اقرأ في هذا المقال
- نظريات بودان في الاقتصاد والمالية
- نظريات على الشياطين
- بحلول وقت زيارته إلى إنجلترا كان بودان قد نشر كتابه توزيع القانون العام (Juris universi Distribution) الذي كان قد شرع فيه قبل أكثر من عقدين، وتزامن ظهور هذا التمرين الفقهي عالي التقنية بشكل وثيق مع نشر عمل مختلف تمامًا وهو من ديمومانيا السحرة (De la Démonomanie des Sorciers) سيئ السمعة، والذي ما دفع هذا الخطاب شبه اللاذع والذي كان ضد السحرة، وحسب روايته كان بهدف الحاجة إلى إبعاد أولئك الذين رفضوا الاعتراف بالزيادة غير العادية في عددهم، وبالتالي فشل هؤلاء المنكرين والقضاة بينهم في فهم الأعاجيب.
- فالطبيعة التي نراها باستمرار أمام أعيننا لم تشمل تلك الأعاجيب أعمال إله صالح فحسب بل شملت أيضًا قدرات الشيطان التي كان إنكارها بمثابة الاعتراف بالجهل المتعمد للبشرة الروحية للكون، والكتاب بنبرته المفرطة ومعرفته الاستثنائية بالممارسات الشيطانية عرّض مؤلفه للنقد من جميع الجهات.
- المذهب الطبيعي
كان جان بودان الفقيه والفيلسوف السياسي والطبيعي والمؤرخ والاقتصادي وعالم الشياطين والكثير غير ذلك والذي يعد أحد أبرز الشخصيات الفكرية في القرن السادس عشر، ومع ذلك فإنّ العديد من تفاصيل حياته غير مؤكدة، وينطبق الشيء نفسه بالطبع على شخصيات بارزة أخرى في عصر النهضة في أوروبا وخاصة الأدباء حول جوانب من حياتهم يكون الدليل غالبًا طفيفًا أو غامضًا، ولكن الغموض في حالة بودان تفاقم بسبب حقيقة أنّه كان اسمًا شائعًا بشكل غريب.
نظريات بودان في الاقتصاد والمالية:
في عام 1568 نشر بودان المؤسسة المالية الرئيسية (au paradoxe de monsieur de Malestroit)، وهو دحض لشرح طبيعة وأسباب تضخم الأسعار المعاصر الذي اقترحه ضابط في المؤسسة المالية الرئيسية للملك في غرفة الحسابات (Chambre des Comptes).
وبمراجعة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للظاهرة بالإضافة إلى تأثيرها على التمويل الملكي طرح بودان شرحه الخاص المكون من خمس نقاط والذي يرأسه الاقتراح القائل بأنّ السبب الرئيسي هو وجود وفرة غير عادية من الذهب والفضة في الاقتصاد الفرنسي والأوروبي، وقد أدت الأطروحة إلى اعتماده لاحقًا في صياغة نظرية الكمية للنقود ولكن المنح الدراسية الحديثة الآن أقل ميلًا للسماح له بهذا الاعتراف.
في عام 1566 نشر ماليسترويت (M. de Malestroict) رئيس حسابات جني الأموال عمله المفارقات ليثبت أنّه خلافًا للرأي العام في فرنسا لم ترتفع الأسعار الحقيقية خلال القرون الثلاثة الماضية، وبعبارة أخرى ظلت قيمة النقود متناسبة مع كمية الذهب والفضة التي تحتويها، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالتضخم افترض ماليسترويت أنّه على الرغم من أنّ سعر الأرض والممتلكات قد يكون قد ارتفع منذ عهد سانت لويس التاسع فإنّ التضخم لم يكن الجاني.
وبدلاً من ذلك كان يعتقد أنّ تناقص كمية الذهب والفضة هو الذي تسبب في ارتفاع الأسعار، وكان ماليسترويت مقتنعًا وفقًا لآراء ذلك الوقت بأنّ الذهب والفضة كانا قيمًا تمثيلية لم تتأثر بتقلبات الأسواق العالمية، وأيضًا بينما قد يرتفع سعر العناصر المختلفة كانت العناصر تساوي كمية ثابتة من الذهب أو الفضة لا تتقلب، ونظرًا لأنّه يتم الحكم على الثروة من خلال كمية المال فإنّ المعادن هي الحكم الحقيقي والعادل للقيمة السوقية أو سعر العناصر.
دحض بودان هذه الحجة وركز على مسألة وفرة الذهب والفضة التي اعتبرها السبب الرئيسي والمفرد لارتفاع أسعار عصره، ويقول: “في السابق لم يقدم أحد مثل هذه الحجة”، وأضاف في هذا الصدد سببين ثانويين آخرين لارتفاع الأسعار وهما:
1- احتكار التجار والحرفيين الذين اجتمعوا في النقابات والأخويات لتحديد أسعار السلع وفقًا لأهوائهم، فضلاً عن ندرة السلع الكمالية.
2- كما أنّه وفقًا لبودان كانت الحرب سببًا آخر لارتفاع الأسعار فهي تخلق نقصًا وبالتالي تؤدي إلى زيادة تكلفة السلع.
افترض بودان أنّ الحل يكمن في إنهاء النزاعات ومنذ ذلك الحين يمكن للأطراف أن تشغل نفسها بالتجارة فيما بينها بدلاً من شن الحرب، ففي رأيه حول العلاقة بين المال وسعر البضائع دعا بودان إلى التبادل الذي يجب أن يكون صادقًا وخاليًا من الثروة وعظمة المملكة، فقد كان يعارض الرأي السائد في عصره والذي كان رأي ماليسترويت والذي اعتبر أنّ حل التضخم هو إسناد القيم القانونية إلى المال بموجب مرسوم ملكي.
بالنسبة إلى بودان يجب أن تحدد قوانين السوق سعر الذهب والفضة أي حسب العرض والطلب، وعلى أمل تطوير هذه الأفكار الجديدة كان بودان قلقًا على الأشخاص الذين يغمرهم التضخم، ووفقًا لبودان فإنّ الحاكم الذي يغير سعر الذهب والفضة يهدم شعبه وبلده ونفسه.
نظريات على الشياطين:
بحلول وقت زيارته إلى إنجلترا كان بودان قد نشر كتابه توزيع القانون العام (Juris universi Distribution) الذي كان قد شرع فيه قبل أكثر من عقدين، وتزامن ظهور هذا التمرين الفقهي عالي التقنية بشكل وثيق مع نشر عمل مختلف تمامًا وهو من ديمومانيا السحرة (De la Démonomanie des Sorciers) سيئ السمعة، والذي ما دفع هذا الخطاب شبه اللاذع والذي كان ضد السحرة، وحسب روايته كان بهدف الحاجة إلى إبعاد أولئك الذين رفضوا الاعتراف بالزيادة غير العادية في عددهم، وبالتالي فشل هؤلاء المنكرين والقضاة بينهم في فهم الأعاجيب.
فالطبيعة التي نراها باستمرار أمام أعيننا لم تشمل تلك الأعاجيب أعمال إله صالح فحسب بل شملت أيضًا قدرات الشيطان التي كان إنكارها بمثابة الاعتراف بالجهل المتعمد للبشرة الروحية للكون، والكتاب بنبرته المفرطة ومعرفته الاستثنائية بالممارسات الشيطانية عرّض مؤلفه للنقد من جميع الجهات.
تمت كتابة معاملته للشيطانية على أنّها ترياق لتفشي الشعوذة، حيث كانت هذه العدوى تنتشر بمعدل ينذر بالخطر ويرجع الفضل في ذلك أيضًا إلى اللامبالاة المتزايدة والضارة في المجتمع، وقام بودان بتدريب أنظاره على يوهان وير (Johann Wier) الخادم السابق للسيد الشهير للتنجيم كورنيليوس أغريبا (Cornelius Agrippa) والمعلمة لأطفال جين دي ألبريت (Jeanne d’Albret) (والدة هنري نافارا المستقبل هنري الرابع).
العمل مقسم إلى أربعة كتب وهي:
1- الأول يعرّف القارئ بأفكاره الأساسية: تعريف الساحر وارتباط الشياطين بالرجال، والفرق بين الارواح الطيبة والسيئة، والوسيلة البشرية والإلهية لفهم أسرار الغيب والوسائل غير المشروعة للتأثير في الأحداث البشرية.
2- الكتاب الثاني يوجه القارئ إلى السحر بشكل عام وإلى الدعوات الصامتة والمنطوقة للأرواح الشريرة، ثم يتطرق إلى أكثر الأسئلة إثارة للجدل وهل أولئك الذين ينبذون الله يمتلكون جسديًا الشياطين؟ وما هو الليكانثروبي؟ وهل يمكن للمرء أن يحول البشر إلى حيوانات؟ وهل يمكن أن يسبب السحرة المرض والعقم والبرد والعواصف وموت البشر والحيوانات؟
3- يقترح الكتاب الثالث علاجات مشروعة ضد السحر والتعاويذ ويأخذ في الاعتبار ما إذا كان صحيحًا أنّ السحرة لديهم القدرة على الشفاء، حيث يتناول بودان هنا أيضًا ما إذا كان السحرة لديهم القدرة على التأثير في العثور على النعمة مع الأقوياء والجمال والشرف والثروات والمعرفة والخصوبة، كما يتحدث عن السبل غير المشروعة لمنع وشفاء الشر وطريقة طرد الأرواح الشريرة.
4- يختتم الكتاب الرابع العمل بمعالجة قضايا الممارسة السحرية وأهمها محاكم التفتيش عن السحرة، ويتفحص طرق التقاضي والأدلة المطلوبة والعقوبات الواجب توقيعها، ففي معظم الحالات يوصي بودان بعقوبة الإعدام بالحرق.
المذهب الطبيعي:
في السنوات الأخيرة من حياته كرس بودان نفسه بطموح لعمله والذي كان يأمل في اختراق أسرار الكون، فمسرحه للطبيعة العالمية (Theatrum) هو علاج لعلم الطبيعة أو الفلسفة الطبيعية، ووفقًا للعنوان يتناول العمل في خمسة كتب الأسباب الفعالة والأخيرة لكل شيء في العالم، حيث إنّها موسوعة جيدة التنظيم للمعرفة العالمية في شكل حوار بين ثيورس (Theorus) والمنظر الفضولي الذي يراقب العالم وميستاجوجوس (Mystagogus) سيد ومرشد.
أقسام الكتاب:
1- يتناول الكتاب الأول مبادئ الطبيعة وأصل العالم وانحطاطه.
2- بينما يتناول الكتاب الثاني العناصر الطبيعية للنيازك والصخور والمعادن والحفريات.
3- الكتاب الثالث يستكشف أنواع الحيوانات.
4- يتناول الكتاب الرابع الروح.
5- بينما يتناول الكتاب الخامس عدد السماوات وحركتها وعظمتها على التوالي.
هذا مثال على أعمال الفلسفة الطبيعية التي أرادت أن تكون شاملة وكانت نموذجية لعصر النهضة، فاتهامات المذهب الطبيعي والإلحاد التي أثارتها ندوته السبعة حول أسرار الجليل (Heptaplomeres) لم يتم إعادة إشعالها وتوسيعها إلّا من خلال المسرح، وبغض النظر عن حقيقة أنّه يشير مرارًا وتكرارًا إلى خالق قوي كل شيء معجب بالنظام في كل شيء.