على الرغم من تطور اللغة خلال التاريخ، وانتقال البشر من عبر العصور المختلفة من حديث لأحدث، ومع هذا كله بقيت الأمثال الشعبية والفصيحة مع البشر واستمرت، إذ نجدها رفيقة لهم في المواقف والأحداث المختلفة، تمثّلها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي ذات الأمثال التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجية النصح للآخرين، وأما المثل الذي نحن بصدد التعرّف عليه فهو: “زامر الحيّ لا يطرب”، وبالطبع سنتعرف سويًّا إلى قصة ظهوره، كما سنستوضح المواقف التي يُضرب ويُقال فيها.
فيم يضرب مثل “جوع كلبك يتبعك”؟
مثل “جوع كلبك يتبعك”، هو مثل شعبي ذائع يُقال في المواقف عن معاشرة لئام الناس، وما ينبغي أن يُعاملوا به، وقد جعل الكثير من الناس هذا المثل أسلوبًا وسياسية في التعامل مع من يديرونهم، أو من هم أصغر منهم؛ وذلك كي يبقوا في حاجة إليهم فلا يخرجوا عن أوامرهم، وهذا المثل له أصل في كلام العرب، وكان يُروى بصيغة “أجع كلبك”.
قصة مثل جوع كلبك يتبعك:
يُقال إن أول من قال مثل “جوع كلبك يتبعك”، هو واحد من ملوك حمير، إذ إنه كان عنيفًا سليطًا على الرعية في مملكته، يسلبهم أموالهم ويغتصب ما في أيديهم، وقد أخبره الكهنة أن أهل المملكة سوف يقتلونه، غير أنه لم يحفل بذلك، وفي يوم من الأيام سمعت زوجته أصوات أهل المملكة تسأله، فقالت له: ارحم هؤلاء لما يلاقونه من الجهد، وأما نحن ففي رغد من العيش، وإني أخاف عليك أن يصيروا سباعًا، وقد كانوا لنا أتباعًا، فرد عليها قائلًا :”جوع كلبك يتبعك” فصارت مثلًا، وظل على حاله هكذا زمانًا طويلًا، وذلك وفق ما ذكر كتاب “المنتقى من أمثال العربية”.
في أحد الأيام حدثت حرب بين ذلك الملك وبين أحد ملوك المدن المجاورة، فغزاهم وانتصر وغنم من الحرب، ولم يتقاسم مع رعيته شيئًا من الغنائم، فلما خرجوا من عنده قالو لأخيه، وكان أميرهم: “قد ترى ما نحن فيه من الجهد والشقاء، ونحن نكره أن يخرج الملك منكم، فساعدنا على قتل أخيك، واجلس مكانه”، وكان قد عرف بغيه واعتداءهم عليه فأجابهم إلى ذلك، فوثبوا عليه فقتلوه، ومرّ به عامر بن جزيمة وهو مقتول، وكان قد سمع مقولته: “جوع كلبك يتبعك”، فقال: ربما أكل الكلب صاحبه، إذا لم ينل شبعه؛ فصارت مثلًا.