اقرأ في هذا المقال
لكل أمّة من الأمم التي رسمت خطاها على وجه البسيطة الإرث الثقافيّ الخاص بها، والذي جعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، وفيما يلي سيتم ذكر قصة المثل العربي الشهير، هو: “شب عمرو عن الطوق”.
فيم يضرب مثل: “شب عمرو عن الطوق”؟”
مثل: “شب عمرو عن الطوق” مثل عربي فصيح، يلامس الجانب التربوي والأخلاقي في تربية الأبناء، وهذا شيء لم تغفل عنه أمثالنا العربية، وهو يُقال لمن يعامل الابن الذي وصل حد البلوغ بدلال، وميوعة، إذ لما يشبّ الصبي، ويتجاوز مرحلة الصبا بات من الضروري أن يعامله والداه بالذي يناسبه، فلكل مرحلة يمر بها الإنسان طريقة مختلفة في التعامل، وغالبًا ما تقوم الأمهات بتدليل أبنائهن، وهذا ما لا يرضاه بعض الآباء، والمقصود بالمثل: كبر الفتى على أن يرتدي الطوق أو أن يدلل، ويُقصد بها كذلك كبر الفتى وصار يافعًا بفعل الزمن، ففي صغره كان يرتدي الطوق، أما في الكبر فليس من الملائم أن يفعل هذا، وللمثل قصة مشهورة سأوردها فيما يلي.
قصة مثل: “شب عمرو عن الطوق”:
فيما يُروى عن الملك “جذيمة الأبرش”، أنه كان له ابن أخت صغير يدعى عمرًا، وقد كان جذيمة شديد الحب له، ولما بلغ عمرو من العمر ثمانية أعوام، اعتاد أن يخرج مع الخدم ليجنوا بعض الثمار، وفي يوم من الأيام خرج عمرو، غير أنه لم يرجع، فأصاب جذيمة حزن عظيم، وأخذ يبحث عنه، إلا أنه لم يجد له أثرًا، وبقي عمرو زمانًا ضائعًا يضرب في الأرض يمينًا ويسارًا ، ولكن دون عودة.
في أحد الأيام أتى رجلان يحملان الهدايا والتحف لزيارة الملك جذيمة، وإذ هم يسيران في طريقهما ألفيا صبيًا شعره طويل، وأظافره متسخة وغير مهذبه، يحيا وحده في هذا المكان، فحملاه معهما إلى قصر الملك، ولما دخلا عليه بالفتى، عرفه جذيمة على الفور، وفرح بعودته أجم الفرح، وأرسل إلى أمه لتنظيفه، وأخذت الأم ولدها لتنظفه، وتلبسه جميل الثيا ، وتعطره، ثم إنها زينته بالطوق الذي كان يرتديه وهو صبي صغير، فما إن دخل على الملك جذيمة بزينته وهندامه، شاهد الطوق في عنقه، فابتسم، وقال: “لقد شب عمرو عن الطوق”، أي أنه أصبح صبيًا يافعًا بفعل الزمن.
العبرة من مثل “شب عمرو عن الطوق”:
أما العبرة من المثل فهي أن الزمن يفعل بالناس كثيرًا، إذ إنه يبدل ملامحهم، ويظهر عليهم علامات التقدم في السن، وما كان يلائمهم بالماضي قد لا يناسبهم اليوم ، لذا يجب معاملتهم حسب ما هم فيه، لا على حسب ظننا بهم ،ويُضرب هذا المثل دائمًا للدلالة على تقدم عمر الصغير، وتركه لمرحلة الطفولة.