تفسير سورة الطارق

اقرأ في هذا المقال



تفسير سورة الطارق :

قوله تعالى: (وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ (١) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ (٢) ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ (٣)) صدق الله العظيم[الطارق ١] والسماء والطارق، قسمان أقسم بهما الله سبحانه وتعالى، يقسم بالسماء، بخلقها العظي، كمات أخبر فقال تعالى: ﴿لَخَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ صدق الله العظيم[غافر ٥٧]، وقد فسر الطارق بـ (النجم الثاقب) النجم في السماء، هذا النجم طارقٌ، ولا يقال له طارقٌ، إلا إذا كان يطرقُ ليلاً، وعلى ذلك النجم يظهر بالليل، وقيل له ثاقب، أي، شديد اللمعان يثقب بالليل، قال ابن عباس رضي الله عنه وقتاده (الثاقب) أي، يتوقد ضياؤه ويتوهج، وقيل هو نجم يرمي الشياطين، يثقب إذا رُمي به.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بقوله: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.

قال تعالى: ﴿إِن كُلُّ نَفۡسࣲ لَّمَّا عَلَیۡهَا حَافِظࣱ﴾ [الطارق ٤] أي ما من نفس إلا وعليها حافظ، يحفظ أعمالها، ويحفظ أقوالها، ويحفظ سرها، وعلانيتها كل النفوس المؤمنة والكافرة، النفوس الصالحة، والمطيعين، والعاصين، كلهم عليهم حافظ من الله، يحفظون أعمال العباد، قال تعالى عنهم: ﴿مَّا یَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَیۡهِ رَقِیبٌ عَتِیدࣱ﴾ صدق الله العظيم[ق ١٨] فإذا أيقنت أنّك عليك حافظ يحفظ أعمالك، يحفظ حركاتك وسكناتك، وتعلم أن الله مطلع عليك، يحفظ سكناتك، وقد خصك بمزية جليلة، عندما قال عنك: ﴿لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ﴾ صدق الله العظيم[الرعد ١١].

قوله تعالى: (فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِن مَّاۤءࣲ دَافِقࣲ (٦) یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ (٧) إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرࣱ (٨) یَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَاۤىِٕرُ (٩) فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةࣲ وَلَا نَاصِرࣲ (١٠)) صدق الله العظيم، ينبه الله الإنسان حتى لا يطغى، ولا يتكبر، ولا يتجبر، ولا ينسى أنّه عبدٌ ضعيف، وكذلك حتى يستكين لربه ومولاه، انظر كيف خلقك الله من ماء مهين، وخلق أباك من تراب، قال تعالى: ﴿یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾ صدق الله العظيم[الطارق ٧] يتدبر، يتفكر، الصلب، صلب الرجل أي صلبه الذي في ظهره، الذي يسميه الناس (سلسلة الظهر) ﴿یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾ : ترائب المرأة، وترائب المرأة موضع القلادة منها.

قال تعالى: (إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرࣱ (٨)) صدق الله العظيم، هناك وجهان عند أهل العلم في معنى الآية:

الوجه الأول: قال جماهير أهل العلم من المفسرين، ومعنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر، ولا يعجزه ذلك، قال تعالى: ﴿أَوَلَمۡ یَرَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن نُّطۡفَةࣲ فَإِذَا هُوَ خَصِیمࣱ مُّبِینࣱ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلࣰا وَنَسِیَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن یُحۡیِ ٱلۡعِظَـٰمَ وَهِیَ رَمِیمࣱ (٧٨) قُلۡ یُحۡیِیهَا ٱلَّذِیۤ أَنشَأَهَاۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِیمٌ (٧٩)﴾ صدق الله العظيم [يس ٧٧-٧٩] بلى على كل شيء قدير، وكذلك دليلهم قوله تعالى : ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ یَعۡیَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یُحۡـِۧیَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰۤ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾ صدق الله العظيم[الأحقاف ٣٣] وهذا القول عليه جماهير أهل التفسير.

الوجه الثاني: أنّه على رجعه، أي على رجع الماء الدافق، يرجعه رب العزة – سبحانه وتعالى- في صلب الرجل، وإلى ترائب المرأة، ربنا قادر، ولا يعجزه شيء سبحانه وبحمده.

ولكن القول الأول هو الذي عليه جماهير أهل التفسير والله أعلم.

قوله تعالى: ﴿یَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَاۤىِٕرُ﴾ صدق الله العظيم[الطارق ٩] وهذه الآية تؤيد، قول العلمالذين قالوا، أن المراد رجع الإنسان، أن الله يرجعه بعد موته، يحيه، ويبعثه للعرض، والنشور بين يدي رب العالمين، فيا حسرة من أسر سريرة سيئة، ويا سعادة من أسرَّ سريرة حسنة، فالعبد يجب عليه أن ينوي الخير، ولا ينوي الشر، فمن نوى سريرة شر جوزي بها، وكذلك الخير، وهذا غير الخاطر، وهذا دليله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عمّا وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم.

وهناك خاطر يخطر على النفس، وهناك حديث للنفس، وهناك هم، وهناك عزم، فأمّا حديث النفس، والخاطر، فهذا لا يؤاخذ به العبد، وأما العزم، والهمُ لا شك أنه يُكتب في الحسنات، ودليل ذلك ما جاء عن عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسناتٍ إلى سبعمائة ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدة)).، سبحانه وبحمده، فكم من أناسٍ يسرون وفي باطنهم حقداً، وحسداً.

ثم قال تعالى: ﴿فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةࣲ وَلَا نَاصِرࣲ﴾ صدق الله العظيم[الطارق ١٠] ليس له قوة يتقوى بها، وليس له ناصر ينصره، ليس له من دون الله ولي ولا شفيع ينصرهقال عكرمة هؤلاء الملوك ما لهم يوم القيامة من قوة ولا ناصر، قال سفيان القوة العشيرة والناصر الحليف والأول أولى.

قوله تعالى: ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ﴾ صدق الله العظيم[الطارق ١١] الرجع: أي المطر، ويعني السحاب المُحمل المثقل بالمطر، وقيل لها ذات الرجع، لأنّ السماء تُرجع المطر مرة بعد مرة، عام بعد عام.

قوله تعالى: ﴿وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ﴾ صدق الله العظيم [الطارق ١٢] ذات الشقوق، وقيل: قال أبو عبيدة والفراء: تتصدع بالنبات.

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ صدق الله العظيم [الطارق ١٣] كلام عظيم، ليس ككلام البشر فهو كلام رب البشر، كلامٌ فصل حكمٌ ما بيننا، وفيه نبأ من قبلنا، ورضي الله عن ابن عباس عندما قال:

تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يَضِلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ قوله تعالى:( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [ طه 123 : 126 ].


شارك المقالة: