تفسير سورة الرعد

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى : (الۤمۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِۗ وَٱلَّذِیۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ (١) ٱللَّهُ ٱلَّذِی رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ بِغَیۡرِ عَمَدࣲ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاۤءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ ٱلَّذِی مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰ⁠سِیَ وَأَنۡهَـٰرࣰاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ جَعَلَ فِیهَا زَوۡجَیۡنِ ٱثۡنَیۡنِۖ یُغۡشِی ٱلَّیۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ (٣)) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

  • ذكر الله سبحانه وتعالى الرعد – فهو سبب من أسباب الخوف والرعب في قلوب الناس – وسبب من أسباب حمل الخير والرحمة للعباد.
  • صوته يدب الرعب في القلوب، لكنّه يسبح الله تعالى.

فضل السورة:

أخرج ابن أبي شيبة والمروزي في الجنائز عن جابر بن زيد قال: كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإنّ ذلك يخفف عن الميت وإنّه أهون لقبضه وأيسر لشأنه.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة بالكلام عن الأكثر من الناس وأنّهم لا يؤمنون قال تعالى: ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) ﴾ صدق الله العظيم.
  • وتم ختم السورة بالكلام عن الكافرين، وأنّهم لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣) ﴾ صدق الله العظيم.
  • وذلك للتنبيه على أنّهم لا يطلبون الحق، ولا يؤمنون به.
  • قال الرازي: ولما ذكر تعالى أنّ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق بين أنّ أكثر الناس لا يؤمنون به على سبيل الزجر والتهديد، ثم قال: علم أنه تعالى لما ذكر أن أكثر الناس لا يؤمنون ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد.

المحور الرئيسي للسورة:

قوة الحق.

مواضيع السورة المباركة:

المشاهدة لآيات الله الكونية، والتدبر فيها للدلالة على ألوهية ووحدانية الله تعالى، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ﴾ صدق الله العظيم .

2 – تذكير الناس بهلاك وزوال الأمم التي كذبت الرسل، وبيان عاقبتهم السيئة، قال تعالى: ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ﴾ صدق الله العظيم.

قال الرازي: اعلم أنّه صلى الله عليه وسلم كان يهددهم تارة بعذاب القيامة وتارة بعذاب الدنيا، والقوم كلما هددهم بعذاب القيامة أنكروا القيامة والبعث والحشر والنشر، وهو الذي تقدم ذكره في الآية الأولى، وكلما هددهم بعذاب الدنيا قالوا له: فجئنا بهذا العذاب؛ وطلبوا منه إظهاره وإنزاله على سبيل الطعن فيه، وإظهار أن الذي يقوله كلام لا أصل له، فلهذا السبب حكى الله عنهم أنّهم يستعجلون الرسول بالسيئة قبل الحسنة، والمراد بالسيئة هاهنا: نزول العذاب عليهم.

3 – أهمية إعمال العقل، وصفات وميزات أصحاب العقول وجزؤاهم، قال تعالى: ﴿أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هو أعْمى إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ﴾ صدق الله العظيم، قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى﴾ صدق الله العظيم، هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، وروي أنّها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأبي جهل لعنه الله. والمراد بالعمى عمى القلب، والجاهل بالدين أعمى القلب، قال الآلوسي: ﴿أولو الألباب﴾  أي – العقول الخالصة المبرأة من متابعة الإلف ومعارضة الوهم فاللب أخص من العقل.

4 – بيان سنّة الله في الرسل، أنّه جعل لهم أزواجاً وأبناء وذرية، لكي يكونوا قدوة لمن جاء من بعدهم من الناس، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) ﴾ (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية)صدق الله العظيم، قال أهل التفسير:  أي أنّ الرسل الذين أرسلناهم من جنس البشر لهم أزواج من النساء ولهم ذرية توالدوا منهم ومن أزواجهم ولم نرسل الرسل من الملائكة الذين لا يتزوجون ولا يكون لهم ذرية.

5- ضرب الله المثل لتوضيح قوة الحق، وضعف الباطل، قال تعالى : ﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّیۡلُ زَبَدࣰا رَّابِیࣰاۖ وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیۡهِ فِی ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَاۤءَ حِلۡیَةٍ أَوۡ مَتَـٰعࣲ زَبَدࣱ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَـٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ﴾ صدق الله العظيم، قال صاحب فتح البيان: والمعنى يذهب باطلاً ضائعاً أي أن الباطل وأن علا في وقت فإنه يضمحل ويذهب، وقيل الجفاء المتفرق قاله ابن الأنباري يقال جفأت الريح السحاب أي قطعته وفرقته ووجه المماثلة بين الزبدين في الزبد الذي يحمله السيل والزبد الذي يعلو الأجسام المتطرقة إن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبداً رابياً فوقه وكذلك ما يوقد عليه في النار حتى يذوب من الأجسام المتطرقة فإنّ أصله من المعادن التي تنبت في الأرض فيخالطها التراب فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذي خالطها خبثاً مرتفعاً فوقها.

فوائد ولطائف حول السورة المباركة:

كل الكون ساجد لله ومطيع له إلا العصاة والكافرون قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ یَسۡجُدُ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ ۩﴾ صدق الله العظيم- [الرعد ١٥] قال الرازي: اعلم أنّ في المراد بهذا السجود قولين:

القول الأول: أنّ المراد منه السجود بمعنى وضع الجبهة على الأرض، وعلى هذا الوجه ففيه وجهان:

أحدهما: أنّ اللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد به الخصوص وهم المؤمنون، فبعض المؤمنين يسجدون لله طوعاً بسهولة ونشاط، ومن المسلمين من يسجد لله كرهاً لصعوبة ذلك عليه مع أنّه يحمل نفسه على أداء تلك الطاعة شاء أم أبى.

  • والثاني: أنّ اللفظ عام وهو يعني: التعظيم والاعتراف بالعبودية، وكل من في السماوات ومن في الأرض يعترفون بعبودية الله تعالى.

2 – أهمية ذكر الله تعالى وأنّه يُطمئن القلوب قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ صدق الله العظيم، قال فخر الدين الرازي: وإذا عرفت هذا، فالقلب كلما توجه إلى مطالعة عالم الأجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرف فيها، أمّا إذا توجه القلب إلى مطالعة الحضرة الإلهية حصل فيه أنوار الصمدية والأضواء الإلهية، فهناك يكون ساكناً، فلهذا السبب قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ صدق الله العظيم.

الوجه الثاني: أنّ القلب كلما وصل إلى شيء فإنه يطلب الانتقال منه إلى حالة أخرى أشرف منها؛ لأنّه لا سعادة في عالم الأجسام إلّا وفوقها مرتبة أخرى في اللذة والغبطة، أمّا إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء الصمدية بقي واستقر، فلم يقدر على الانتقال منه البتة؛ لأنّه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منها وأكمل؛ فلهذا المعنى قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ صدق الله العظيم .

3 – قال تعالى: ﴿لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ﴾ صدق الله العظيم، أخرج ابن أبي الدنيا والطبراني والصابوني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «وكل بالمؤمن ثلاثمائة وستون ملكاً يدفعون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل من الذباب في اليوم الصائف وما لو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل كلهم باسط يديه فاغر فاه وما لو وكل العبد فيه إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».

4 – قوله تعالى : ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ صدق الله العظيم، قال ابن جُزَيّ: يعني ينسخ ما يشاء من القرآن والأحكام، ويثبت منها ما يشاء، وقيل: هي في آجال بني آدم، وذلك أنّ الله تعالى قدر في ليلة القدر، وقيل: في ليلة النصف من شعبان بكتب أجل من يموت في ذلك العام، فيمحوه من ديوان الأحياء، ويثبت من لا يموت في ذلك العام، وقيل: إنّ المحو والإثبات على العموم في جميع الأشياء، وهذا تردّه القاعدة المتقررة أن القضاء لا يبدل، وأن علم الله لا يتغير، فقال بعضهم: المحو الإثبات في كل شيء إلا في السعادة والشقاوة الأخروية، والآجال قال تعالى : ﴿وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ﴾ صدق الله العظيم، أصل كل كتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الأشياء كلها.


شارك المقالة: