بودان والاهتمام بفلسفته

اقرأ في هذا المقال


كان جان بودان فيلسوف الفلسفة الطبيعية وصاحب الفكر السياسيالفرنسي والمفكر الاقتصادي وأستاذ القانون في تولوز، وقد كتب العديد من الكتب بما في ذلك ستة كتب من الكومنولث (Les Six livres de la République) في عام 1606، ومنهج لسهولة فهم التاريخ (Methodus ad facilem historiarum cognitionem) في عام 1566، وندوة الأسرار السبعة للسامية (Colloquium Heptaplomeres) de rerum sublimium arcanis abditis) في عام 1683، ومسارات عن الاقتصاد وفلسفة التاريخ وكتيب عن علم الشياطين.

حياة بودان:

وُلد جان بودان في أنجيه بفرنسا لعائلة حرفيين مزدهرة من أصول يهودية، حيث درس بودان ودرّس القانون الروماني في جامعة تولوز (في وقت قريب كان فيه نافاروس هناك)، وفي حوالي عام 1561 تخلى عن التدريس للتركيز على ممارسة القانون، وعاد إلى باريس كمحامي الملك، وتمامًا حيث بدأت الحروب الدينية بين الروم الكاثوليك والهوغونوت.

كان لدى بودان فضول فكري لا يشبع وكان يقرأ بشغف ففي عام 1566 كتب مقالة عن فلسفة التاريخ، وفي عام 1568 نشر بودان كتابًا عن الاقتصاد صاغ فيه ما يُعترف به عمومًا كأحد العبارات الأولى لنظرية الكمية للنقود، ويوضح بالتفصيل العلاقة بين مستويات الأسعار وعرض النقود.

في عام 1571 دخل بودان في خدمة شقيق الملك دوق ألنسون (لاحقًا أنجو) ورافقه إلى إنجلترا، وفي الأعوام ما بين 1576 إلى عام 1577 خدم بودين كمندوب للطائفة الثالثة في العقارات العامة في بلوا، حيث ألقى بودان نصيبه السياسي مع ميشيل دوبيتال الذي كان فصيله السياسي يحاول بناء طريق ثالث بين متطرفي الرابطة المقدسة الكاثوليكية والاتحاد الكالفيني، كما حث بودان على التفاوض مع الكالفينيين بدلاً من استئناف الحروب الدينية وعارض بيع أراضي النظام الملكي لجمع الأموال لأي مسعى من هذا القبيل.

أثرت تحليلات بودان للسيادة على تطور النظرية السياسية في أوروبا، كما قدم فكرة أنّ المناخ يؤثر على طبيعة الشخصية الوطنية للشعب، وكان توضيحه للنظرية الكمية للنقود التي عزت التضخم في أوروبا إلى الفضة المتدفقة في إسبانيا من بيرو وتوصيته بزيادة الصادرات من أجل رفع الأسعار ومساهمات مبكرة في نظرية المذهب التجاري.

خلال ذروة مشاركته السياسية النشطة قام بودان بتأليف كتبه الستة الشهيرة في عام 1576، موضحًا نظريته الشهيرة عن السيادة والتي كانت متوافقة من نواح كثيرة مع المواقف السياسية التي اتخذها في العقارات العامة، وفي عام 1580 كتب كتيبًا عن علم الشياطين للقضاة في محاكمات السحر.

أخطأ بودان في تقدير الروح المتعصبة في ذلك الوقت، وتصاعدت الحروب الدينية وخرجت السياسات بما في ذلك بودان من صالح الملك، وفي الزوبعة السياسية التي أعقبت ذلك اتهم بودان بالإلحاد، وعندما توفي دوق دالسون في عام 1583 تقاعد بودان إلى لاون كمدعي عام للمحكمة الرئاسية، وفي عام 1588 بعد أن استولت القوات الكاثوليكية على المدينة حول بودان ولاءه بحكمة إلى العصبة المقدسة، ورحب بصعود هنري الرابع واستعادة السياسة في عام 1594 ولكن نظرًا لأنّه أصبح الآن متحالفًا رسميًا مع المتعصبين لم يُطلب من بودان العودة، وتوفي في لاون عام 1596 بسبب مرض الطاعون.

المنشورات والمؤتمرات والمشاريع:

في عام 2013 ظهرت نسختان مهمتان من إصدارات بودان حيث نشرت سارة ميغليتي أطروحة الدكتوراه الخاصة بها (Scuola Normale Superiore, Pisa)، بالإضافة إلى ذلك نشر ماريو تورتشيتي إصدارًا نقديًا من الكتاب الأول للنص الفرنسي للجمهورية (La République) مع نسخة لاتينية موازية من (De Republica) ترجمها بودان وتم نشرها في عام 1586، ويعتبر اروجو (N. de Araujo) مسؤولاً عن النص والمقدمة بقلم كوينتين روبرت دوثي سكينر (Q. Skinner).

هذا المجلد وهو الأول من إصدار ستة مجلدات متوقع متاح الآن على الإنترنت من كلاسيكيات غارنييه، وكان نشره مناسبة لعقد مؤتمر دولي في جامعة فريبورغ في الرابع والخامس من تشرين الأول لعام 2013، ومن المقرر تنظيم جامعة أخرى في الخامس آذار في عام 2015 من قبل جامعتي السوربون باريس الرابعة (دينيس كروزيت) (Paris-IV Sorbonne (Denis Crouzet)) وباريس السادس ديكارت (إيف شارل الزرقا) (Paris-VI Descartes (Yves Charles Zarka)).

عُقد مؤتمر دولي في أكسفورد في حزيران عام 2014 في كلية القديس سانت: “المجتمع والحكومة والأراضي في الفكر السياسي لجان بودان” من تنظيم صوفي نيكولز (Sophie Nicholls) وآن بيكر (Anne Becker).

تم نشر كتاب استقبال بودان (The Reception of Bodin) الذي حرره لويد (Howell A. Lloyd) في مدينة ليدن الهولندية بواسطة بريل في عام 2013، ويعرض المجلد فقيه القرن السادس عشر على أنّه وكيل موشوري من خلال أعماله مجموعة واسعة من المجالات القانونية والفلسفية والدينية والسياسية والأنثروبولوجية، وتم نشر نسيج التعلم في الغرب بشكل متجدد في عالم ناضج للحداثة.

في جامعة تافتس في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية  أطلق ايوانيس افريجينيس (Ioannis Evrigenis) (مشروع بودان)، والهدف منه إتاحة النصوص الفرنسية واللاتينية والإنجليزية لستة كتب من الكومولنث في ترجمة ريتشارد كنولي لعام 1606 على الإنترنت (جمهورية بودان)، وستصبح الإصدارات الرقمية التي ينتجها (مشروع بودان) في الوقت المناسب جزءًا من مجموعة واسعة من الأعمال التي يمكن الرجوع إليها عبر الإنترنت في مكتبة فرساوس الرقمية (Perseus Digital Library)، ومشروع بودان آخر كان مقره في الأصل في جامعة هال وهو الآن مقره في هارفارد.

يهدف مشروع مصادر بودان الذي يديره البروفيسور كينيث دي ماكراي إلى سرد المصادر المذكورة في خمسة من أعمال بودان الرئيسية -المنهجية والجمهورية وديمومانيا ومسرح والتعليق على أوبيان- في شكل يمكن قراءته آليًا.

لم تتوقف الوتيرة المحمومة لدراسات بودان في السنوات الأخيرة فقد تتابعت آنا دي بيلو عام 2014 بالتفصيل الطريقة التي تمت بها الترجمة للغة اللاتينية لكتاب الجمهورية ممّا يوفر فهمًا جديدًا لتوضيح بودان لتحفته الفنية، حيث توفر أوجه التشابه بين النسختين الفرنسية واللاتينية وترتيب النصين والمقارنات بينهما فرصة لتقييم انشغالات بودان في لحظتين مختلفتين في الوقت المناسب، وتشمل هذه الانشغالات تصوراته عن الدولة والهيكل الأمثل لتحقيق نظام حكم يضمن إلى جانب التنظيم الجيد والإدارة السليمة للمجتمع ممارسة السيادة التي تحافظ على العدالة المتناسقة في نظام ملكي مثل فرنسا.

يستكشف دانيال لي عام 2016 مصادر القانون الروماني التي تكمن وراء ظهور نظرية السيادة الشعبية في بدايات الفترة الحديثة والارتقاء إلى مستوى الصدارة، وفي فصلين يسعى إلى تقويض الفكرة التقليدية بأنّ بودان مطلق ويحاول تقديمه في ضوء أكثر واقعية، ويعيد لويد عام 2017 في بناء السيرة الفكرية لبودان بطريقة جديدة.

وأخيرًا يدرس تورتشيتي (Turchetti) عام 2018 التمييز بين الاستبداد والطغيان، والذي كان ضروريًا لبودان باعتباره الأساس القانوني السياسي لحق المقاومة والذي تم نسيانه تدريجياً في القرون اللاحقة، وعلى الرغم من هذا الاهتمام المرحب به في بودان فإنّ الشيء المطلوب المتبقي هي ترجمة إنجليزية جديدة لجمهورية بودان، وهي ترجمة تلبي احتياجات الباحثين في القرن الحادي والعشرين.


شارك المقالة: