اقرأ في هذا المقال
- صاحب مقولة انثروا القمح على رؤوس الجبال
- قصة مقولة انثروا القمح على رؤوس الجبال
- جوانب من حياة عمر بن عبدالعزيز
- وفاة عمر بن عبدالعزيز
تبوَّأ الخليفة عمر بن عبدالعزيز مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي لم ينلها إلا الأفذاذ من القادة والفاتحين، والجهابذة من أئمة العلم، والعباقرة من الكتَّاب والشُّعراء. ويزداد عجبك حين تعلم أنّه احتل هذه المكانة بسنتين وبضعة أشهر قضاها خليفة للمسلمين، ولم يحتج إلى سنوات طويلة، ولهذا دلالته؛ حيث إنَّ الأمة كانت حيّة نابضة بالإيمان، مليئة بالرجال الذين يجمعون (إلى جانب الصَّلاح) القدرة والكفاءة، ولو كانت الأمة مجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر أن يقوم بهذا الإصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة.
صاحب مقولة انثروا القمح على رؤوس الجبال:
في المدينة المنورة وُلد لعبدالعزيز بن مروان بن الحَكَم ولد سمّاه“ عمر”، على اسم جدِّهِ لأمّهِ” عمر بن الخطاب “، فقد وُلِد الخليفة أبو حفص عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحَكم الأموي القُرَشيّ سنة (61هـ\681م – 101هـ\720م)، وهو ثامن الخلفاء الأمويين، وسُمّيَ بِعُمر الثاني.
نشأ في المدينة المنورة عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثَّر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة، وكان شديد الإقبال على طلب العلم. وفي سنة 87هـ، ولّاهُ الخليفة” الوليد بن عبد الملك” على إمارة المدينة المنورة، ثم ضَمَّ إليه ولاية الطائف سنة 91هـ، فصار والياً على الحجاز كلها، ثم عُزِل عنها وانتقل إلى دمشق؛ وزوّجهُ عبدالملك ابنته فاطمة، ثم عيّنه والياً على إمارةٍ صغيرة من أعمال حَلب، وظلَّ والياً عليها، حتى تُوفي عبد الملك بن مروان سنة (86هـ=705م). . فلما تولَّى” سليمان بن عبدالملك” الخلافة، قَرّبه وجعله وزيراً ومستشاراً له، ثم جعله وليَّ عهده، فلمَّا مات سليمان سنة 99هـ تولى عمر الخلافة.
قصة مقولة انثروا القمح على رؤوس الجبال:
روى سهل بن أبي صالح، عن رجل من الأنصار قال: أنَّهُ بعد أن فاض المال في بَيتِ مال المسلمين؛ كتب عمر بن عبد العزيز إِلى” عبد الحمِيد بن عبد الرحمن”، وهو بالعراق: أن أخرج للناس أعطياتهم؛ فكتب إليه عبدالحميد: إِني قد أخرجت للناس أُعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال، فكتب إليه: أن انظر كل من ادَّان في غير سفه ولا سرف فاقضِ عنه، فكتب إليه، إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن انظر كل بِكر ليس له مال فشَاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه، فكتب إليه: إني قد زوَّجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلِمين مال، فكتب إِليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفهُ ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين، فبعث إليه إنّي قد أسلفتهم؛ فبعث إليه وقال” أنْ اشتَرُوا قَمحاً وانثُروهُ على رُؤوسِ الجِبالِ؛ حتّى لا يُقالَ جاعَ طيرٌ في بلادِ المُسلمين”.
جوانب من حياة عمر بن عبدالعزيز:
في فترة ولايته على المدينة المنورة؛ نعمت المدينة بالهدوء والاستقرار، وشعر الناس بالأمن والعدل، وقام بتجديد المسجد النبوي وتحسين عِمارته، ثمَّ عزلهُ الخليفة الوليد عن ولايته سنة (93هـ= 711م) بعد أن ظلّ على المدينة ست سنوات، ولم يكن عزله عن تقصير وإهمال، أو تقاعس عن مباشرة أحوال الناس المدينة، ولكن عُزل بسبب وشاية استجاب لها الوليد، فأخرجه من منصبه، فعاد عمر إلى الشام، ولم يتولَّ منصباً في خلافة الوليد بن عبدالملك.
وظل عمر بن عبد العزيز حتى وفاة الوليد بن عبد الملك سنة (96هـ= 714م) في الشام، فلمّا تولّى” سليمان بن عبدالملك” الخلافة من بعده أبقى على عمر، ولم يُولِّهِ منصباً، وجعله في بلاطه مستشاراً وناصحاً ومعاوناً له وظهيراً؛ فلمّا حضرته الوفاة أُوصى له بالخلافة من بعده؛ لما رأى فيه من القدرة والكفاءة، والتقوى والصلاح، والميل إلى الحق والعدل؛ فتولاها في سنة (101هـ= 719م).
منصب خلافة عمر بن عبدالعزيز:
اجتمع لعمر بن عبد العزيز من الصفات والمواهب ما جعله خليفة قديراً نادر المثال، ينهض بمسؤوليته على خير وجه، وشاء الله تعالى أن يعتلي منصب الخلافة والدَّولة في أوج قدرتها وعظمتها، بعد أن مرّت بفترات عاصفة، وأوقات حرجة، وفتن مظلمة، وثورات مدمّرة، لكنَّ الدولة تجاوزت تلك المخاطر، وفرضت هيبتها وسلطانها؛ فعاد الأمن والاستقرار، واستُؤنِف الفتح الإسلامي، وضمَّت الدولة إلى أراضيها بقاعاً شاسعة في الشرق والغرب، وعندما وَلِيَ عمر بن عبد العزيز منصب الخلافة؛ كانت جيوش” مَسلمة بن عبدالملك” تحاصر القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية؛ فكان استقرار الدولة من أسباب ظهور أثر إصلاحات عُمر، وسياسته الحكيمة، وإدارته العادلة.
وفاة عمر بن عبدالعزيز:
كانت خلافة عمر كالنسيم العاطر، تنسَّم المسلمون هواءه الطيب ورائحته الزكية، وسرعان ما انقطع الهواء العليل، وعادت الحياة إلى ما كانت عليه قبل ولايته. فلم تطل حياة هذا الخليفة العظيم الذي أُطلِق عليه“ خامس الخلفاء الراشدين”، فتُوفي وهو دون الأربَعين من عمره، قضى منها سنتين وبضعة أشهر في منصب الخلافة، ولقي ربَّه في (24 رجب 101هـ/ 720م).