تفسير سورة العنكبوت

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿الۤمۤ (١) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦) ﴾ صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

العنكبوت هو المثال الوحيد الذي ذكره سبحانه وتعالى في هذه السورة؛ للتنبيه على بعض الدلائل قال تعالى:  ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) ﴾ صدق الله العظيم.

موافقة أول السورة لأخرها :

بدأت السورة بذكر اختبار الله لعبده المؤمن، قال تعالى: (أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)) صدق الله العظيم، وختمت بمثالين من الابتلاءات والاختبارات، قال تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِی ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ یُشۡرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧)) صدق الله العظيم .


  • وبدأت السورة بجهاد النفس لرب العالمين، قال تعالى: ( وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦)) صدق الله العظيم، وختمت بجهاد النفس لرب العالمين، قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [العنكبوت ٦٩] صدق الله العظيم.
  • وذلك أن قام بمجاهدة نفسه من أجل الله تعالى، مهما نزلت به ابتلاءات، ستكون نصرة الله معه، وتأييده، ولن تضره الفتن.

مواضيع السورة الرئيسية :

  1. ذكر الكثير من الفتن والابتلاءات، وهي اختبار من الله سبحانه وتعالى ومنها.
  2. فتنة الوالدين.
  3. فتنة الناس والتهديد والتعذيب) قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال»
  4. فتنة الشهوة: قال تعالى:  ﴿وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٢٨) أَىِٕنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِیلَ وَتَأۡتُونَ فِی نَادِیكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ (٢٩)﴾ [العنكبوت ٢٨-٢٩] صدق الله العظيم.
  5. فتنة الدنيا: قال تعالى: ﴿وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡوࣱ وَلَعِبࣱۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ (٦٤) صدق الله العظيم.

لطائف وحكم من السورة:

  1. قوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ﴾ [العنكبوت ٢] صدق الله العظيم، في سبب نزول هذه الآيات وفيه أقوال:

الأول: أنّها نزلت في عمار بن ياسر، وعياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام وكانوا يعذبون بمكة.

الثاني: أنّها نزلت في أقوام بمكة هاجروا وتبعهم الكفار فاستشهد بعضهم ونجا الباقون.

الثالث: أنّها نزلت في مهجع بن عبد الله قتل يوم بدر.

  • قال تعالى : ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۤۚ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (٨) وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِی ٱلصَّـٰلِحِینَ (٩)﴾ [العنكبوت ٨-٩] صدق الله العظيم، نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال: أنزلت في أربع آيات فذكر قصة، فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر! والله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها، فنزلت هذه الآية: “ووصينا الإنسان بوالديه حسنا” الآية.
  • 4- قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦) ﴾ [العنكبوت ٥-٦] صدق الله العظيم، قال ابن القيم: لما علم الله سبحانه أن قلوب المشتاقين إليه لا تهدأ إلا بلقائه، ضرب لهم أجلا للقاء؛ تسكيناً لقلوبهم.
  • 5-  قال تعالى: ﴿وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ﴾ [العنكبوت ١١] صدق الله العظيم، قال الرازي: أقسام المكلفين ثلاثة: مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده، وكافر مجاهر بكفره وعناده، ومذبذب بينهما يظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده، والله تعالى لما بين القسمين بقوله تعالى: ﴿فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾ (العنكبوت: ٣ ) وبين أحوالهما بقوله: ﴿أم حسب الذين يعملون السيئات﴾ إلى قوله: ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ بين القسم الثالث.
  • 6- قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: ما الفائدة في ذكر مدة لبثه ؟ نقول: كان النبي عليه السلام يضيق صدره بسبب عدم دخول الكفار في الإسلام، وإصرارهم على الكفر، فقال: إن نوحا لبث ألف سنة تقريبا في الدعاء، ولم يؤمن من قومه إلّا قليل، وصبر وما ضجر، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك، وكثرة عدد أمتك، وأيضا كان الكفار يغترون بتأخير العذاب عنهم أكثر، ومع ذلك ما نجوا فبهذا المقدار من التأخير لا ينبغي أن يغتروا فإنّ العذاب يلحقهم.

شارك المقالة: