الهجاء في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تعددت فنون الشعر الأندلسي وتعددت أغراضه، وتميّز الشعراء في كل غرض، وساعدهم في هذا التميز الكثير من الأمور التي توفرت في طبيعة الاندلس، وتميزوا في شعر الهجاء وتفننوا فيه، وبرز منهم العديد من الشعراء الأندلسيين.

حال الهجاء في الشعر الأندلسي

الهجاء هو أسلوب من أساليب الشعر الذي استخدمه شعراء الأندلس؛ ليقوموا بالتعبير عن غضبهم واستهزائهم تجاه جماعة معينة، والهجاء ضد المديح، ويُعتبر من أنواع الشعر كما جاء على لسان الشعراء، وكان يسمى بشعر الشتم أو الشتيمة، أما في العصر الأندلسي فالهجاء كان له الحظ الأكبر في أدب الشعراء؛ بسبب الصراعات والمظاهر الاجتماعية السائدة، ويعتبر الشاعر أبو بكر المخزومي الأعمى من أشهر شعراء الهجاء في العصر الأندلسي.

العوامل المؤثرة في ظهور الهجاء الأندلسي

إن لشعر الهجاء في الشعر الأندلسي مسببات متعددة كانت هي السبب في توسعه، وهي كما يلي:

العوامل السياسية

شهدت بلاد الأندلس عبر التاريخ أحداثًا سياسية مضطربة غير مستقرة، كالخلاف الذي دار بين الولاة والأمراء، وخضوع الأندلس لسيطرة الأفارقة، إلى أن سقطت في قبضة الإسبان، وبسبب لهذه العوامل والتحديات السياسية، قام الشعراء الأندلسيون بالتعبير عن استيائهم من خلال لجوئهم إلى نمط الهجاء في أشعارهم.

 العوامل الاجتماعية

تنوعت السلوكيات الاجتماعية في الاندلس ومنهم من اشتهر بالالتزام ومنهم من اشتهر باللهو والتحرر، وكان لهذه الأسباب أثر على شعراء الأندلس، فاستخدموا الهجاء لتعبيرهم عن استيائهم من المظاهر الاجتماعية السيئة.

العوامل البيئية المتحضرة

كان للطبيعة المتحضرة في الأندلس وما يمتلكه من روابط ووقت فراغ شاسع، أثر واسع في فتح الطريق للشعراء للجوء إلى نمط الهجاء في شعرهم.

التكسب من الهجاء

استخدم شعراء الأندلس نمط الهجاء طريقه للحصول على المال، خصوصًا أن الملوك كانوا يرتعبون خوفًا من هجاء الشعراء لهم، الأمر الذي جعلهم يتقربون من الشعراء لكسب رضاهم، ويتقربون منهم بالأموال خوفًا من شعرهم.

اتجاهات الهجاء في الشعر الأندلسي

يتفرع الهجاء في الشعر الأندلسي إلى عِدّة فروع ومجالات:

الهجاء السياسي

يتناول الشاعر في الهجاء السياسي التعصب السياسي للوطن، كما يُعدّ الهجاء السياسي من أكثر أنواع الهجاء توسعاً في  الأندلس، ومن أمثلة الهجاء السياسي ما يلي:

هجاء الملوك والحكام

انتشر هذا النوع من الشعر في الأندلس نتيجة ظلم واستبداد الملوك في ذلك الوقت، ويعتبر الشاعر يوسف بن هارون الرمادي من أبرز الشعراء الذين هجوا الملوك في أبياته الشعرية التالية:

يُوَلِّي وَيعزِلُ مِن يَومِهِ

فَلا ذا يَتمُّ وَلا ذا يَتمّ

الهجاء القبلي

بسبب كثرة القبائل التي جاءت إلى الأندلس، توسع شعر الهجاء والذم في هذه القبائل، ومن الأمثلة على هذه القصائد قصيدة الشاعر الصميل التي وضح فيها  عن مشاعر الغضب من اليمنيين، وفيما يلي هذه الأبيات الشعرية:

ألا إن مالي عند طي وديعة

ولا بد يوماً أن ترد الودائع

هجاء البربر

قام البربر بتشكيل نخبة كبيرة من المواطنين في الأندلس، الأمر الذي أدى إلى ظهور فتن عظيمة بينهم وبين العرب، حتى قام شعراء الأندلس بذمهم، مثل أبيات الشاعر السميسر قائلاً:

رأيتُ آدم في نومي فقلتُ لهُ

أبا البريّة إنّ النّاس قد زعموا

أنّ البرابر نسلٌ منك قال إذاً

حوّاءُ طالقةٌ إن كان ما زعموا

هجاء الشعوبية

وكان لنزعة الشعوبية وظهور طبقة الصقالبة والمولدين أثراً كبيرًا في توسع شعر الهجاء في الأندلس، وخصوصًا عندما زاد تدخلهم السياسي في الحكم الأندلسي، وكثر الصراع بينهم، حيث قال الشاعر ابن عبد ربه بغلبة ابن حفصون في أبيات الهجاء الآتية:

رَامَ ابن حفصُونَ النجاةَ فَلَمْ يَسِرْ

والسَّيْفُ طالِبُهُ فَلَيْسَ بِنَاجِ

في لَيلَةٍ أَسرَتْ بِهِ فَكَأنَّما

خِيلَتْ نَقيضَةَ لَيلةِ المِعراجِ

هجاء أصحاب المناصب الرسمية

تناول شعراء الأندلس أشخاص المجتمع الذين عُرف عنهم الانحراف، حيث استغلوا مكانتهم لخدمة أغراضهم الشخصية، ومن الطبقات الاجتماعية التي قام الشعراء بذمهم:

هجاء العمال

ظهر عدد من العمال المنحرفين التابعين للحكّام في عصر الأندلس، وسلكوا طريق القسوة في معاملة الناس، ونهب ممتلكاتهم بطرق غير مشروعة، فلذلك قام شعراء الأندلس بذكرهم في قصائد الهجاء، والشاعر يحيى الغزال أحد أولئك الذين هجوا العمال في إحدى أبياته الشعرية الآتية:

يَقولُ لِيَ القاضي مُعاذٌ مُشاوِرًا

وَوَلّى اِمرءًا فيما يَرى مِن ذَوي العَدلِ

فَدَيتُكَ ماذا تَحسَبُ المَرءَ صانِعًا

فَقُلتُ وَماذا يَفعَلُ الدُبُّ في النَحلِ

يَدُقُّ خَلاياها وَيَأَكُلُ شَهدَها

وَيَترُكُ لِلذِبانِ ما كانَ مِن فَضلِ

 هجاء القضاة

قام شعراء الأدب الأندلسي وذم بعض من القضاة والولاة الذين عُرف عنهم الاستغلال والظلم، ومن الأمثلة على ذلك أبيات شعرية للشاعر ابن الفضل القطان قائلاً:

يا ابن المرخم صرت فينا قاضيًا

خرف الزمان تراه أم جن الفلك

إن كنت تحكم بالنجوم فربما

أما بـشرع محمدٍ مـن أيـن لك

الهجاء الاجتماعي

هجا الشعراء الكثير من العادات الاجتماعية في شهرهم وقصائدهم، ومن الأمثلة على ذلك:

هجاء البخلاء

ذمّ شعراء الأندلس البخل في الكثير من القصائد، والشاعر يحيى الغزال يعتبر من هؤلاء الشعراء، حيث يقول في إحدى قصائده:

قَصَدتُ بِمَدحي جاهِداً نَحوَ خالِدٍ

أُؤَمَّلُ مِن جَدواهُ فوقَ مُنائي

فَلَم يُعطِني مِن مالِهِ غَيرَ دِرهَمٍ

تَكَلَّفَهُ بَعدَ اِنقِطاعِ رَجائي

هجاء المغنيين والمغنيات

وقد قام شعراء الأندلس بذمّ المغنيين والمغنيات، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:

وقينة تدعى بتفتير

مفرغة في قالب الزور

تبدو بوجه ما رآه امرؤ

إلا تمنى النفخ في الصور

نموذج من شعر الهجاء في العصر الأندلسي

قصيدة كن من صروف الردى على حذر

قال الشاعر لسان الدين بن الخطيب:

كُنْ مِنْ صُروفِ الرّدى على حَذَرِ

لا يَقْبَلُ الدّهْرُ عذْرَ معتَذِرِ

ولا تُعوِّلْ فيهِ على دَعَةٍ

فأنتَ في قلْعةٍ وفي سقَرِ

فكُلُّ رِيٍّ يفْضي إلى ظمأ

وكُلُّ أمْنٍ يدْعو الى غَرَرِ

وكلُّ حيٍّ فالموْتُ غايَتُهُ

وكلُّ نفْعٍ يُدْني الى ضرَرِ

كمْ شامِخِ الأنْفِ ينْثَني فرَحاً

بالَ عليْهِ زمانُهُ وخَري

قُلْ للوَزيرِ البَليدِ قد ركَضَتْ

في ربْعِكَ اليوْمَ غارَةُ الغِيَرِ

يا ابْنَ أبي الفتْحِ نسْبَةٌ عُكِسَتْ

فَلا بفَتْحٍ أتَتْ ولا ظَفَرِ

وِزارَةٌ لمْ يَجِدْ مقَلِّدُها

عنْ شُؤمِها في الوُجودِ منْ وَزَرِ

في طالِعِ النّحْسِ حُزْتَ رُتْبَتَها

وكلُّ شيءٍ في قبْضَةِ القَدَرِ

أيُّ اخْتبارٍ لمْ يألُ نصْبَتَهُ

في جسَدٍ للنّحوسِ أو نظَرِ

باتَ لهُ المُشتَري على غبَنٍ

وأُحْرِقَت فيهِ قُرْصَةُ القَمَرِ

يا طَلَلاً ما عليْهِ منْ عمَلٍ

يا شجَراً ما لدَيْهِ منْ ثمَرِ

يا مُفْرِطَ الجهْلِ والغَباوَةِ لا

يُحْسَبُ إلا منْ جُمْلَةِ البَقَرِ

يا دائِمَ الحِقْدِ والفَظاظَةِ لا

يفَرِّقُ بيْنَ ظالِمٍ وبَري

وفي النهاية نستنتج أن شعر الهجاء انتشر في العصر الأندلسي وبرز له العديد من الأغراض التي تميز بها، وكان نتيجة الظلم والاستبداد من قبل الحكام، وكان الملوك يخشون من شعراء الهجاء، ويتوددون إليهم بالأموال والعطايا لتجنب هجائهم.


شارك المقالة: