلاقية والتجربة الدينية

اقرأ في هذا المقال


تمثل رحلة الفيلسوف فرانسيس هربرت برادلي في علم النفس الأخلاقي جهدًا لشرح العملية التي يحدد فيها المرء رضا نفسه عن كائن مثالي معين، والذي يعد عنصرًا أساسيًا في بنية الفعل الإرادي، حيث إنّه يتتبع التحولات من الحالة البدائية للغاية للحياة العقلية إلى نوع الوعي الذي يظهره الفاعل الأخلاقي الناضج.

الحالة البدائية العقلية في الفلسفة الأخلاقية لبرادلي:

من الشهوات البدائية التي تنطوي على نفس السلائف التي تؤكد نفسها من خلال رغباتها، ونصل إلى أنواع مختلفة من الأفعال وأشياء الإرادة والعلاقات المختلفة بين الذات والأشياء، وينتقل الأطفال من الرغبة البسيطة في امتلاك الشيء إلى المتعة التي يتم الحصول عليها في قبول الآخرين إلى العمل الأخلاقي الواعي بذاته وملذاته.

تكشف هذه المراحل أيضًا عن تطور المشاعر والعواطف ونطاق متزايد من أنواع الأشياء التي يمكن للمرء أن يسعد بها، وبعبارة أخرى هناك امتداد لنطاق اهتمامات الفرد وتتجاوز هذه الأشياء المطلوبة إلى الاهتمام بها، فالأشخاص الآخرين والأحداث المستقبلية وما إلى ذلك، ففي هذه العملية تطور الذات مفهومها عن نفسها وبمجرد أن تدرك أنّ مصيرها مرتبط بمصير المجتمع، ولدينا نفس اجتماعية لا ترى نفسها على أنّها غير مبالية بمصالح الآخرين.

تناقض الذات لدى المرء في فلسفة برادلي:

من السمات المهمة لهذه العملية التنموية اكتساب معرفة الخير والشر والقدرة على كليهما، وتنشأ الحاجة إلى ذلك أولاً على المستوى الرسمي لهيكل الفعل الإرادي، والذي يستلزم ازدواجية الذات الدنيا والعليا (أو مفاهيم هذه)، ولتجاوز الشروط الرسمية الضرورية إلى حساب إجراءات محددة يجب ملء هذا الهيكل الرسمي ببعض المحتوى المحدد الذي يشرح طبيعة هاتين الذاتيتين.

وعلى مستوى الأخلاق الاجتماعية قد لا ينطوي هذا على أكثر من معرفة ما يطلبه المجتمع من المرء والتي من الممكن التعرف عليها على أنّها ذات متفوقة والتي يجب أن يكونها المرء جنبًا إلى جنب مع ميول المرء للسير في طريقه الخاص الذي يميز الذات السيئة التي تعارض الأعراف الاجتماعية.

ولكن يجب أن يكون هناك أكثر من مجرد معرفة لأنّه من الضروري أيضًا، من الناحية النفسية أن نشعر بالفعل بالتوتر الناتج عن الميول المتضاربة والمتناقضة ليكون جيدًا وسيئًا، وليس الأمر ببساطة أنّ المرء يفشل في فهم طبيعة العمل الأخلاقي تمامًا بدون ذلك، ولكننا أيضًا لا نستطيع أن نشعر بالتناقضات التي ستدفعنا إلى العمل وبدون فعل لا توجد أخلاق.

ومن ثم فإنّ الفكرة الشائعة القائلة بأنّ الوكلاء والممثلين الأخلاقيين غالبًا ما يُنظر إليهم على أنّهم مضطرون إلى بذل قدر كبير من الجهد على الصراع الداخلي بين الرغبة في أن يكونوا صالحين والميل إلى فعل أشياء يُعرف أنّها سيئة هو مفهوم صحيح.

في نظرية برادلي تقدم النهاية الأخلاقية ذات الهدف لتحقيق الذات في صورتين للذات، حيث تصف إحداهما بأنّها متفوقة وتضع المهمة الأخلاقية على أنّها إدراك تلك الذات المتفوقة في مواجهة الذات الفعلية الأدنى، وبهذه الطريقة تكوّن النزاعات الأخلاقية دائمًا صراعات داخلية.

ومن خلال التمثيل الأخلاقي يكون الهدف من تحقيق ذات المرء الطيبة والتي من الممكن أن تُرى بصورتها الذاتية الحقيقية، ومع ذلك لا أستطيع أن أقول بحسن نية أنّ نفس المرء السيئة ليست نفسها، والنتيجة كما قال برادلي بشكل رائع: “عندما أدخل القوائم ضدها، فإنني أضع رمح في راحة عند صدري”.

لسوء الحظ يمثل هذا أيضًا التوتر الأخير الذي يجعل الأخلاق تناقضًا ذاتيًا، حيث إلى الحد الذي يتمتع فيه الناس بذات جيدة وسيئة فإنّهم يعتبرون تناقضًا ذاتيًا، وإذا كانت هذه ضرورية للأخلاق كما يقترح برادلي فإنّهم يكونون عندئذٍ النهاية الأخلاقية النهائية للفعل إدراك الذات ككل لا نهائي ولا يمكن تحقيقه.

على حد تعبيره: “نحن متناقضون مع الذات: نحن لا نشعر أبدًا بما نشعر به حقًا، حيث نحن حقًا ما نعرف أننا لسنا كذلك، وإذا أصبحنا ما نحن عليه فلا ينبغي أن نكون أنفسنا”، وتسعى الأخلاق حقًا إلى زوالها إذا أدركت الذات المثالية أنّه لن يكون هناك شيء يجب تحقيقه وعند هذه النقطة تكون الأخلاق في نهايتها.

تهدف الأخلاق إلى وقف ما يجعل ذلك ممكنًا (في مكان قريب)، وهذا يوازي الموقف الميتافيزيقي لبرادلي، أي إذا كان الفكر في الواقع يلتقط الوحدة فوق العلائقية التي هي الواقع، فإنّ الفكر يجب أن يتجاوز نفسه، ويلتزم ما يسميه برادلي: “انتحار الفكر السعيد” لأنّ الفكر بطبيعته يحلل ويتلخص لا يمكنه أبدًا أن يعبر عن الوحدة التي يمثلها الواقع والتي لا يشعر بها إلّا بشكل خافت في التجربة المباشرة.

وبالمثل بالنسبة للأخلاق: “إنّه جهد بعد عدم الأخلاق، وهو يندفع إلى ما وراء نفسه إلى مجال فوق أخلاقي حيث يتوقف عن الوجود على هذا النحو”، وفي الواقع يعتقد بعض الكتاب أنّه يمكننا تجاوز الأخلاق إلى مجال الدين، وتتمثل إحدى مزايا هذا في أننا قد نجد نوعًا أخلاقيًا مثاليً، ويقدم مثالًا للذات المثالية التي يجب أن نستهدفها.

فلسفة برادلي في الذات الأخلاقية والتجربة الدينية:

في الواقع يمكن الادعاء بأنّ الذات المثالية في الأخلاق في الدين هي ذاتها في التجربة الدينية، ولكن في نهاية اليوم يعتقد برادلي أنّ الانقسام الأخلاقي القديم بين الخير والشر سوف ينفجر مرة أخرى، مع استبدال كلمة (الخطيئة) بكلمة (سيء) الأخلاق، وبالتالي ينشأ التنافر بالضرورة ولا تتحقق الذات الأخلاقية في التجربة الدينية.

لا ينبغي أن يفاجئنا أي من هذا، ففي وجهة نظر برادلي هي أنّ كل دراسة، سواء كانت تتعلق بالأخلاق أو العالم الطبيعي أو الدين أو أي شيء آخر تبدأ من بعض فرضيات العمل، وإنّ مهمة الميتافيزيقيا هي كشف هذه الفرضيات وإظهار مدى توافقها معًا.

إذا تم تجميع الصورة النهائية معًا فسيكون لدينا رؤية مطلقة ونهائية للواقع، ولكن الوصول إلى هذه النظرة الشاملة والمتماسكة أمر مستحيل بسبب طبيعة الفكر، وبالتالي فإنّ دور فكرة المطلق وهو مفهوم متماسك وشامل للواقع بحيث له منطق الحالة المحدودة.

في الأخلاق نسعى بالمثل إلى الذات المثالية حيث تلك التي تكون متجانسة (متماسكة) ولكنها أيضًا محددة تمامًا (شاملة)، لكن هذا لا يمكن تحقيقه، فكما هو معروف على أنّه ما يدل على أنّ فكرة الذات المثالية هي كل لا نهائي أيضًا له منطق الحالة المقيدة. قد يوجه تفكيرنا الأخلاقي وتفكيرنا العملي لكنه لا يمثل حالة يمكن لأي شخص تحقيقها، وبمجرد أن ندرك أنّ الغاية غير قابلة للتحقيق فهذه نهاية الأخلاق، وهذا ليس نتيجة ضعف من جانب الوكلاء الأخلاقيين ولكن نتيجة للبنية المنطقية للاختيار الطوعي.


شارك المقالة: