الأمثال هي عبارات ذات مغزىً وتحمل بين طياتها العظة والفائدة، والإيجاز من غير حشو أو إطالة هو أهم مميزات الأمثال، مع عمق في المعنى وكثافة في الفكرة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل عبارة محكمة البنية بليغة، شائع استعمالها عند طبقات المجتمع كافة، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند النّاس بثقة تامّة، فصدّقوه ذلك أنّه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من معضلة قديمة، وتلك المعضلة القديمة آلت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو: “حسبك من شرّ سماعه”.
فيم يضرب مثل: “حسبك من شرّ سماعه”؟
أمّا مثل: “حسبك من شرّ سماعه”، فيدور معناه حول ما قد يسمعه المرء من أقوال سيّئة، أو ما فيه إشارة إلى حديث عار وعيب، الأمر الذي يثير نفور الكثير من البشر، وفي هذا الشّأن لقد أبدع العرب في أقوالهم التي تستنكر سماع الشّرّ، وتدعو إلى الاكتفاء بمجرد سماعه، فمثل: “حَسبُكَ مِن شَرّ سَمَاعُهُ“، يُضرب حين يجب على الإنسان الاكتفاء بسماع الشّرّ، وعدم معاينته.
قصة مثل: “حسبك من الشّرّ سماعه”
مثل: “حسبك من الشّرّ سماعه”، قد جاء على لسان أمّ الرّبيع بن زياد العبسيّ، وذلك لمّا كان ابنها الرّبيع قد أخذ درعًا من قيس بن زهير بن جذيمة، فقام قيس بالتّعرّض لأمّ الرّبيع وهي على راحلتها أثناء مسير لها، إذ إنّه رغب في أن يذهب بها من أجل أن يرتهنها بالدّرع الذي أخذه ابنها.
استشاطت أم الربيع غضبًا، وقالت لقيس: “أين عزب عنك عقلك يا قيس؟، أترى بني زياد مصالحيك، وقد ذهبت بأمّهم يمينًا وشمالًا، وتكلّم النّاس ما قالوا وشاؤوا؟، وإنّ حسبك من الشّرّ سماعه”، لتصبح عبارتها الأخيرة مثلًا، وهي تعني: “كفى بالقول عارًا وإن كان باطلًا”، حيث إنّها أرادت أن توقف قيس عند حدّه؛ لتخبره حجم خطئه من خلال إفصاحه بما ينوي فعله معها، ليصبح كلامه عارًا، الأمر الذي يكفيه عند هذا الحدّ دون أن يفعل شيء.
في رواية أخرى فقد جاء عن بعض النّساء الشّواعر أنّ صاحبة هذا المثل، هي: عاتكة بنت عبدالمطلب، عمّة رسول الله_ صلّى الله عليه وسلم_ في البيت القائل: “سائل بنا في قومنا * وليكفِ من شرّ سماعه”، وعلى كل حال فإنّ هذه العبارة أصبحت مثلًا يُضرب في العار والقول السّيء الذي يحمل في طيّاته نوايا سيئة غير مقبولة.
