كل الأمم التي دبّت الخطى على وجه البسيطة لها الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “بعد اللتيّا والتي”.
إلام يشير مثل “بعد اللتيا والتي”؟
للمرأة حضورها وخصوصيتها في أقوال وأمثال العرب، فمنها ما يمدح الزوجة ومنها ما يبغضها، ولعل من أبرز تلك الأمثال التي قيلت في بُغض الزواج المثل الذي يقول: “بَعْدَ اللَّتيّا والَّتي”، والذي يشير إلى الداهية أو المصيبة الكبيرة والصغيرة، وهو ما قد يعني بعد الكثير من الجدل والكلام.
قصة مثل “بعد اللتيا والتي”:
لقد تمّ استعمال اللَّتيّا تصغيرًا لكلمة الّتي، وقد جاءت هنا لتعبر عن اسم مبهم للمؤنث، وقد ذُكر أن الأصل في ذلك المثل يعود إلى رجل من جديس، وهم قوم من العرب البائدة، وقد قام بالزواج من امرأة قصيرة القامة، غير أنه لم يهنأ بحياته معها، بل إنه عانى الكثير من الشدائد معها، وقد تم التعبير عنها بلفظ التصغير كي يشبهها بالحية، حيث أن الحية كلما ازداد السم بداخلها كلما صغر جسدها؛ وذلك لأن السم يقوم بأكل جسدها.
بعد تجربة الزواج الفاشلة لذلك الرجل من المرأة القصيرة، قام بالزواج من امرأة أخرى طويلة القامة، إلا أنه قاسى وعانى مع تلك المرأة أضعاف معاناته من زوجته الأولى، وبذلك عاش حياته في الزواج غير سعيد على الإطلاق، فقام بتطليق تلك المرأة، ثم قال مقولته الشهيرة التي راحت مثلًا إلى يومنا هذا: “بَعْدَ اللَّتيّا والَّتي لا أتزوج أبدًا، وقد تم استخدام مقولة هذا الرجل التعيس على الشخص الداهية، حيث أصبح مثلًا شهيرًا يستخدمه عامة الناس حينما يريدون التعبير عن بعض المصائب أو الدواهي التي تقابلهم في حياتهم.