تاريخ الأمثال في الأندلس

اقرأ في هذا المقال


تميّزت الحياة الأندلسية بالثراء والغِنى في جميع نواحي الحياة، فهي عبارة عن شمس مشرقة في سماء الغرب، وعبارةٌ عن منارة علم ومعارف واسعة، وهي بوابة عبور الحضارة الإسلامية لدول أوروبا، ولقد أهتم أهل الأندلس بتدوين كل أمور حياتهم، وكان له أثر كبير في نفوس الأجيال المتعاقبة، ولقد خزنتها ذاكرة الأندلسيين على شكل أمثال بسيطة سهلة تربط بين الماضي والحاضر، وتقدم للأجيال الوعظ والإرشاد من خلال تجاربهم السابقة على شكل أمثال عربية.

الأمثال العربية في الأندلس

لقد قام أهل الأندلس بتدوين وجمع الأمثال في مصنفات، وبذلك حفظوا للأجيال القادمة مادة علمية متكاملة، ولقد اهتم الكثير من الأدباء بالأمثال وقاموا على كتابتها وشرحها بشكل كبير، ونذكر منهم ما كتبه ابن هشام اللخمي عن الأمثال، وقام عبد العزيز الأهواني بشرح وتوضيح أمثال ابن هشام وكذلك أمثال ابن عاصم الغرناطي.

ولقد تميز أهل الأندلس بصياغة الأمثال العربية بلسان عربي مبين، وكذلك شاع بينهم الأمثال الشعبية، وإذا دلَّ هذا الشيء إنما يدل على أن أهل الأندلس كانوا يتخاطبون فيما بينهم بلهجة عربية، تحتوي على كثير من المفردات القشتالية، وعند البحث في المصادر الأندلسية نجد أكثر من أربعين مثلًا أندلسيًا، كان متداول بين أبناء الشعب الأندلسي عامة، وبين أمراء وملوك وعلماء وفقهاء الأندلس خاصة.

ونجد أن بعض هذه الأمثال قد قام بصياغتها نصارى من عجم الذمة، وهذا يدل على سيطرة اللغة العربية على الذهون الأندلسية، وتوجه الناس إليها كي تعبر عن تجاربهم في الحياة بشكل عام، مشاركة بذلك اللهجة المتداولة آنذاك، وكانت هذه الأمثال تعبر عن اتجاه إقليمي لصياغة هذه الأمثال من البيئة المحلية، مرتبطة بالأشخاص والأحداث.

أشهر الأمثال الأندلسية

أجمل من وجه أبي عامر: يظهر في هذا المثل استخدام صيغ المبالغة والتناهي، والذي قيل فيه هذا المثل هو رجل أندلسي اسمه أبو عامر محمد بن عامر، وكان معروف بجماله، وقال عنه ابن حزم: “وأما حُسن وجهه وكمال صورته، فشيء تقف الحدود عنه وبَكل الأوهام عن وصف أقله ولا يتعاطى أحدٌ وصفه، ولقد مات من محبته جوارٍ كُنَّ علقن أوهامهن به، ورثين له فخانهن مما أملنه منه، فصرن رهان البلى وقتلتهن الوحدة، وأنا أعرف جارية منهن كانت تسمى عفراء عهدي بها لا تتستر بمحبته حيثما جلست، ولا تجف دموعها”.وبهذا الجمال الأخاذ ليس غريبًا أن يكون أبو عامر مضربًا للمثل في بلاده.

إذا كان البازي حيًا لم تظهر الحَجَلة: وكما هو معروف أن البازي هو نوع من أنواع الصقور، سريع الطيران، والحَجَلة هي طائر يشبه الحمام في حجمه، ويطلق عليه دجاج البر، والمقصود بهذا المثل أن الحَجَلة تقوم بإخفاء نفسها حتى لا يفتك بها البازي، ويضرب هذا المثل بالذي يخلو له الجو.

اسْمَع، واسْكُت، وصدّق الأمير: وذهب الأدباء إلى تصنيف هذا المثل على أنه تعبير مثلي، أكثر من اعتباره مثلًا عربيًا، والمقصود بهذا المثل هو: أقبل الأمر دون جدال أو نقاش.

اشَرَب، هل ابن فتحون رأيت في الماء؟: وعرف عن هذا المثل أنه من الأقوال المشهورة في إسبانيا، وخصوصًا بين فرسانهم، وذلك لاشتهار ابن فتحون في حروبه معهم، وكانوا الفرسان يقولون هذا المثل لخيولهم عندما تمتنع عن شرب الماء.

أفصح من بكر الكناني: وهذا من الأمثال الذي استخدم فيه صيغة المبالغة والتناهي، ويقال هذا المثل لمن كان قوله جيد وفصيح في كلامه، وقد أورده الزبيدي في طبقاته وتحدث عن شخصيته أحد أعلام الأندلس في الأدب واللغة وهو أبو بكر الكناني، إذ قال عنه:” كان من أهل العلم واللغة، وكان الغاية في فصاحة، حتى ضُرب به المثل فقيل: أفصح من بكر الكناني، وكان شاعرًا مجيدًا.”

أفصح من الرشاش: والرشاش هو أبو عثمان سعيد بن الفرج، وعرف بأدبه وكان عالم باللغة وكذلك الشعر، وكان مشهور برواية الشعر والحفظ للغة، وكان يضرب به المثل لفصاحته.

يُحِبُ الشهادة والرجوع إلى البيت: ويشير هذا المثل إلى الجمع بين متناقضين وكذلك السخرية ممن يُظهر نفسه شجاعًا، لكنه يبتعد عندما تشتد المحن.

يعطي الجوز من لا عنده أسنان: يضرب هذا المثل لمن يحصل على شيء لا حاجة له به، ويمنعه عمن يستحقه أكثر منه.

مرقع الخزّ باللبود: ويعرف أن الخزّ نوع من الملابس، واللبود هو الصوف، والمقصود من هذا المثل بيان قيمة الشيء الغالي.

ويوجد أيضًا أمثال تتحدث عن المدن الأندلسية وأهلها، فمثلًا يضرب المثل بأهل قرطبة أنهم يكثر لديهم الفضول، وكثرة المشاكل، والثورة على الملوك، فقيل فيهم هذا المثل: “مثل الجَمَل إن خفّفت عنه الحِمل صاح وإن أثقلته صاح.

كما تناولوا في أمثالهم الفواكه الأندلسية حيث ضرب المثل بالتين المالقي، وكذلك ضرب المثل بتطيلة واشتهارها بالحرث الطيب، كما قاموا على مدح سكن مدينة جيَّان حيث قالوا: امدح البلدان واسكن جَيَّان، وهناك الكثير من الأمثال العامية التي ما زالت دارجة ومستخدمة باللغة الإسبانية حتى الآن.

الأمثال في الرسائل الفنية الأندلسية

تعتبر الأمثال الأندلسية شاهدًا على ما وصل إليه أهل الأندلس من مكانة فكرية وثقافية مرموقة، وهذه الأمثال تعكس للمتلقي قدرة أهل الأندلس على إعادة صيغة التجارب والخبرات المكتسبة بقالب فني رائع، مصورًا فيها جميع أحوال المجتمع الأندلسي.

وقد احتوت مؤلفات عديدة أمثال أندلسية ومنها كتاب عبد البر “بهجة المجالس وانس المجالس،” وكذلك كتاب ابن عبد ربه “العقد الفريد” ولقد برز عدد من الأدباء والكتّاب في دمج الأمثال في مؤلفاتهم، ومنهم: أبو محمد بن حزم وأبو عبد الله بن أبي الخصال، وغيرهم الكثير.

خصائص الأمثال العربية الأندلسية

1ـ عُرفت الأمثال الأندلسية بأنها مفعمة بالشعرية، أي أن الألفاظ المستخدمة في الألفاظ تحمل إيحاءات شعرية، وكذلك يظهر في بناء المثل أنه يقوم على انسجام، ويحمل صورًا شعرية.

2ـ يمتاز اللفظ في الأمثال بأنها منتقاه بعناية كبيرة وهي ألفاظ جيدة منمقة، ويوجد ترابط بين الفكرة والألفاظ المستخدمة.

3ـ الدقة في استخدام المفردات حيث تجعل لكل كلمة معنى، وترتبط بالبيئة.

4ـ تحتوي على محسنات بديعية بشكل كبير مثل الجناس والسجع والطباق وغيره الكثير.

5ـ امتازت الأمثال الأندلسية بإفصَاحِها عن الجو العلمي والثقافي لأهل الأندلس.

وفي النهاية نستنتج أن الحياة الأندلسية قد تميزت بالثراء والغنى في جميع نواحي الحياة، ولقد اهتم أهل الأندلس بتدوين كل أمور حياتهم على شكل أمثال عربية سهلة تربط بين الماضي والحاضر.


شارك المقالة: