تركته تغنيه الجرادتان

اقرأ في هذا المقال


لا شك أنّ تراثنا العربي يمتلئ بالحكم والأمثال، فقد ضمن الكثير من الشعراء قصائدهم عبارات، جرت على ألسن الناس مجرى الأمثال، وقد جاءت أغلب تلك الأمثال حصادًا لمواقف وأحداث مختلفة، ومثل: “تركته تُغنيه الجرادتانِ” قد قيل في قديم الزمان، وله قصة سأوردها في بضعة سطور.

فيم يضرب مثل: “تركته تُغنيه الجرادتانِ”

مثل: “تركته تُغنيه الجرادتانِ” من الأمثال العربية المشهورة، وهو يُضرب فيمن كان لاهيًا في نعمة ودعة وترف، وأمّا الجرادتان، فهما: قينتا معاوية بن بكر، أحد العماليق، وفيما يُروى أنّ عادًا حين كذّبوا نبي الله هودًا _عليه السلام_ توالت عليهم ثلاث سنوات، ما رأوا فيها مطرًا فأرسلوا من قومهم وفدًا إلى مكة، ليستسقوا لهم، وبعثوا عليهم بقيل بن عنق، ولقيم بن هزال، ولقمان بن عاد.

قصة مثل: “تركته تُغنيه الجرادتانِ”

كان أهل مكة في ذلك من العماليق، وكان سيدهم في مكة: معاوية بن بكر، فلمّا أتوا، نزلوا عليه، ذلك أنّهم كانوا أخواله وأصهاره فمكثوا لديه شهرًا، وقد كان يكرمهم، والجرادتان تغنيان لهما، فنسوا وغفلوا أمر قومهم شهرًا فقال معاوية: “هلك أخوالي، ولو قلت لهؤلاء شيئًا ظنّوا بي بخلًا”، فنظم شعرًا، ووضعه بين يدي الجرادتين، فأنشدتاه، وهو:

“ألا يا قَيْلُ وَيْحَكَ قم فَهَيْنِمْ * لعلَّ اللّه يَبْعَثُها غَمَاما

فَيَسْقِيَ أرضَ عادٍ إِنَّ عادا * قَدَ امْسَوْا لا يُبِينُونَ الكلاما

من العَطَش الشديدِ فليس تَرْجُو * لها الشيخَ الكبيرَ ولا الغُلاَما

وقد كانت نساؤُهُم بخيرٍ * فقد أَمْسَتْ نساؤهم أيامَى

وإن الوحش يأتِيهِمْ جهَاراً * ولا يَخْشَى لعادِىٍّ سِهَاما

وأنتم ههُناَ فيما اشتهيتم * نهارَكُمُ وليلكم التماما

فقبح وَفْدُكم من وفد قومٍ * ولا لُقُّوا التحيةَ والسلاما”.

حين غنّت الجرادتان لهما بهذا الشعر، قال بعضهم لبعض: “يا قوم، ما بعثكم قومكم إلّا ليتغوثوا بكم”، فقاموا من فورهم ليدعوا، وأمّا لقمان فقد تخلّف، وكانوا إذا دعوا جاءهم نداء من السماء، أن سلوا ما شئتم فتعطون ما سألتم، فدعوا ربهم واستسقوا لقومهم، فأنشأ الله لهم ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى منادٍ من السّماء: يا قيلُ، اختر لقومك ولنفسك واحدة من هذه السحائب.

حينها قال قيل: أمّا البيضاء فجفل، أي تصبّ ماءها وتمضي، وأمّا الحمراء فعارض، أي سحاب في الأفق، وأمّا السوداء فهطلة، أي فيها المطر الكثير الغزير، وهي أكثرها ماء، فاختارها، فنادى منادٍ: قد اخترت لقومك رمادًا رمدًا، لا تبقي من عاد أحدًا، لا والدًا ولا ولدًا، وقد ساق الله إلى عاد السّحابة التي قام قيل باختيارها، وجاء النداء للقمان أن سل، فسأل عمر ثلاثة أنسر فأعطي ذلك، وكان يأخذ فرخ النسر من وكره فلا يزال عنده حتى يموت، وكان آخرها لبد، وهو من قال فيه النابغة:

“أَضْحَتْ خَلاَء وأَضْحَى أهلُها احْتَلَمُوا * أخْنَى عليها الذي أخْنَى على لُبَدِ”.


شارك المقالة: