للأمثال والحكم أهمية بالغة في حياة الشعوب، فهي مرآة تنعكس على صفحتها صور حياتها الاجتماعية والسياسية والطبيعية، وما هي إلا تعبير صادر من عامة الناس من غير تكلف ولا تصنع، ولذلك يلجأ الباحثون والدارسون عن طبائع الشعوب والمجتمعات إلى دراسة أمثالها، ولربما كانت الأمثال هي فقط التي وصلت إلينا كلها كما نطق بها أصحابها بلا تغيير أو تحريف ولا زيادة أو نقصان؛ لما تمتاز به من تركيز بالغ وإيجاز شديد، وقبول للحفظ والشيوع على الألسنة في كل مناسبة، وبذلك تكون أصح ما بقي من النصوص النثرية الجاهلية وأقربها إلى أصولها الأولى، وحتى إن لم تقدم صورة كاملة عن النثر الجاهلي.
لم يضرب مثل تمخض الجبل فولد فأرًا؟
يُضرب هذا المثل في السخرية لمن يتوقع منه أن يأتي بالكثير، بينما هو يأتي بالشيء القليل الذي لايذُكر، ولا يتناسب مع العطاء المتوقع منه، وكما أنه يُضرب في حالة أن تكون كمية الشيء الذي حصلنا عليه غير كافية، ولا تساوي مقدار الجهد والتعب الذي بُذل في سبيل نيله أو الحصول عليه، وهذا المثل من الأمثال الشهيرة التي تداولتها الأجيال حتى عصرنا، وله قصة معروفة سيتم ذكرها فيما يلي من سطور.
قصة تمخّض الجبل فولد فأرًا:
يُروى أن أحداث مثل “تمخض الجبل فولد فأرًا” قد حدثت في زمان قديم، إذ أنه في أحد الوديان، كان جماعة من البدو الرحّل مسافرين، ولما شعروا بالتعب من السفر، قرروا أن ينصبوا خيمتهم في مكان في الوادي بالقرب من الجبل، وبينما هم جالسون يتناولون القهوة، رأوا بعض الرمال والحجارة الصغيرة، تتساقط من الجبل من فوق، حينها شعر جميع الجالسين بالخوف الشديد ظنًّا منهم أن خطرًا قادمًا، أو ربما زلزالًا أو بركانًا، ونهض الجميع مسرعين من المكان وقاموا بمراقبة الجبل جيدًا.
بعد مدّة قصيرة خرج من واحد من الجحور في الجبل فأر صغير، وقد هرب أمامهم مسرعًا إلى الجانب الآخر من الوادي، فضحك الجميع، وعندئذ قال شيخ من الحاضرين معهم: “تمخض الجبل فولد فأرًا”، وأصبحت تلك الجملة التي قالها الشيخ الكبير مثلًا مشهورًا جدًا تناقلته الأجيال فيما بعد عبر الأزمنة.