كان جورج إدوارد مور أحد أكثر الفلاسفة البريطانيين تأثيراً في القرن العشرين، وتشتهر كتاباته المبكرة برفضه للميتافيزيقاالمثالية وإصراره على عدم اختزال القيم الأخلاقية، كما اشتهر عمله الأخير بدفاعه عن الفطرة السليمة ومفهومه للتحليل الفلسفي، وقضى معظم حياته المهنية في كامبريدج حيث كان صديقًا وزميلًا لراسل ورامسي وفيتجنشتاين.
الأطروحة الأكثر شهرة لأطروحة مور المبكرة عن الأخلاق مبادئ الأخلاق (Principia Ethica) عام 1903، وهي أنّ هناك مغالطة (مغالطة الطبيعة) في جميع النظريات الأخلاقية السابقة تقريبًا.
ومن المفترض أن تنشأ المغالطة من أي محاولة لتقديم تعريف للقيم الأخلاقية، إنّ صحة حجج مور محل خلاف كبير ولكن العديد من الفلاسفة ما زالوا يعتقدون أنّ مور كان محقًا في رفض إمكانية وجود تعريف اختزالي للقيم الأخلاقية، حيث يشتهر الكتاب أيضًا بتأكيد مور على تفوق قيم الفن والحب.
تتعلق كتابات مور اللاحقة بطبيعة العالم الخارجي ومدى معرفتنا به، وفي مواجهة شكوك المثالية حول واقعها والشكوك المتشككة بشأن معرفتنا بها، كما يدافع مور عن الفطرة السليمة من خلال التأكيد على عمق التزامنا بمعتقداتنا المألوفة وانتقاد حجج أولئك الذين يشككون فيها.
ولكن على الرغم من إصراره على حقيقة معتقداتنا المألوفة إلّا أنّه منفتح بشكل ملحوظ فيما يتعلق بتحليلها الذي يهدف إلى توضيح الحقائق التي تتكون منها حقيقتها.
تأثير فلسفة مور:
لا يمكن الشك في أنّ جورج إدوارد مور كان أحد أكثر الفلاسفة تأثيرًا في أوائل القرن العشرين، ومع ذلك فمن الغريب أنّ تأثيره يبدو أنّه لم يكن له علاقة تذكر بآرائه الفعلية، وعلى الرغم من أنّ آرائه المبكرة حول الحقيقة والافتراضات أثرت على برتراند راسل لبعض الوقت إلّا أنّها توقفت منذ فترة طويلة عن لعب دور في المناقشات الفلسفية السائدة.
يمكن قول الشيء نفسه عن آرائه في الأخلاق باستثناء النواحي العامة جدًا التي ذكرها سكوت سومز عن المنهجية الفلسفية لمور.
وعلاوة على ذلك حتى عندما كان تأثير آراء مور الأخلاقية والمنهجية في ذروته فإنّه لا تزال هناك حقيقة أنّ الكثير من المحتوى التفصيلي لآرائه تم تجاهله من قبل أولئك الذين ادعوا أنّهم تأثروا بها، وبالنسبة لكل من فرع اللغة العادية من الفلسفة التحليلية ومجموعة بلومزبري، كانت آراء مور مؤثرة بشكل أساسي بمعنى أنّها قدمت أشكالًا يمكن أن يصبوا فيها محتواهم، ومع ذلك كان مور نفسه يحظى باحترام الجميع.
نقد تأثير فلسفة مور:
هذا اللغز حول تأثير مور تناوله بول ليفي (ليفي 1979) الذي يجادل بأنّ تأثير مور كان بسبب شخصيته أكثر من آرائه، وفي الواقع كثيرًا ما يذكر الأشخاص الذين عرفوه وكتبوا عنه تفرد شخصية مور، على سبيل المثال الفيلسوف جيفري جيمس وارنوك يبدو أنّه يتفق مع ليفي عندما يقول:
“يجب توجيه إشعار خاص إلى شخصية مور، فلم يكن ذلك بسبب مواهبه الفكرية فقط الذي اختلف فيه مور بشكل كبير عن أسلافه المباشرين، أو لم يكن تأثر بقوة معاصريه، ولم يكن لديه أدنى فكرة أنّه كان رجل أكثر ذكاء من ماك تاغارت أو برادلي، فقد كان من وجهة نظري الشخصية أنّه كان مختلفًا وهذا هو الأهم”.
وكان من بين فضائله صدقه الراسخ وتفانيه في الوضوح والحقيقة، فهو لم يكن خائفًا أبدًا من الظهور بمظهر سخيف أو ساذج في بحثه عن الحقيقة، ولذا كان دائمًا ما يقول بالضبط ما يعتقده بأفضل طريقة يعرفها، ولم يكن خائفًا من الاعتراف بالخطأ، ولم يظهر أنّه يحاول الترويج لنفسه أو لجدول أعماله أو نظامه، فقد كان هذا منعشًا بشكل ملحوظ في سياق يهيمن عليه نظام فلسفي حقق مكانة الأرثوذكسية.
ولقد حمل نفسه والآخرين على المعايير الفكرية الصارمة بينما أظهر في نفس الوقت روح الكرم واللطف في علاقاته الشخصية، وهنا يصف جيلبرت رايل أبرز فيلسوف كامبريدج في الجيل الذي أعقب مور أهمية مور بهذه الطريقة:
لقد منحنا الشجاعة ليس بتقديم التنازلات ولكن بعدم التنازل عن شبابنا أو خجلنا، ولقد عاملنا على أننا مؤهلون وبالتالي كمفكرين مسؤولين، وكان ينفجر في أخطائنا وشبهاتنا بهذه الشراسة اللطيفة التي ينفجر بها في أخطاء وتشويش الرؤساء الفلسفيين، وبضراوة العبقرية التي ينفجر بها في أخطاء وفوضى من جانبه”.
تقارير مماثلة تأتي من شركاء مور خارج الفلسفة الأكاديمية، على سبيل المثال يتذكر ليونارد وولف (عضو بلومزبري والرسل):
“كان فيه عنصر يمكن كما أعتقد أن يطلق عليه بدقة العظمة ومزيج من العقل والشخصية والسلوك من الفكر والشعور، مما جعله مختلفًا نوعيًا عن أي شخص آخر عرفته على الإطلاق”.
ليس هناك شك في أنّ شخصية مور استحوذت على نموذج فلسفي معين وضعه سقراط منذ زمن بعيد، وبغض النظر عن وجهة نظر مور يمكننا أن نكون ممتنين لشخصيته وأي تأثير كان وما زال يتمتع به.