كان الفيلسوف برتراند راسل يفتخر باستعداده لتغيير رأيه، لم يكن العناد في مواجهة الحجج المضادة كذلك في رأيه، كما أنّه يعد فيلسوف ذي عقلية علمية، ولكن لسوء الحظ فقد بالغ في الانفتاح الذهني، والتخلي عن النظريات الجيدة للنظريات الأسوأ في مواجهة الحجج المضادة الضعيفة، وأحيانًا كان ينسى بعضًا من أفضل أفكاره الخاصة، لذلك فإنّ التطور العقلي لراسل ليس دائمًا قصة مثيرة للتقدم الفكري.
هل أثّر راسل على مور؟
كتب جورج إدوارد مور في سيرته الذاتية الفكرية: “لقد تأثرت بالتأكيد براسل أكثر من أي فيلسوف آخر”، ولكن السيرة الذاتية لمور تقترح (دون أن تقول ذلك في الواقع) أنّ هذا التأثير كان في الغالب ميتافيزيقي، ولربما الفيلسوف ببرتراند راسل كان له تأثير كبير في فكره وفلسفته على مذاهب مور الأخلاقية، وأنّ بعض أفكار مور الرئيسية قد تم تطويرها في سياق المناقشات المستمرة مع راسل.
استغرقت مبادئ مور الأخلاقية (Principia Ethica) وقتًا طويلاً حتى تنتهي، حيث كان لديه مسودة جيدة عام 1898 لكنه لم ينشرها حتى عام 1903، فلماذا التأخير الطويل؟ يُعتقد أنّ أحد الأسباب هو أنّه كان عليه أن يتعامل مع مشكلة طرحها ربما عن غير قصد من قبل راسل.
فلسفة راسل في مفهوم حجة الحشو العقيمة:
لا بد من الذكر أنّه من غير المعترف به عمومًا أنّ المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) تحتوي على حجتين متميزتين ضد ما يسمى بالمغالطة الطبيعية، فالخطأ الفكري المفترض المتمثل في تحديد الخير مع بعض الممتلكات الأخرى (عادةً وإن لم يكن بالضرورة خاصية طبيعية)، حيث أنّ الأول المشتق من الفيلسوف سيدجويك والذي له تاريخ فلسفي طويل يذهب إلى شيء مثل هذا:
1- بالنسبة إلى أي علامة (X) طبيعية أو ميتافيزيقية، فإذا كانت كلمة جيدة تعني (X)، فإنّ:
أ. (X) أشياء جيدة، وستكون عبارة عن حشو قاحل.
ب. (X) من الأشياء هي (X).
جـ. الأشياء الجيدة جيدة.
2- بالنسبة لأي علامة (X) طبيعية أو ميتافيزيقية فإذا كانت عبارة “(X) أشياء جيدة” عبارة عن حشو قاحل فلن يوفر سببًا لاتخاذ إجراء (أي سببًا للترويج لـ لحالة (X).
3- لذلك بالنسبة لأي حرف (X) طبيعي أو ميتافيزيقي إمّا أن تكون عبارة “(X) أشياء جيدة” لا تقدم سببًا للعمل، أي سببًا للترويج لحالة (X)، أو جيد لا تعني (X)، ولوضع النقطة بطريقة أخرى بالنسبة لأي حرف (X) طبيعي أو ميتافيزيقي إذا كانت عبارة “(X) من الأشياء جيدة” توفر سببًا للعمل (أي سببًا للترويج لحالة (X)، فإن كلمة جيد لا تعني (X).
بعد راسل سميت هذه بحجة الحشو العقيمة أو (BTA) اختصارًا لـ (Barren Tautology Argument)، فالفكرة هي أنّ الخير لا يمكن أن يكون مرادفًا لأي (X) طبيعي، وإذا كان من المفترض أن تكون عبارة “(X) الأشياء جيدة” سببًا للفعل بدلاً من الحشو العقيمة.
على سبيل المثال إذا كانت كلمة (جيدة) تعني فقط (ممتعة)، فإنّ (الأشياء السارة جيدة) هي عبارة عن حشو قاحل (يعادل: “الأشياء السارة ممتعة” أو “الأشياء الجيدة جيدة”) ولا يمكن أن تقدم لنا سببًا لـ السعي وراء المتعة.
فقط أوضح راسل ذلك بمثال أنّه إذا لم يكن كل من (الخير) و (اللذة) مترادفين فإنّه يمكن أن توفر الأشياء السارة جيدة حافزًا فكريًا للسعي وراء الأشياء الممتعة، فعندما تكون (A): “الخير يعني اللطيف” و (B) يقول: “الخير يعني المرغوب”، فقد يرغبون فقط في التأكيد على أنّ معظم الناس قد استخدموا الكلمة لما هو ممتع وما هو مطلوب على التوالي، ولكن لا يُعتقد أنّ أي من دعاة الأخلاق الطبيعية سيكون على استعداد للسماح بأنّ هذا كان كل ما يقصده.
حيث أنّهم جميعًا حريصون جدًا على إقناع البشرية بأنّ ما يسمونه الخير هو ما يجب علينا فعله حقًا، مثل: “افعل وصلِّ وتصرّف لأنّ كلمة خير تُستخدم عمومًا للإشارة إلى أفعال من هذا النوع، وهكذا في هذا الرأي سيكون جوهر تعاليمهم، ولكن ما مدى سخافة السبب الذي قد يقدمونه ذلك!
فعلى المرء أن يفعل هذا لأنّ معظم الناس يستخدمون كلمة معينة للإشارة إلى سلوك مثل هذا، وعلى المرء أن يقول الشيء الذي ليس كذلك لأنّ معظم الناس يسمونه كذب، وهذه حجة جيدة بنفس القدر! وعندما يقولون: “المتعة خير” لا يمكن تصديق أنّهم يقصدون فقط اللذة هي اللذة وليس أكثر من ذلك”.
ومع ذلك لم يخترع مور هذه الحجة، ويعود لآرثر نورمان بريور في كتابه المنطق وأساس الأخلاق عام 1949 في الفصل التاسع، وإلى كودوورث في القرن السابع عشر، على الرغم من أنّه من المشكوك فيه ما إذا كان مور على علم بذلك.
ولا يبدو أنّه قد تمت قراءته جيدًا بشكل خاص ولكنه يحدث إختراعه بالتأكيد لدى سيدجويك والذي يُفترض أنّ مور جاءت فلسفته منه، ويجب تمييز حجة الحشو العقيمة عن حجة السؤال المفتوح (Open Question Argument-OQA) والتي اخترعها مور وعلى الأقل في شكلها الحديث.
حجة السؤال المفتوح لمور:
1- عبارة “هل (X) أشياء جيدة؟”، وهو سؤال مهم أو مفتوح لأي مسند طبيعي أو ميتافيزيقي لـ (X) (سواء كان بسيطًا أو معقدًا)، ويكون السؤال مهمًا أو مفتوحًا إذا كان فهم اللغة لا يكفي للحصول على إجابة، وهكذا عبارة “هل العازبون غير متزوجين؟” ليس سؤال مفتوح.
2- إذا كان تعبيرا (سواء كانا بسيطين أو معقدين) مترادفين فهذا واضح عند التفكير لكل متحدث مختص.
3- معنى كلمة المسند أو الخاصية هي الخاصية التي تقف من أجلها، وبالتالي إذا كان لاثنين من المسندات أو كلمات الملكية معاني مميزة فإنّهما يسميان خصائص مميزة.
من حجة رقم (1) إلى حجة رقم (2) حيث يتبع ذلك:
4- كلمة: “جيد” ليس مرادفًا لأي مسند طبيعي أو ميتافيزيقي لـ (X) (أو كلمة “الخير” مع أي اسم أو عبارة اسمية لحالة (X).
إذا كانت كلمة “جيد” مرادفًا لبعض المسند الطبيعي (X)، فسيكون هذا واضحًا عند التفكير لكل متحدث مختص، ومن ثم سيكون هناك بعض الأسئلة من النموذج “هل (X) أشياء جيدة؟” والتي لا يبدو أنّها مفتوحة للمتحدثين الأكفاء، لأنّ فهم الكلمات المتضمنة سيكون كافياً للحصول على إجابة إيجابية.
وبالنظر إلى بند رقم (1) لا يوجد مثل هذا السؤال، ومن ثم فإنّ كلمة الخير ليس مرادفًا لأي مسند طبيعي (X).
من حجة رقم (3) وحجة رقم (4) حيث يتبع ذلك:
5- لا يتطابق الخير مع أي خاصية طبيعية أو ميتافيزيقية لحالة (X).
يتم تحريك هذه الحجة لتشويه سمعة تحليل طبيعي معين لكلمة الخير، وهذه واحدة من أكثر التحليلات المعقولة لأنّها أحد أكثر هذه التعريفات تعقيدًا، حيث يعني (الخير) ما نرغب فيه، ومن أين حصل مور على هذا التعريف؟ لم يقل ذلك ذلك لأي أحد، ولكن في الواقع لم يكن مخترع هذا التعريف المعقول سوى حضرة الفيلسوف برتراند راسل.